"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
حَفِل معرض الفخاريات في "محمية بكرزاي – بعقلين" (افتتح أمس) بما يمتِّع العينَ، ما يتيح "قطف" لحظات رائعة تزيِّن الذاكرة بجمالٍ مشغول بيدٍ واثقة ومجبول بتعبٍ وسهر ومجلّل برؤى فنية تواءم بين الفخار كحرفة وثقافة، كتاريخ وحداثة، وكأننا نعيش بين ظهراني زمن يؤرخ الماضي البعيد بحروف جديدة، تتشكل من اللون ومدى التعبير المشرع على ابداعات تترك لدى المتلقي انطباعاً يصعب توصيفه، فَـــتَحـْتَ الألوان روح الصلصال وإيقاع التراب، وفي الظاهر متعة بصرية تأخذنا في بعض الأعمال إلى التشكيل وكأننا أمام لوحة قائمة بذتها.
وهنا أخذنا المعرض إلى الدهشة، وإن غابت "الفاخورة" التقليدية القابعة بعد في عدد قليل من القرى، ذلك أننا كنا نؤثر أن نرى الفخار يتشكل أمامنا، أباريق وأصصا وجرارا و"قجة" كنا نكسرها قبل أن تمتلىء بالنقود، إلا أن المعرض حلق بنا في عوالم أبعد، جمع تقنيات مختلفة واءم في بعض الأحيان بينها، خصوصا وأن العارضين جاءوا حاملين معهم تجاربهم الخاصة، ومن مدارس مختلفة شكلا ولكن بعنوان واحد هو "عجينة" التراب من راشيا الفخار إلى الجمهور وصولا الى ايطاليا وأميركا.
جدع: أول معرض من نوعه في لبنان
مديرة المشروع في بكرزاي ماريان جدع أشارت الى أن "المركز ليس محترفا وانما هو مشروع للمحافظة على البيئة والتراث، أي أقرب الى المحمية الطبيعية، ومن ضمنها يوجد محترف الفخار"، وقالت: "يتواجد في المركز دائما الفنان المصري احمد ضيف، ولكن هذه المرة وجهنا الدعوة لكل العاملين في مجال الفخار في لبنان وبعض الفنانين العالميين وهذا أول معرض من نوعه في لبنان".
وأشارت إلى "اننا بصدد التحضير لاقامة (ضيعة صغيرة) تضم بيوتا صغيرة صممتها المهندسة المعمارية مهى نصرالله"، وعن عدم تواجد الفخار اللبناني التقليدي، قالت: "وجهنا اليهم دعوة لكنهم لم يحضروا ربما لانهم لم يعتادوا على العمل الجماعي او ان ثمة اسباب اخرى لا نعرفها"، وأكدت أن "كثيرين ممن يرغبون تعلم هذا الفن يحضرون الى بكرزاي لأخذ دروس خصوصية"، وقالت جدع: "نشهد تحول الفخار الى فن قائم بذاته فيما كان سابقا نوعا من الحرفة، أما اليوم فقد تحول الى فن وحرفة في آن"، وأشارت الى أن "بعض هذه الأعمال الجميلة يمكن استخدامها كالأواني وغيرها وهي تضفي جمالا على حياتنا".
وعن أهمية المشروع، قالت جدع: "وجدنا في لحظة ما أن هذا الفن كان في طور الاندثار وهو حرفة لبنانية ترقى الى آلاف السنين، ولذلك جاء المشروع لاعادة تنمية هذا الفن الذي يعتبر جزءا من ذاكرتنا الشعبية، والاهم ان ندفع الشباب الى العمل في مجالات عدة وليس في مجال الاقتصاد والمصارف فحسب، وانما هناك أمور كثيرة في الحياة يمكن من خلالها تحقيق التنمية ايضا".
وأشارت إلى أن "المشروع متصل بحرج بعقلين ويمكن للمواطنين المشي في الطبيعة وهناك تنسيق مع القيمين على حرج بعقلين وقمنا بفتح مسارات عدة للمشي من أجل تعزيز السياحة البيئية".
