"غدي نيوز"
لكي تسافر بسرعة 1000 ميل في الساعة، تحتاج إلى أن تستقل سيارة ذات عجلات خاصة.
في هذا الشأن، يستكشف الصحفي ديفيد روبنسون من "بي بي سي" كيف يحاول مشروع سيارة "إس إس سي"، الذي تنفذه شركة "بلودهاوند"، التغلب على عقبة متعلقة بالتصميم.
صحراء "هاكسكين بان" في جنوب أفريقيا هي أكثر شريط على كوكب الأرض خال من الحياة. على امتداد البصر، لا ترى سوى الطين، الذي أحرقته أشعة الشمس، ممتداً كسجادة تملؤها الشقوق. لكن عندما تسافر بسرعة 1000 ميل أو ما يعادل 1609 كيلومترات في الساعة، فإن أبسط التضاريس تشكل أخطاراً لا تراها العين.
"أنت تسافر بسرعة تفوق سرعة الرصاصة، لذلك إذا داست العجلات حجرا صغيرا فإنك تشعر وكأنها تعرضت لإطلاق نار"، كما يقول مارك شابمان، كبير مهندسي شركة بلودهاوند لصناعة السيارات فائقة السرعة.
ويعد إنتاج عجلات مضادة للرصاص أحد التحديات التي يواجهها شابمان، الذي يقول إن "هذه ستكون أسرع عجلات في التاريخ".
بدأ دور شابمان في هذا المشروع عندما تلقى رسالة مجهولة المصدر على جهاز الرد الآلي على المكالمات، يعرض عليه المتصل فيها أن يلتقيه في إحدى الحانات للحديث عن مشروع فريد من نوعه يتعلق بالسيارات. ولم يلبث أن وافق شابمان على المشروع.
ويقول "اطلعت على بعض الرسوم الأولية للعجلات، ولم استغرق وقتاً طويلاً حتى تحمست للمشروع. أعتقد أنك ستندم إذا جاءتك فرصة كهذه ورفضتها".
ويقوم المشروع أساساً على تصميم سابق لسيارة "ثرست إس إس سي" التي اخترقت حاجز الصوت بسرعة 750 ميلا في الساعة عام 1997. ولم تفلح الجهود التي بذلت لزيادة السرعة عن هذا الحد.
بداية، يتعين على فريق شابمان البحث عن المادة التي يمكن لها تحمل تأثير القوة الهائلة على عجلات السيارات الأسرع من الصوت. عندما تنطلق السيارة بسرعة كاملة فإن عجلاتها تدور بمعدل 10500 مرة في الدقيقة الواحدة، بينما تحيط بحوافها قوة جذب تعادل 5500 مرة جاذبية الأرض.
ويضيف شابمان "نجتهد لنجد المواد التي تبقى متماسكة في ظل وجود مثل هذه السرعة. كما ينبغي أن تتحمل العجلات ما قد يلحق بها من أضرار تسببها الحجارة الصغيرة المتطايرة في الطريق، والتي ترتطم بالعجلات وكأنها طلقات نارية. فالعجلات سوف تنفجر إذا أصابتها شقوق، لذلك نحن نريدها عصية على التفكك أو التشقق".
ويقوم فريق مكون من 130 شخصاً بتحدي عواصف الصحراء وحرارتها المرتفعة لالتقاط الحصى من الطريق الذي تسلكه السيارات. لكن ذلك لا يكفي للقضاء على احتمالات وقوع ضرر من وجود الحصى. لذلك يستخدم شابمان وفريقه طريقة تمزج بين الرياضيات والتجارب المادية.
ويقول شابمان "أخذنا سبائك من عدة مواد وأطلقنا عليها الحجارة لنرى مدى مقاومتها للتشقق أو الشرخ، حتى استقر بنا الاختيار على سبيكة من الألومنيوم يمكنها الصمود في وجه هذه الظروف القاسية".
بعد ذلك يتعين على شابمان أن يجد وسائل لمنع العجلات من الانزلاق عند سيرها على الطين المتصلب في الصحراء. إن السير بهذه السرعات من شأنه أن يمزق الإطارات المطاطية شر تمزيق، لذا فان العجلات ينبغي أن تكون عارية من أي إطارات مطاطية تكسوها.
في البداية صمم الفريق هذه الاطارات بحواف حادة على شكل حرف V مما يتيح للإطارات الالتصاق بسطح الطريق بعض الشيء، بيد أن التجارب التي أجريت في مرحلة أولية أظهرت أن هذه الحواف من شأنها أن تحفر شقوقاً عميقة في الأرض، وتكشف بذلك التراب عن الحصى والحجارة التي ترتطم بمادة الألومنيوم.
لذا يعكف المهندسون الآن على إجراء تجارب على تصاميم مستوية ومموجة للإطارات. وأثبتت هذه التجارب أنها أكثر نجاحاَ، حيث أن تصميمها يوفر بعض الالتصاق بالأرض دون أن يحفر عميقاً في سطحها.
ويشعر الفريق ببعض القلق من المرتفعات البسيطة في الطريق. ومن حيث المبدأ، لهذه المنحنيات نفس التأثير الذي تحدثه مطبات السرعة، فكلما زادت السرعة شعرت أكثر بعدم استواء الأرض.
وبما أن سيارة شركة بلودهاوند "إس إس سي" ستسير لمسافة تعادل طول ملعب كرة القدم في مدى زمني لا يتجاوز خمس الثانية، فإن أبسط نتوء في الأرض من شأنه أن يجعل السيارة تهتز.
ويقول شابمان إن "هذه التموجات تؤدي إلى اهتزاز جسم السيارة مما يجعلها غير مريحة بالنسبة للسائق." ويضيف أن "ذلك لن يؤدي إلى انفجار السيارة، ولكنك لن تشعر بالارتياح أثناء ركوبها".
هناك قلق أيضاً من احتمال ارتفاع درجة حرارة هذه الاطارات، حيث وصلت درجة حرارتها أثناء إحدى التجارب القصيرة إلى 90 درجة مئوية. يقول شابمان شارحاً السبب إن "الهواء الذي يندفع في الاتجاه المعاكس تساوي سرعته ضعف سرعة الصوت، واحتكاكه هو السبب في ارتفاع درجة حرارة العجلات".
وبعد التغلب على مثل هذه الأمور، يأمل مهندسو الفريق أن يبدأوا في إجراء اختبارات في طرق المملكة المتحدة بسرعة تصل إلى 200 ميل (322 كيلومترا) في الساعة، في أواسط العام القادم، ومن ثم نقلها إلى صحراء "هاكسكين بان" في جنوب أفريقيا، حيث يأملون أن يتمكنوا في النهاية من اجتياز حاجز الـ1000 ميل.
هل يستحق ذلك بالنسبة لشابمان انتظار هذه السنين الطويلة بعد المحادثة التي جمعته لأول مرة بأحد الأشخاص في إحدى الحانات للحديث حول تلك الفكرة؟
يقول شابمان إن "هذا العمل هو الأسوأ وهو الأفضل في العالم. لقد تقدم بي السن قليلاً منذ أن بدأت في هذا المشروع قبل سبع سنوات، لكن التحديات التي واجهتها كانت في غاية الروعة. يمكنني وصف ذلك بالمغامرة دون أن يكون لك خط رجعة. ما نفعله الآن هو تحطيم الحدود التي توقف عندها الناس من قبل، والانطلاق إلى آفاق أرحب".
بتصرف عن الـ BBC