fiogf49gjkf0d
"غدي نيوز"
فيما يحتفل العالم بـ “اليوم العالمي للغابات”، وينظم فعاليات للحفاظ على هذه الثروة الكونية، نجد أن أشجار الجنوب اللبناني “تحترق”، هذا ما يبدو للناظر إليها، ولكن ليس بفعل النيران والحرائق، وإنما من جراء “دودة الصندل”، وهي تفتك بالأشجار الحرجية، بما في ذلك الصنوبر البري والمثمر.
ولا تقتصر المشكلة على الجنوب فحسب، وهي تكاد تطاول كافة مناطق وأحراج وغابات لبنان، إذ يبدو أن “دودة الصندل” استبقت الاجراءات الوقائية من قبل وزارة الزراعة، ساعدها على الانتشار السريع الطقس الدافئ في غير موعده المعتاد، وفي متابعة greenarea.me لهذه الكارثة الوطنية، تبين أنه لم يكن هناك تنسيق بين الوزارة من جهة، والجهات المعنية من بلديات ومؤسسات أهلية ومواطنين من جهة ثانية، وهذا التنسيق المفترض كان غائبا لاعتبارات وأسباب كثيرة، منها الروتين الاداري إلى تقاعس بعض البلديات وعدم توفر الدواء بما يكفي للمعالجة، بحيث اضطر كثيرون لشرائه.
ما هي دودة الصندل؟
اسمها العلمي Thaumetopoea، أما في لبنان فتعرف باسم “دودة الصندل”، وأسماء عدة تختلف باختلاف المناطق، وهي حشرة تصنف “كارثية”، كونها تصيب الشجر وتقضي عليه في غضون أسبوعين، ولا ينجو البشر من لدغاتها وما تتسبب به من حساسية تتطلب في معظم الاحيان علاجا، وقد تعاظم خطرها هذا العام، حتى باتت تهدد كافة الأحراج اللبنانية، من الشمال إلى الجبل والبقاع، وصولا إلى الجنوب بسائر مناطقه ومدنه وبلداته وقراه.
تنتمي “دودة الصندل” إلى فصيلة الفراشات التي تعرف بـ “فراش الليل”، من المعروف عنها انها تبدأ رحلتها في شهر أيلول (سبتمبر)، فتضع بيوضها على الأشجار الصمغية، وفي شهر تشرين الأول (أكتوبر) تفقس هذه البيوض لتخرج منها دودة تقوم بدورها في نسج خيوط حول براعم الصنوبر وأنواع أخرى من الأشجار، ولا سيما منها السنديان والبلوط، وفي شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس) تخرج الدودة من العش الذي نسجته، لتبدأ بعملية التهام أوراق أغصان الشجرة وصولا الى التربة، حيث تنسج شرنقة حول نفسها يخرج منها بعد عدة شهور فراشة تعاود دورة جديدة في رحلة الفراشات، وتقضي “دودة الصندل” على الاوراق، ما يعطل عملية التمثل الضوئي (الكلوروفيل)، ما يؤدي إلى يباسها، وبالتالي موتها، وخسارة كل شجرة تعني خسارة نحو 200 ليتر من الأوكسيجين يوميا، عدا عن الأضرار البيئية الأخرى، هذا على صعيد النبات، أما أضرارها على الإنسان فمن المؤكد انها مؤذية جدا، لما تسببه من حساسية وطفح جلدي وبعض الإصابات في العيون.