نصرالله: الهدف هو اخراج الناس من بيروت
أما الفنانة والمهندسة المعمارية مهى نصرالله فأشارت إلى انها "جزء من هذا المشروع"، لافتة إلى أنها تعمل "في مجال الفخار منذ انشاء المركز وهدفنا تنمية المشروع أكثر وندرس الافكار التي ممكن تحقيقها في بكرزاي"، وأكدت أن "الهدف هو اخراج الناس من بيروت واحضارهم الى الطبيعة وليشاهدوا الفخار والعودة الى الحرف لكن بطريقة جديدة".
وقالت: "أهمية المركز انه يجمع بين الحرفة القديمة والحداثة، لجهة دمج الفخار بالفن، بمعنى أنه اصبح لدينا حرفة ولكن برؤية فنية، وهنا المدى واسع جدا للعمل"، ونوهت الى "حجم الحضور غير المتوقع رغم رداءة الطقس الى درجة اننا كنا بصدد تأجيل المعرض"، لافتة الى "اننا كنا نريد اقامة المعرض في الهواء الطلق لكن بعد الاطلاع على أحوال الطقس قررنا اقامته في الداخل".
مع العارضين
ورأت مي كاترينا عبود (مدرِّسة سابقة لمادة الرياضيات في الجامعة الاميركية – اللبنانية) أن "الخزف هو الأعمال المصنوعة من الطين والتي يجب أن تُحرق لتتغير طبيعتها"، مشيرة إلى انها تعمل على نوع من الطين يعرف باسم Stone Ware وغير متوفر في لبنان كونه يتسم بصلابة أكبر ويمكن حرقة على درجة حرارة تصل الى 1200 درجة"، وأشارت عبود إلى أن هناك "بعض الاعمال من (البورسولين) وهو نوع من الطين النقي اكتشف أولا في الصين"، وعرضت لتقنيات متصلة باللمعان وأخرى يفترض معالجتها بطريقة معينة لتستخدم في المنزل، وأشارت الى انها شاركت الصيف الماضي في معرضين في هنغاريا وكرواتيا.
دانا برشيني قدمت الى فن الخزف بالتوارث عن والدها الذي يملك محترفا في عين سعادة، وأشارت إلى "تطور صناعة الخزف من (الفاخورة) القديمة إلى أفران جديدة تعمل على الكهرباء"، ورأت أن عملها "هو امتداد للفخار القديم وانما بروحية جديدة وتصميمات أعدها كتحف فنية"، لافتة إلى "اننا نحن من يحضر التراب ونحوله إلى طين جاهز للتصنيع وبعدها نستخدم الالوان وهنا مجال العمل كبير جدا تبعا لرؤية كل فنان"، وأكدت أنها متفرغة بشكل كامل لهذا الفن".
الباشا: فن وعلاج لذوي الحاجات الخاصة
أما ميشال الباشا فتخرج من الجامعة الأميركية في مجال الفنون الجميلة، وأشار إلى أنه الآن يشارك "في العديد من المعارض فضلا عن تعليم هذا الفن للتلامذة من ذوي الحاجات الخاصة ونعلمهم العمل بالتقنيات القديمة (الفخار الاحمر) وهذا العمل بمثابة نوع من العلاج يساعدهم على تخطي ظروفهم الصعبة"، لافتا إلى أنه يدرس "هذه المادة في الجامعة الاميركية حيث تخرجت وفي مدرسة الحكمة – عين سعادة أدرس التلامذة من ذوي الحاجات الخاصة"، ورأى "اننا بدورنا نقوم بتدريب ذاتي لأن هذا الفن واسع جدا". وعن غياب الفخار المعروف في المعرض أشار إلى أنه "في الماضي كان الفخار يحرق تحت الأرض بدرجة حرارة تتراوح بين 800 و 1100 درجة، أما اليوم فأصبح لدينا أفرانا خاصة مع استخدام "البورسولان" وهي التي المادة التي نضعها على الفخار، وفي الأخير كل هذه الاعمال هي من الطين وبعض هذه الاعمال مصنوعة من طين أحضرناه من راشيا الفخار وأحيانا نمزج الطين اللبناني مع نوع من الطين نجلبه من أميركا يعرف باسم Raku ويساعدنا في اعداد أعمال كبيرة"، واعتبر أن "العمل في الطين يعيدنا الى الارض إلى طبيعتنا الاول وهذا ما يشعر به فاقدو البصر ممن نعمل معهم ونعلمهم تقنيات الخزف".
