"غدي نيوز"
بالرغم من ازدياد الوعي حيال الحيوانات البرية المهددة بالانقراض في لبنان، ما يزال كثيرون يمعنون في رصدها وقتلها، فقبل أسبوعين قتل مواطنون من بلدة كفربنين في أعالي جرود الضنية ضبعا قرب بلدتهم، على الطريق التي تربط بلدتي حوارة وجيرون المجاورتين، ووضعوه بعد اصطياده على مقدمة سيارة (رانج روفر) وجالوا به في أنحاء البلدة، وقبل أقل من أسبوع قتل مواطنون ذئبا اقترب من الأحياء السكنية في شبعا هربا من الثلوج التي تغطي المنطقة.
ولم يطرح أحد سؤالا حول ما إذا كانت هذه الحيوانات قد وجدت بالصدفة أم هي تمثل حلقة من نظام بيئي متكامل نعيش بين ظهرانيه؟ هذا مع العلم أن الحيوانات هذه تؤثر البقاء في بيئتها، وقد خلص رئيس "مركز الحياة البرية والمحافظة عليها" الدكتور منير أبو سعيد في رسالة الدكتوراه التي أعدها في لندن حول الضبع اللبناني المخطط إلى أن "هذا الحيوان ارتضى العيش معنا في رقعة جغرافية صغيرة مع التمدد العمراني وتقلص مساحات الغابات فيما نحن نرفض وجوده".
وبحسب الدكتور أبو سعيد، فإن كل الكائنات تخاف من الانسان، بما فيها الذئب الذي نُسجت حوله حكايات تمثل بعضا من الموروثات الشعبية التي لا تمت إلى الحقيقة بصلة، ويروي أحد المعمرين في المتن الأعلى أن "امرأة التقت ذئبا في بلدة القريِّة في ثلاثينيات القرن الماضي وهي في حقلها ولم يدنُ منها وكان بجانبها اثنين من ابنائها"، ويضيف "إن الناس نظروا إلى هذا الأمر على أن هذه المرأة كانت قوية فلم تجزع أو تنهار"، ما يؤكد مقولة أبو سعيد من أن "حتى الذئب يخاف الانسان وينأى عنه ولا يهاجمه إلا دفاعا عن النفس، أي إذا ما استشعر الخطر".
إلا أن مصير الذئاب بات مهددا، حتى أن الدكتور أبو سعيد لم يتمكن "من التأكد ما إذا كان الحيوان المقتول في شبعا ذئبا أن نوعا من الكلاب الشاردة بالاستناد إلى الصور التي تناقلتها وسائل الاعلام".
تكاثر الخنازير البرية
لكن ما هو مؤكد أن الذئاب ما تزال موجودة بقطعان صغيرة على الحدود اللبنانية – السورية، فقبل خمس سنوات عثر مواطنون في احدى القرى البقاعية النائية على وجر ذئاب، فأحضروا كمية من الديناميت وقاموا بتفجير الوجر فنفقت الذئاب في ما عدا ثلاث جراء، أحضرها أبو سعيد إلى المركز في مدينة عاليه وما زال يرعاها إلى الآن، ويدخل إلى خيمتها ويطعمها، لكنها تبدي الحذر إذا ما اقترب منها شخص آخر وتبدو في حالة رعب وتحاول الاختباء.
يؤكد أبو سعيد أن "الذئب بالنسبة الينا مهم جداً، ولم يكن موجودا في المناطق الوسطى الا في محمية جبل موسى، وهي منطقة محصنة جدا ليس في كونها محمية وحسب، وانما بسبب طبيعتها الوعرة، ومن اغنى المناطق في لبنان بالحيوانات البرية ولا سيما اللبونة منها".
وقال: "الذئب الموجود في لبنان موجود ايضا على الحدود مع سوريا، ولانه محمي في سوريا يستطيع اذا ما تعرض للخطر ان يجد ملاذاً آمنا، فيتحول من لبنان الى سوريا، لكن الآن لا نعرف الكثير عن الذئب في تلك المناطق التي تشهد معارك ومواجهات".
