"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
إذا ما كانت ثمة مقاربة علمية للتنوع البيولوجي في لبنان، فالأمر يستدعي إعلان خطة طوارئ واعتبار ما بقي من غابات وأحراج محميات طبيعية خاضعة لقوانين تراعي النظم البيئية وتساعد على تجددها، وتاليا منع الصيد البري نهائيا، خصوصا وأن لبنان فقد أكثر من 90 بالمئة من الطيور المقيمة، وهي نسبة لم تحددها جهة علمية، وإنما صيادون خبروا على مدى عشرات السنين طبيعة لبنان، ويؤكدون اندثار أنواع الطيور المستوطنة، وإن كانت مصادر علمية وبحثية تقر بانقراض عشرات الأنواع وتعتبر القليل المتبقي منها على القائمة الحمراء وفي طور الانقراض.
لعل كثيرين قد يعتبرون أن إعلان كافة الأحراج محميات طبيعية فيه شيء من المبالغة، لكن النتائج المترتبة عن فقدان لبنان لتنوعه البيولوجي هي نتائج مخيفة، لا نتلمس أخطارها مباشرة وإن كنا بدأنا نعيش بعض تبعاتها، ففقدان طائر يعني غياب حلقة من نظام بيئي متكامل، حتى الطيور المهاجرة التي تراجعت أعدادها في السنوات العشر الماضية مع فرضية علمية تؤكد أن بعضها غيّر مسار هجرته، لها وظيفة لجهة القضاء على الحشرات الضارة والقوارض.
صاحب الريش الذهبي
وإذا ما تحدثنا عن طائر بعينه يواجه خطر الانقراض، فإنما نتحدث عن خلل في مجمل البنية الايكولوجية المحلية، أي عن فقدان بعض مقوماتها في ميزان البيئة الطبيعية التي يعيش الانسان بين ظهرانيها، ومن بينها طائر "النعار"، وهو عصفور بحجم الحسون أشارت دراسة حديثة لـ "الجمعية العالمية لحياة الطيور" Bird Life International وهي تمثل شراكة دوليا لحماية الطبيعة، أن "أعداده تراجعت إلى مستويات غير معهودة من قبل وبات مهددا بالانقراض"، وعزت الأسباب إلى "الجفاف، الرعي الجائر، قطع الاشجار والصيد"، ولفتت إلى أن "تراجع أعداده بدا واضحا منذ العام 1996 نتيجة لهذه الأسباب مجتمعة في لبنان والأردن وسوريا بشكل خاص".
يعرف "النعار" علميا باسم Serinus syriacus أي "النعار السوري"، ذلك أن علماء الطيور عثروا عليه في منطقة بلاد الشام (لبنان، سوريا، الاردن، فلسطين والعراق)، لكن وجوده يقتصر على المناطق التي يتراوح ارتفاعها ما بين 900 و 1900 متر عن سطح البحر، ويتميز "النعار" بريشه الأصفر المائل إلى الذهبي وصوته الصداح ولا يتجاوز طوله 12 سنتيمترا، وهو من الطيور النادرة التي تتواجد فقط في تلك المنطقة.
عاشق الصنوبر
وينتشر هذا الطائر الجميل عادة في الغابات الصنوبرية وفي المناخ المعتدل ولا سيما الموجودة على مقربة من مصادر المياه العذبة من ينابيع وأنهار وهو يقتات على الحبوب، وفي لبنان ليس ثمة دراسات وافية عن "النعار" في ما عدا ما أورده خبير الطيور في مجلس البحوث العلمية الدكتور غسان جرادي مؤخرا من أن "النعار السوري هو طائر نادر مسجل حالياً على قائمة الطيور المهددة بالانقراض وهو من فصيلة الكناري ويشبه إلى حد كبير أقرانه بلون ريشه وطبيعة تغريده وينتشر فقط في بلدان فلسطين والأردن وسوريا وبكثرة في لبنان حيث يمكن مشاهدة أسراب من هذه الطيور التي تعد بالمئات لوفرة المقومات البيئية التي تلائمها لظروف الاستيطان".
وبين جرادي أن "هذه الطيور المغردة تراجعت أعدادها في منطقة الزبداني السورية المتاخمة لحدود لبنان الشرقية وفي منطقة دانا بالأردن وقد تكون هذه الطيور قد انقرضت في الأراضي الفلسطينية".