وأشار الفنان الأميركي غراهام ستيفنسن إلى أن "هذا العمل يُشعرني بالسعادة قبل أي شيء آخر"، ولفت إلى أنه يعمل على تقنية خاصة، إذ "يحرق الطين في بعض الأعمال بإشعال الحطب وأضع الملح مع الخشب من أجل إضفاء البريق عليها"، وأشار إلى أن ما "يجمعنا في هذا المعرض ليس الحرفة وانما الفن وتحويل الطين إلى مادة تعبير بالشكل واللون".
ضيف: من الفيوم إلى لبنان
وأشار الفنان المصري أحمد ضيف من الفيوم إلى أنه يعمل "في هذا المركز منذ اربع سنوات منذ انطلاق المشروع في (بكرزاي)"، ولفت الى "اننا نعمل على ثلاثة أنواع من الطين، اللبناني والأميركي والايطالي وكل نوع له تقنيات خاصة"، وأكد أن "الخزف تحول الى فن بفعل التطور وليس للاستعمال اليومي كحاجة وانما من أجل الجمال ويمكن استخدامه في الوقت عينه"، وأشار ضيف إلى أنه تعلم هذا الفن على يد السويسريين الذين قدموا واستوطنوا في الفيوم قبل اربعين سنة وعملوا على تنمية هذا التراث الذي يرقى الى آلاف السنين ومواكبة العصر".
ولفتت الفنانة هيلين أبتور جعجع إلى انها "درست هذا الفن على يد ناتالي خياط التي تملك محترفا في الاشرفية ونحن تلامذتها"، وأشارت إلى أن "هناك أنواعا مختلفة من عمليات الحرق، فبعض الاعمال هي للزينة فقط ولا يمكن استخدامها كأواني طعام، فيما لدينا بعض الاعمال ممكن استخدامها"، ونوهت إلى أن "أهمية هذا المعرض تكمن في وجود تقنيات كثيرة وهو فرصة للتعرف عليها وهذا ما يحفزنا لابتكار الجديد"، ورأت أن "المعرض هو حدث استثنائي كونه جمع الذين يهتمون بهذا الفن وتعريف المواطنين على الخزف".
لينا شماع قدمت إلى فن الخزف من الفن المعماري وهو بالنسبة اليها "هواية تحولت الى نوع من الشغف"، وقالت: "ان الفخار الاحمر ما عاد موجودا الا في ما ندر، وبالنسبة لي اعمل على اسلوبين الاول (البورسولان) لانه يعطيني الرقة والدقة في العمل و(بخلوا اعمالي ترقص)، والثاني هو الصلصال الاسود مع استخدام التقنيات اليابانية"، وأشارت إلى أن "المعرض يضم كل أنواع الطين والصلصال ويجمع الكثير من التقنيات وهنا أهميته لنا وللزائر".
وأشارت ريما أميوني إلى أنها تعلمت "هذا الفن على يد ناتالي خياط"، وما ميز أعمالها المعروضة استخدام اللون على الفخار بتقنية الفن التشكيلي، ولفتت في هذا المجال إلى أنها في الأساس رسامة، وأشارت إلى أنها واءمت "بين الرسم والفخار ومعظمه من تربة لبنان".
وأشارت نجوى نحاس إلى درست "هذا الفن في معهد (سيفر) في باريس"، وبدت أعمالها متفردة بلونها الأحمر الطاغي، ولفتت إلى أنها "وظفت الفخار اللبناني الذي نؤمنه من منطقة الجمهور (لاننا منحب ننفع اللبنانيي) في أعمالها"، وأكدت "ان الفخار اللبناني يمكن استخدامه في تصنيع تحف فنية نادرة ورائعة".