fiogf49gjkf0d
"غدي نيوز"
أمامك طريقة جديدة لاتّقاء البرد والرطوبة، في المرّة المقبلة التي ستقصد فيها منحدرات التزلّج، وذلك بفضل قماش أقلّ ضخامة وأكثر مرونة وضماناً للراحة من أيّ مادّة أخرى تستخدم في صنع الملابس الشتويّة حاضراً.
إذ تختبر شركة صغيرة اسمها "فورمي" Voormi، تتّخذ من مدينة "كولورادو" الأميركيّة مقراً لها، تكنولوجيا جديدة لإنتاج نسيج مقاوم للماء، لكنه يسمح للهواء بالمرور عبر طبقاته المكوّنة من... طبقة وحيدة! وربما تشكّل المادة التي تختبرها "فورمي" التطوّر الأبرز في صناعة الثياب الخارجيّة منذ إطلاق سترة "غور – تيكس" Gore - Tex التي تحتوي غشاءً يعزل المياه ويسمح للهواء بالمرور، في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
ومن شأن مقاربة "فورمي" الجديدة التي أُعلِن عنها في نهاية شتاء عام 2015، خلال المعرض التجاري الذي نظّمته "الجمعيّة الأولمبيّة للألعاب الرياضيّة الشتويّة"، أن تستبدل الأغطية المقاومَة للماء التي تتّسم بخشونتها وضخامتها، بملابس مرنة. ويسمح الابتكار عينه بصنع أنسجة لها أوصاف متعدّدة وقابلة للتعديل، بما فيها القدرة على مقاومة الماء وعزل الحرارة ومقاومة الرياح، مع بقائها رقيقة وخفيفة. وما تضعه الشركة على المحك، على أقل تقدير، هو سوق الملابس الخارجيّة التي تبلغ قيمتها السنويّة 1.5 بليون دولار في الولايات المتحدة.
ويلفت تيم سميث، مدير التسويق في "فورمي" إلى أن ذلك الابتكار يتيح للشركة السيطرة على صناعة الملابس التي تسمح للهواء بالمرور وتقاوم الماء، مع كون تركيبتها لا تشمل سوى طبقة وحيدة. وشبّه الأمر، كرّة ثانيّة، بما حدث في عام 1978، عند إطلاق ملابس "غور – تيكس".
فلاش باك
لنختصر الأمور. في عام 1969، ابتكر وليام وبوب غور، نسيج "غور – تيكس"، من مادة تسمّى تقنيّاً "متعدّد رباعي فلور إيثيلين" Poly Tetra Fluor Ethylene، ("بي تي إف إي) PTFE، وصارت أساساً في صنع مادة الـ "تيفلون" Teflon الذائعة الصيت. وعندما يجرى "مطّ" تلك المادة، تتخذ طبقة رفيعة، بل تتحوّل غشاءً رفيعاً مملوءا بثقوب مميّزة، بمعنى أن حجمها أصغر من حبيبات الماء السائلة، ما يعني أن الحبيبات لا تمر عبرها، بل تتناثر على سطحها ثم تتبخّر. وبقول آخر، يحوز ذلك الغشاء القدرة على عزل الماء السائل، كأن يكون مطراً أو ثلجاً. وفي المقابل، فإن الرطوبة التي ينتجها الإنسان عند التعرّق، لا تتخذ شكل حبيبات ماء، بل تكون على شكل أقرب إلى البخار، فتمر عبر ثقوب الـ "تيفلون". ولم تبق أنسجة "غور – تيكس" وحدها في الأسواق. وبعد انقضاء مدة براءة الاختراع الأساسيّة في عام 1997، أقدم عدد من شركات الملابس على صنع نسخ بديلة لـ "غور – تيكس".
ويشار إلى أنّ الأنسجة التقليديّة التي تقاوم الماء أو الهواء، وليس كليهما معاً، تشكّل الجزء الأعظم من الملابس الخارجية، بل إن "فورمي" لا تزال تستعملها. وتبقى المسألة الأساسيّة هي كيف يمكن تدعيم تلك الأنسجة التقليديّة فيكمن في كيفية تزويد الأنسجة التقليديّة بالأغشية المقاومة الماء والهواء.
وعلى عكس نسيج "غور – تيكس" الذي يقاوم الماء لكنه يسمح بمرور الهواء، مع ما يحمله من برودة، تعمل تكنولوجيا "فورمي" الجديدة عبر نسيج من طبقة وحيدة تشبه الغشاء الرقيق، ما يجعل القماش أكثر خفّة، وأشد مرونة وقدرة على التكيّف.
ومن المعلوم أنّ نسيجاً أساسيّاً كـ "غور – تيكس" و "فورمي"، يكون بالغ الهشاشة بمفرده. لذا، تعمد شركات الملابس إلى تصفيحه بغطاء قماش خارجي، لتنشئ بالتالي نسيجاً من طبقتين، ما يمكن من التعامل معه في حياكة ملابس عادية، أو صنع أغلفة لأكياس النوم. وفي معظم الأحيان، تضاف طبقة ثالثة، تمثّل البطانة، لتعزيز متانة القماش. أمّا الأمر المُضحِك، فهو أنّ طبقة البطانة تصنع، في أغلب الأحيان، من نسيج الـ "بوليستر" المحبوك، وهو المادة المستعملة لإنتاج أشياء مثل حمّالات الصدر.