وأعطى مثالا عن اندثار الذئاب في مناطق لبنانية عدة، ولفت إلى أن المشكلة في لبنان الان تتمثل في تكاثر الخنازير البرية بشكل كبير، وقد بدأ المزارعون يشكون من ان الخنازير البرية تخرب اراضيهم الزراعية، حتى ان بعضهم آثر منذ سنوات عدم زراعتها والاهتمام بها، ولو ان الناس حموا الذئب والضبع لما تكاثرت الخنازير البرية على هذا النحو الكبير، خصوصا اذا علمنا ان الذئب والضبع هما عدوا الخنزير البري".
وأشار إلى أن "الضبع لا يصطاد أساسا ويقتات على الجيف فحسب، لكن ما يحدث انه يتجه الى اوكاره ويقوم بخنق جراء الخنازير، خلافا للذئب الذي يطارد الخنزير ويصطاده".
ولفت إلى "اننا بدأنا منذ سنتين في إعداد دراسة عن الذئاب في لبنان ودورها في الطبيعة واهميتها".
وقال ابو سعيد: "وجدنا مناطق بدأنا العمل فيها وهي تمثل المجال الحيوي لحياة الذئب، لكن واجهتنا مشكلة تمويل الدراسة، وهي مشكلة طالما واجهتنا، لكن المشكلة الاكبر تتمثل في كيفية اقناع الناس بأهمية الذئب للمحافظة عليه".
وأكد أن "الذئب لا يشكل خطرا على الانسان لانه من الحيوانات التي تقتات على اللحوم وهذه الحيوانات جميعها تخاف من الانسان"، وقال: "الحيوانات التي يراها الناس في سيرك او حديقة حيوانات لا تكون هي نفسها في ما لو كانت في الطبيعة، لانه في الاسر تتغير طبائع الحيوانات مع تبدل بيئتها وتتغير تصرفاتها، فتكون هذه الحيوانات تحت ضغط وهي لا تعرف التصرف، خلافا لما هو عليه الامر في البرية، حيث المجال يكون متاحا امامها للهرب والابتعاد عن الناس، وهذه مسألة مهمة، وعلى الناس الا يظنوا بان الحيوان الموجود في الاسر هو كالحيوان الموجود في الطبيعة، وهو يكون خلاف ما يكون عليه في الطبيعة اي ضمن بيئته الحيوية، فالحيوان البري في الاسر الذي لا يكون امامه امكانية الابتعاد عن الناس فتكون تصرفاته مختلفة تماماً ويعبر عن نفسه باي طريقة لان لديه خوف من الانسان ولذلك يكون تصرفه عدوانياً، اما في البرية يكون تصرفه مختلفا وقادرا على الهرب وان ينأى بنفسه عن الانسان".
وعما اذا كان الذئب ينام مغمضا عينا وفاتحا اخرى، قال ابو سعيد: "كلها خرافات، وثمة معلومات كثيرة ستتصدى لها الدراسة، ومن بينها ان الذئب يسير مع رفيقه بذات المستوى ولا يتقدم احدهما الاخر كي لا يفترسه، وهذه ايضا من الخرافات، والحقيقة ان الذئب يقوم بذلك احتراما لرفيقه فلا يتقدم احدهما الاخر، ومن ثم يسير القطيع بالتدرج حسب موقع كل ذئب، وثمة معلومات مهمة وستكون موضع تعجب الناس عندما الانتهاء من الدراسة".
وعن الذئب اللبناني، قال: "انه موجود في منطقة الشرق الاوسط، وهو يختلف على سبيل المثال عن الذئب الاميركي الذي يزن نحو 75 كيلوغراماً، فيما الذئب الذي يعيش في لبنان يصل الى وزنه الى ما بين 35 و 40 كيلوغراما، بينما الذئب الاميركي حجمه اكبر واضخم، أما الذئب العربي حجمه اصغر من الذئب في لبنان".
وعن مهاجمة الذئاب لبعض القرى في موسم الثلوج، قال ابو سعيد: "الذئب لا يهاجم القرى، لكن في موسم الثلوج يضطر للبحث عن فريسة لا اكثر ولا اقل، وهنا ندعو المواطنين في القرى الجردية النائية إلى تحصين حظائر حيواناتهم لحمايتها".
"السفير" 3-3-2015