مشكلة تتجدد كل عام
وفي ظل التبدل المناخي على صعيد العالم، يتأكد سنة بعد سنة، أن لبنان بات في قلب معادلة تغير المناخ، وهذا ما نتلمسه في تغير الفصول، ولهذا الأمر تبعات خطيرة على التنوع الحيوي، فضلا عن الحرائق والقضاء على مساحات واسعة من الغابات، أما الطامة الكبرى، فتبقى متمثلة بظاهرة الصيد العشوائي التي لم يوضع لها حد نهائي الى يومنا هذا، حتى باتت الطيور المتبقية تواجه خطر الانقراض، بعد ان انقرض بعضها، تبعا لمراكز أبحاث علمية محلية، كما بات الخطر جليا على غابات الصنوبر المتبقية، بعد ان اصبحت المشكلة التي تتجدد كل عام اكبر واخطر من السابق، خصوصا بعد ان عادت “دودة الصندل”، وقد وجدت جوا يساعد على تكاثرها، مع غياب اعدائها الطبيعيين من الطيور والحشرات لتشكل خطرا مؤكدا يهدد الشجر وصحة الانسان.
في قضاء صور
على صعبد منطقة صور وجوارها قام greenarea.me بجولة على أحراج العباسية وطيردبا وصور والحنية وبعض قرى النبطية، وبدت الكارثة أكبر في بلدة العباسية، وأشار مصدر في بلديتها إلى “اننا قمنا بعملية الرش يدويا، بعد أن أمنت لنا وزارة الزراعة ربع الكمية المطلوبة من الدواء”.
وأضاف: “ان هذه الطريقة لا تعطي نتيجة كافية، لأن مساحة الحرج كبيرة، وهو بحاجة لعملية رش أوسع بواسطة الهليكوبتر”، وأكد المصدر أن “البلدية قامت بالاتصالات مع الجهات المعنية ولا تزال تنتظر الرد، أما عن باقي الاشجار في البلدة ومحيطها فقد تم رشها وتقليمها، ولكن الخطر الأكبر فهو الذي يواجه الحرج”.
الأب بولس حبوش المسؤول في “مدرسة قدموس” في صور التي تحيط به اعداد كبيرة من اشجار الصنوبر أوضح لـ greenarea.me أن “الفريق الزراعي في المدرسة يقوم بالاهتمام يوميا بالاشجار، لذلك لم نسجل اية اصابة على أي من الاشخار منذ سنوات طويلة”، لافتا ان “الرعاية اليومية والرش والتقليم الدوري هو خير وقاية قبل الوصول الى المشكلة”.
غادة طراد من سكان بلدة البازورية، وبعد رصد لدودة الصندل في الاشجار المجاورة لمنزلها أشارت إلى أن “البلدية قد قامت قبل يومين بالرش”، مبدية تخوفها من ان “تنتشر العدوى بين الاشجار، وبالتالي تؤثر على صحة عائلتي خصوصا وأن أولادي يعانون من الحساسية ويتلقون علاجا من صغرهم”.
مشكلة أكبر من الجنوب
تجدر الاشارة إلى أن الاهتمام الرسمي لم يرقَ إلى مستوى الكارثة، فثمة أشجار معمرة تعرضت لليباس بشكل كامل، وأخرى تنازع لتبقى، وثمة مشاهد صادمة، فيما هناك الكثير من الأحراج الصغيرة بعيدة ولا يمكن الوصول إليها بسهولة، ويتطلب علاجها رش الدواء بواسطة الطوافات، علما أن هذا الاجراء ستقوم به وزارة الزراعة بالتعاون مع الجيش اللبناني في تشرين الاول (أكتوبر) المقبل، لذلك يبقى السؤال، كيف يمكن معالجة هذه الغابات قبل أن تفقد أشجارها؟
وما يعتبر أمرا فاضحا، أن هناك قرى تتعرض أشجارها المزروعة على جوانب الطرق للمرض، ولا يبد أن المعالجة مجدية حتى الآن، بدليل أن لوثة “الصندل” تبدو واضحة، بحيث أن الأشجار تبدو وكأنها خارجة من حريق أتي على كل ما هو أخضر.
هي مشكلة أكبر من الجنوب ومن قضاء صور، لكن يبقى سؤال: ما جدوى عمليات التجريج الواسعة إن لم تتمكن من حماية ما نزرغ ونغرس؟