"غدي نيوز" - سوزان أبو سعيد ضو
موروثاتنا الشعبية كنز لم نسبر أغواره ومكنوناته بشكل كاف، ولعل "بلسم مكة"، أو "مر مكة" مثال على ذلك. فكما تشي التسمية، هو بعض ما تجود به الطبيعة في مكة المكرمة وجوارها، وهو عبارة عن خلاصة راتنجية resin تخرج من نبات البلسان، والذي يعرف بالإسم العلمي Commiphora myrrh.
وتوجد هذه النبتة في منطقة الحجاز على شكل شجيرة يبلغ معدّل ارتفاعها ثلاثة أمتار، وتتميز بأغصان شائكة وأزهار صغيرة مائلة الى الحمرة. وتتواجد النبتة التي تعرف أيضا بـ "شجرة المُرّ" في المساحات الممتدة ما بين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة، وخصوصا في المناطق الجبلية الواقعة غرب المدينة المنورة حيث تظهر بشكل كبير مع بداية موسم الأمطار.
وتعرف النبتة بتسميات متعددة منها حب البلسان أو بيلسان نسبة الى ثمارها، او يسمى أيضا بشجر البشام (وخصوصا في اليمن ) وكذلك يسمى في بلاد الشام ببلسم الجليل أما في (معجم أزهار لبنان البرية) فللنبتة أسماء متداولة منها بلسان، خمان، دمدمون.
وتتميز الشجيرة برائحتها الفواحة العطرة عند فرك أوراقها أو أخذ غصن منها، لهذا تستخدم اغصان شجيرة البشام من قبل أهل البادية كمسواك ذو رائحة عطرة تعطر الفم، كما أن القشور المأخوذة من لحاء الشجيرة تحتوي على مادة عطرية تستخدم كعصارة مطهرة للجروح ومبيدة للبكتيريا، فضلاً عن استخدام تلك القشور كشاي لذيذ ذات رائحة محببة.
وقد كان المر أحد هدايا ملوك المجوس للطفل يسوع في المذود وهو ما يعني المشقات التي سيحتملها السيد المسيح في حياته.
وقد استخدم الصحابة رضوان الله عليهم مشتقاتها في علاج الجرحى في الغزوات والحروب، فللبلسم خاصية هامة في كونه قاتل للجراثيم والميكروبات ولذا يستخدم في تطهير الجروح وتقرحات الجلد. أما حجاج بيت الله الحرام من الهند وباكستان فقد استخدموه بوضع حبة من المر في أنوفهم فى فترة الحج وقاية من الاوبئة، والأمراض.
وقال خبير الأعشاب الأردني رزق عز الدين لمجلة نادي المال والأعمال "مر مكة او مر الحجاز ويعرف أيضا بــ"مر البطارخ" لمشابهته لبيض السمك، أو مر الجليل، لا يخلو مرجع قديم أو حديث في طب الأعشاب إلا وذكره، وقد أسهب الأقدمون في فوائده كثيراً. وهو مستخلص من شجرة البشام او البيلسان. وتظهر مادة البلسم حين يتم استخلاص الزيت من السائل الذي يرشح بعد خدش اللحاء، فيقطر منه ببطء سائل لزج تفرزه النبتة له رائحة عطرة تربنتينية نفاذة ، ويتصلب هذا السائل حين يتعرض للهواء. أما عن النوع الجيد منه فهو ذو لون شفاف وقد يميل الى اللون البني الفاتح، اما النوع الرديء، فهو الذي يدخل فيه الوان بنية او سوداء ويبدو كأن فيه رمال".
وأضاف عز الدين "فالمادة المستخلصة هي مر غروي، يحتوي مادة صابونية ذات خواص جمالية، تعطي للجلد ملمسا ناعما مخمليا وتساعد على التخلص من الرؤوس السوداء وتخفف من حساسية الجلد وتساعد على شفاء والتحام الجروح. وقد تساعد هذه المادة في بعض المستحضرات مع مواد أخرى لمعالجة الكلف والأمراض الجلدية، وتستخدم أيضا في صناعة العطور، لكون رائحتها تبقى لفترة طويلة من الوقت والبعض يستخدمه كبخور".
وتابع عز الدين "أما أوراق الشجيرة فهي تعتبر علفاً جيداً للحيوانات وخصوصا الأبل حيث يؤدي رعيها الى زيادة إدرار الحليب. أما ثمار البشام الناضجة التي تعرف بالبلسان أو البيلسان فهي ذات قدرة كبيرة على إطفاء العطش عند تناولها، أما غير الناضجة ففيها درجة من السمية. وللمر فائدة بإضافة مواد أخرى فعالة في حالات السعال المزمن والربو ولصفاء الصوت، وازالة البحة، ولأوجاع الكلى والمثانة وخصوصا في حالات الإلتهابات البولية، ويفيد في نفخ المعدة ووجع الأرحام والمفاصل، وقد يفيد في طرد الديدان". وهنا ركز عز الدين على عدم استخدامه من قبل المرأة الحامل "فمستخلصات البيلسان تؤثر على تحفيز عضلات الرحم، فنحن كخبراء أعشاب نمنع استعمال المرأة الحامل ما يجعلنا نستعمله بعد الولادة فلا غنى عنه للمرأة النفساء، فهو ينظف الرحم، ولتسكين المغص في حالة الدورة الشهرية، وتسكين الآلام عموما. ونستخدم مسحوق المر كذلك مخلوطا مع زيت الزيتون لاوجاع الروماتيزم، والتواء المفاصل، والقروح، والحروق والالتهابات الجلدية على شكل دهان موضعي"، وختم عز الدين "مراجعنا في هذه الإستخدامات كثيرة وموثقة منها قانون الطب لإبن سينا وتذكرة داوود الأنطاكي، وكذلك تجربتنا العملية المتواضعة التي شهدناها على مرضانا الذين تجاوبوا وبشكل ايجابي مع العلاج ودون آثار جانبية".
اما في العالم ففي الطب الصيني فله تأثير إيجابي على الدم ويستخدم في حالات مشاكل الرحم والدورة الشهرية وكذلك في حالات عديدة. وقد ذكر استخدامه في الطب الأيورفيدي في اضطرابات الدم والأعصاب والروماتيزم. أما في الطب الغربي يستخدم مستخلص النبتة في علاج الجروح وأمراض اللثة والكدمات وتورم الأصابع، والأكزيما وبعض التهابات الجلد أو الإصابات الطفيلية. وتستخدم الثمار لصنع مربى لذيذ ومفيد.
هذا غيض من فيض من نباتاتنا التي تعتبر كنوزا مخفية ، اورثنا إياها أجدادنا فعسى أن نكتشفها ونستفيد ونعتبر من تجربتهم وخبرتهم.