"غدي نيوز"
أعادت موجة وباء فيروس "إيبولا" التذكير بالأخطار التي تمثّلها الفيروسات التي بات العلماء قادرين على تصنيعها واستيلادها في المختبرات، بل إعطائها قدرات تجعلها فائقة الأذى للكائنات الحيّة. ويعرف العلم الذي يتناول ذلك الأمر بـ "البيولوجيا المُركّبة اصطناعيا" Synthetic Biology، واختصاراً (سين بيوSyn Bio (، بحسب صحيفة "الحياة" اللندنية.
ومع تتالي موجات الفيروسات الوبائية، كـ "إنفلونزا الطيور" و "سارس" و "وباء الخنازير" و "إنفلونزا الإبل" وغيرها، صارت الفيروسات الاصطناعية مقلقة لكثير من الأوساط العلميّة.
وفي ذلك السياق، تنادت قبل بضعة أسابيع مجموعة من العلماء المرموقين، لصوغ نداء عالمي عن ضرورة وضع حدّ للتجارب التي تعمل على صنع فيروسات لها قدرات أقوى من نظيراتها الطبيعية، ما يجعلها أشد قدرة على الانتشار في صفوف الكائنات الحيّة من الثدييات، التي يندرج ضمنها الإنسان.
يتمحور عمل "سين بيو" حاضراً على الميكروبات، خصوصاً الفيروسات، بمعنى صنع ميكروبات عبر تركيبها بصورة اصطناعيّة. تستند ثورة "سين بيو" إلى التقدّم الضخم في فهم الشيفرة الأساسيّة للجينات من جهة، والتطوّر المذهل في علوم الكومبيوتر والمعلوماتية.
بالاختصار، تستعمل "سين بيو" الكومبيوتر لهندسة التركيبات النظرية لفـــيروسات وجراثيم غير موجودة طبيعياً. ثم تستعمل المُكوّنات الأساسيّة في الجينات كي تركّب تلك الميكروبات. النتيجة؟ فيـروسات لم ترها الطبيعة قبلاً، وجراثيم لم يعـــرفها نظام الحياة على الأرض إطلاقاً. في العام 2010، صُنِع أول فيروس مُرَكّب اصطناعيّاً، وهو "فاي إكس 174"، بفضل استخدام مُكثّف للكومبيوتر. ووصِف فيروس "فاي إكس 174" المُركّب اصطناعيّاً بأنه "أول كائن بيولوجي يقدر على التكاثر ذاتيّاً، ظهر على كوكب الأرض، وترجع أبوّته وأمومته إلى... الكومبيوتر!".
في بيان صاغته في جامعة هارفارد منتصف الصيف الجاري، ذكّرت "مجموعة عمل كامبريدج"، كما تُسمي نفسها، بحدوث 3 "هفوات أمنية" تتعلق بفيروسات: الجدري، الجمرة الخبيثة و "إنفلونزا الطيور"، شهدتها المختبرات الأميركية حديثاً.
واعتبرت المجموعة أن تلك الهفوات تمثّل تذكيراً بـ "قابلية وقوع خطأ" حتى في أشد المختبرات أماناً. وأضافت المجموعة أن تطوير سلالات جديدة وشديدة الانتقال من الفيروسات الخطيرة، خصوصاً الإنفلونزا، يفاقم إلى حد بعيد مخاطر حدوث عدوى ربما تتفشى عالميّاً بصورة مميتة.
وحثّت المجموعة على "ضرورة الحد" من التجارب التي تنتج سلالات من فيروسات الأوبئة، بانتظار تقويم معمّق لمخاطرها، والفوائد المحتملة والبدائل الممكنة، مشترطة أن يحدث ذلك بصورة موضوعية وموثوقة.
وشهدت المخاوف المتعلقة بتجارب "الكسب الوظيفي" (وهو تعبير عن إعطاء الفيروسات قدرات ليست لها أصلاً) في فيروس الإنفلونزا طفرة في عام 2011، وحينها أقدم فريقان على تعديل جيني لفيروس "إتش 5 إن 1" المسبب لـ "إنفلونزا الطيور"، ما أودى بحياة عدد من الناس، علماً بأن الهدف من التعديل كان تعزيز قابلية انتقال الفيروس إلى الثدييات.
وفي المقابل، يرى داعمو ذلك النوع من الدراسات أن معرفة التعديلات التي تساعد الفيروس على الانتشار بين البشر، تصبّ في مصلحة جهود مراقبة الأوبئة الفيروسية وتطوير لقاحات ضدها. وبعد جدل طويل وتوقيف الدراسات المتعلقة بفيروس إنفلونزا الطيور، جرى التوصل إلى توافق يخوّل استئناف التجارب وفق إجراءات وقائية صارمة.
وضمّت قائمة الموقعين 18 عالماً عبروا عن اعتراضهم الصارخ على تجارب "الكسب الوظيفي". ويبرز من الموقعين عالِم الفيروسات مايكل أوسترهولم من جامعة "مينيسوتا"، وعالِم الأوبئة مارك ليبسيتش من جامعة "هارفرد"، والحائز جائزة نوبل ريتشارد روبرتس من مختبرات "نيو إنغلاند بيولابز" البيولوجية، والعميد السابق لكلية الصحة العامة في جامعة "هارفرد" باري بلوم، والناشط إدوارد هاموند من "شبكة علماء العالم الثالث".
والمفارقة أن أوسترهولم هو أحد الموقعين الأربعة ممن طردوا قبل أيام من "المجلس الاستشاري العلمي الوطني للأمن البيولوجي"، وهو فريق فيدرالي يقدم المشورة إلى الحكومة في ما يتعلق بالبحوث "المزدوجة الاستعمال" التي تتناول ميكروبات يمكن استعمالها كأسلحة بيولوجية.