"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
لا يمكن توصيف ما يواجه قطاع زراعة الزيتون في عاليه والمتن الأعلى خصوصا وفي لبنان عموما إلا بـ "الكارثة"، أي أبعد بكثر من موسم ماحل، إذ يبدو أن ثمة عوامل عدة اجتمعت فلفظت الأشجار ثمارها قبل الينوع، متغضِّنة، يابسة، حتى أن الثمار القليلة المتبقية نخرها السوس وهي آيلة للسقوط ولا تصلح لاستخراج الزيت ولا حتى لصناعة الصابون، إلا أن الظاهرة بحجمها الماثل الآن ترافقت أيضا مع اصفرار الأوراق وتساقط بعضها.
وحيال ما هو قائم، تبدو الأرقام والتقديرات مخيفة، خصوصا وأن ثمة مناطق في عاليه والمتن الأعلى يمثل قطاع الزيتون فيها عصب الزراعة الرئيسي، ولا سيما منطقة "وادي شارون" التي تضم معظم قرى وبلدات الجرد الاعلى من بحمدون حتى صوفر وعين دارة وصولاً إلى تخوم قضاء الشوف، فضلا عن الشحار الغربي والمناطق الوسطى في قضاء عاليه وقرى وبلدات المتن الأعلى الممتدة من عاريا الى بعلشميه مرورا بشويت والعبادية والهلالية.
الانتاج لا يتعدى الـ 5 بالمئة
"ليس هناك زيتون هذه السنة" يقول رئيس "جمعية شارون التعاونية الزراعية العامة" أحمد الصايغ، وأقصى ما يتوقع "أن لا يتعدى الانتاج الـ 5 بالمئة في مقارنة مع مواسم متوسطة الانتاج"، لا بل يؤكد أن "هذه النسبة القليلة من الزيتون لن تكون صالحة للتسويق أيضا لصغر حجم الثمار وما لحق بها من أضرار ناجمة عن الأمراض"، لافتا إلى أنه "منذ خمسين سنة لم نشهد واقعا مماثلا وليس فقط بالنسبة للزيتون فحسب، وإنما لجهة الاشجار المثمرة كافة".
وعزا الصايغ الامر إلى "احتباس المطر من اواخر شباط الماضي وارتفاع درجات الحرارة في الربيع والصيف". وقال: "كل ذلك أدى إلى تساقط الازهار وما بقي من ثمار تعرض للحرارة الشديدة وتساقط بعد أن تغضنت القشرة الخارجية وفقدت الثمار القدرة على مواجهة الامراض واهمها "عين الطاوس".
اصفرار الأوراق وتساقطها
وإذ لفت إلى مشكلة "اصفرار الأوراق وتساقطها"، أشار الصايغ إلى أن "الأدوية الزراعية لم تنفع في مكافحة الأمراض، إما لعدم صلاحيتها وتعرضها للغش أو بسبب أن الآفات الزراعية اصبح لديها مناعة على الادوية، وإن كنا نرجح السبب الأول".
وقدر أن"إنتاج الزيت في وادي شارون لن يتجاوز كحد أقصى الـ 50 تنكة، فيما كان متوسط الانتاج 800 تنكة سنويا"، ولفت إلى "اننا التقينا كجمعية وزير الزراعة النائب أكرم شهيب وأبدى اهتماما بما نواجه من مشكلات تطاول سائر القطاعات الزراعية".
وأكد أن "التعاونية لا يمكن أن تقوم بأي عمل فهي مكونة من مزارعين يواجهون الكارثة عينها".
تغير مناخي سبب رئيسي
ورأت الخبيرة في مجال المحاصيل الزراعية الدكتورة ديانا مروش أبي سعيد أن "الطقس له علاقة كبيرة في ما يشهد قطاع الزيتون من آفات وأضرار وتراجع في الانتاج"، وأكدت أن "التغير المناخي يعتبر سببا رئيسيا لا يمكن إغفاله"، وأشارت إلى أن "ثمة أمورا يمكن الاحاطة بها لجهة عدم رش المبيدات بشكل عشوائي، وضرورة رش الأشجار لمدة شهر قبل موسم القطاف، واعتماد مصائد الحشرات بدلا من رش الأدوية لمكافحتها".
أما عن اصفرار الأوراق وتساقطها، أشارت أبي سعيد إلى أن "هناك ضرورة لجمعها واحراقها لانها ربما تكون مصابة بآفة يمكن أن تنتقل إلى الأشجار كافة لانها قد تكون حاملة لبيوض حشرات وآفات"، وشددت على "ضرورة رش ادوية بيولوجية فيها مواد حيوية بديلا من المبيدات السامة".
وفي تفسير لهذه الظاهرة خلصت أبي سعيد إلى أن "التغير المناخي هو من الاسباب الاساسية، فقلة المتساقطات تؤثر على الكتلة الجذرية للشجرة، فتضعف وتخف مناعتها وتصبح فريسة سهلة للأمراض"، ورأت أن "هذه المشكلة تفوق قدرة المزارعين على مواجهتها ولا بد من تعاون مع جهات معنية على غرار ما تقوم به وزارة الزراع مع (الفاو) والافادة من خبرات الدول المتقدمة مثل ايطاليا واسبانيا".
خسارة الموسم
وفي بلدة الغابون (قضاء عاليه) أشار المزارع عارف عامر إلى أن "خمس أشجار فقط تحمل ثمارا قليلة من أصل 35 شجرة"، وإذ شكا من "اصفرار الأوراق التي لم نشهد مثلها من قبل"، أكد "اننا لم نخسر الموسم فحسب وإنما خسرنا ايضا ثمن الادوية التي لم تجدِ نفعا في القضاء على الأمراض بحيث استمر تساقط الثمار قبل النضوج"، ولفت إلى "اننا كنا ننتج فضلا عن الزيتون 20 تنكة، لكن هذه السنة لن ننتج أكثر من تنكة واحدة ولذلك لن نتجشم عناء الذهاب الى المعصرة".
ولا يختلف الواقع في بلدة البيري المجاورة، ورأى المزارع ايلي الهبر أن "هذه المشكلة ستكون لها تبعات كبيرة علينا كمزارعين لاننا خسرنا مورد رزقنا الأساس"، وطالب "الجهات المعنية في الدولة أن توفد خبراء لتقدير الاضرار ودفع تعويضات تساعدنا على النهوض مجددا، كي لا نشرع ابواب الهجرة اكثر امام أبنائنا".