تسمح تلك المعطيات بالقول أنه من الممكن دوماً إنتاج أنسجة متينة ومقاومة للماء والهواء، حتى بالطرق التقليدية، لكنها تكون أيضاً ثقيلة وضخمة بسبب ما تشمله من طبقات نسيج، غشاء مصفّح، وأميال من الشريط العازل المستعمل لتغطية ثقوب الخياطة، علماً أنّ جميع الطبقات تحدّ قدرة الغشاء على تمرير الهواء، وتقلّل من فاعليتها.
ويتوضح من تلك الأشياء التميّز في تقنية "فورمي" المبتكرة، بمعنى أنها تتخلى كليّاً عن فكرة تدعيم النسيج الأساسي. ويوضح سميث أنه بدلاً من لصق الغشاء إلى النسيج، ندخله إلى آلة الخياطة، وندرج خيطاً في الغشاء وحوله وعبره، لنحصل على طبقة مفردة من النسيج، فيجري تركيب الغشاء داخل القماش، ما ينتج مفهوماً جديداً للأنسجة والملابس.
مصفاة لا تعبرها المياه!
في الوصف الوارد أعلاه، تبيّن أن غشاء "فورمي" المبتكر يحتوي ثقوباً فائقة الصغر، كما أنه يدخل خيطاً في عملية خياطة الملابس. ألا يتحوّل الغشاء مصفاة عندما تحدث فيه آلة الخياطة ملايين الثقوب أثناء صنع الملابس؟
توصل تلك الكلمات إلى مفصل حاسم. ففي سياق خطوة رفضت "فورمي" الإفصاح عن تفاصيلها الكاملة، أشار سميث إلى أن الشركة اكتشفت طريقة لإعادة الغشاء إلى وضعه الأساسي بعد الانتهاء من عملية الخياطة.
وللتوضيح، يؤدي دخول إبرة آلة الخياطة وخروجها في شكل متكرر أثناء عملية صنع الملابس، إلى صنع ثقوب باتساع الإبرة نفسها. وعلى رغم صغرها، إلا أن الماء يمر عبرها، فيما الثقوب الأشد صغراً في نسيج "فورمي" نفسه، هي أصغر من أن تسمح بمرور الماء عبرها. إذاً، ثمة حلّ ترفض "فورمي" الإفصاح عنه، في شأن الثقوب التي تصنعها إبرة آلة الخياطة، والطريقة التي لجأت إليها "فورمي" كي تقاوم تلك الثقوب الكبيرة نسبيّاً، مرور المياه عبرها.
وزعم سميث أيضاً أنّ "فورمي" صنعت غشاءً فيه توازن بين القدرة على مقاومة المياه الآتية من الخارج، والسماح بمرور هواء الجسم وأبخرته، وهي آتية من الداخل.
وفي الأنسجة التقليدية، يجرى التركيز على تقنيات مقاومة الماء، في صنع الأقمشة المقاومة المطر، كحال ملابس "غور – تيكس". أكثر من ذلك، لا تزعم "غور – تيكس" أن أرديتها تقاوم الماء 100 في المئة، بل تشدّد على أنها تقاوم المياه! وفي المقابل، فإن عدم المقاومة التامة، كي يستطيع صنّاع "غور – تيكس" تصميم ملابس "تتنفس" وتسمح بمرور بخار الجسم وهوائه.
وفي المقابل، تزعم "فورمي" أن أقمشتها تقاوم الماء بنسبة 100 في المئة، وتسمح أيضاً بخروج أبخرة الجسم وهوائه! ما هي أهمية تلك المسألة؟ إذا لم يخرج بخار الجسم مع ما يحمله من حرارة وبخار العرق، ترتفع حرارة الجسم بسرعة كبيرة، كما أنه يصبح غارقاً في عرقه أيضاً! وتعد "فورمي" بأن أنسجتها تمكّن مرتديها من الركض تحت الريح والمطر، من دون الإصابة بالبلل، مع خروج الهواء الساخن وبخار العرق، ما يجعله متوازناً ومبترداً من الداخل أيضاً!
وعلى رغم أن شركة "فورمي" لا تضمّ إلا عدداً صغيراً من الموظفــين، فإن طاقمها يضمّ مجموعة يحسد عليها من مهندسي النسيج، وخبراء الكيـــمياء وغيرهم من المبتكرين. ومن اللافت أن مؤسّس "فورمي" هو دان إنغلش الذي كان مـــدير عام حلول الأعمال فـي شركة "مايكروسوفت" العملاقة!
في المقابل، جاء دوغ لامب، وهو نائب الرئيس التنفيذي في "فورمي"، بخبرة 43 سنة في شركة "بولارتيك" لصنع الصوف الاصطناعي. كذلك يملك داستن، ابن إنغليش، خبرة في اختبار الملابس التي تصلح للبراري والجبال، جاءت من عمله مرشداً جبليّاً في ولاية "آلاسكا".
"الحياة" اللندنية + وكالات