وأشار إلى أن "العمل جار حاليا لوضع خطة إستراتيجية وطنية لحماية هذه الفصيلة من الطيور لا سيما من مخاطر الصيد العشوائي والغير منظم حيث يسعى الكثير من اللبنانيين إلى الإمساك به ووضعه في أقفاص بغية بيعه في المحلات المخصصة للطيور أو حتى من خلال الباعة المتجولين حيث ينتهي به المطاف إلى أحد البيوت اللبنانية"، ولا يتوقف الخطر عند الصيد، فوفقا لجرادي فإن "الغابات الصنوبرية التي تعد البيئة الحاضنة لذلك الطائر تشهد تراجعاً كبيراً مقابل التوسع العمراني والنشاط البشري".
آكل المن
لكن العاملين في مجال تجارة الطيور، ومن يقومون بالتقاط الطيور المغردة عبر "الدبق" أكدوا لـ "غدي نيوز" أن أعداد أسراب النعار والحسون تراجعت كثيرا، ويقول سامر نعيم صاحب محل لبيع الطيور في منطقة عاليه "اننا نستقدم طائر النعار من تجار سوريين لان وجوده في لبنان بات نادرا". وقال: "في سوريا تراجعت أعداده أيضا لكن في لبنان ونتيجة بيئته الجغرافية الصغيرة والتمدد العمراني والصيد الجائر وتخريب موائله الطبيعية بفعل المرامل والكسارات والحرائق وتعرضه للابادة من قبل الصيادين على مدى سنوات طويلة من خلال الصيد في موسم الهجرة من المناطق الباردة في تركيا وأوروبا أدى إلى تناقص أعداده، حتى أن (صيادي الدبق) في لبنان يشكون ندرته وندرة الحسون أيضا".
ولفت نعيم إلى أن "هجرة النعار تتزامن مع هجرة "الصلنج" ويعمد الصيادون الى قتل كل الطيور المهاجرة دون تمييز"، مشيرا إلى أن "النعار المستوطن في البيئة اللبنانية لم يعد موجودا".
تجدر الاشارة إلى أنه نتيجة الوضع الأمني في سوريا قدم إلى لبنان تجار طيور سوريون بعضهم افتتح محالا وبعضهم الآخر يستقدم طيورا سورية ويبيعها الى المحال والتجار، ويقول التاجر السوري (أ. ح): "أستغرب كيف أن هواة تربية الطيور المنزلية يعرضون عن "أجمل عصفور في لبنان"، ويقصد "النعار" و"يفضلون عليه الكنار وأنواع كثيرة من الطيور الاستوائية".
ويضيف: "أسر الطيور مثل قتلها فنحن نحرمها العيش في بيئتها، ولكنها مهنتنا التي توارثناها جيلا عن جيل، ولست هنا لأبرر أسر الطيور، خصوصا وأننا نعلم أن كثيرا منها مهدد بالانقراض". ويقول: "(النعار السوري) يقتات على الحبوب، لكن ثمة من لا يعلم أنه يقتات أيضا على أنواع من المن الذي يهدد المزروعات لانه بحاجة الى نوع من البروتينات، فضلا عن الحشرات الصغيرة أيضا".
ويقول: "نعترف أننا نساهم كتجار في تناقص أعداد الطيور، لكن بأية نسبة في مقارنة مع الصيد وتدمير الغابات؟"، ويضيف: "من هنا نحن الجزء الأصغر والأقل خطورة من حلقة خطيرة ومخيفة، ونحن الأكثر تضررا من تراجع وانقراض الطيور".
غانم
في المقابل، اعتبر رئيس "جمعية غدي" البيئية فادي غانم أن "لا جدوى من مشاريع حماية الطيور المقيمة والمهاجرة طالما أن ليس ثمة قانون وطالما أن ليس ثمة التزام بالقانون عينه، وما نشهده حاليا هو ابادة للطيور ونتوقع الاسوأ، ومن هنا الاولوية لتطبيق القوانين وملاحقة المعتدين وتغريمهم".
وأضاف: "وسط الواقع القائم نرى أن الحل الأمثل هو في زيادة المحميات الطبيعية"، ونوه "بما تنجزه محمية أرز الشوف في مجال الحفاظ على (النعار السوري) وغيره من الطيور المقيمة بالتنسيق مع هيئات محلية ودولية".
ولفت إلى أنه وفقا "لدراسة كنا قد بدأنا اعداها قبل نحو سنتين تبين لنا أن (النعار السوري) اصبح نادرا وجوده كعصفور مقيم، ولم نعثر إلا على أعداد قليلة منه في مواقع صعبة المسالك ووعرة، حتى المهاجر تراجعت أعداده بشكل مخيف".