أنور عقل ضو
قبل أشهر قليلة تعرضت طيور اللقلق في إحدى المناطق اللبنانية لمجزرة حقيقية، وكانت الصور صادمة استفزت الناشطين البيئيين ليس في لبنان فحسب، وإنما في الدول المعنية بمسار هجرة الطيور، ولا سيما في أوروبا الشرقية، ومن بينها صور لأكوام من الطيور النافقة تم رميها في مكبات النفايات، حتى أن الأوروبيين باتوا يعرفون لبنان على أنه "مقبرة اللقالق".
وقبل نحو سنتين وصلتنا رسالة عبر البريد الالكتروني من هنغاريا من صديق موقعنا ghadinews.net الخبير في علم الطيور ماتياس برومر Matthias Prommer، وهو مسؤول عن دراسة هجرة الطيور الأوروبية وتتبع مسارها عبر الاقمار الاصطناعية، لمعرفة سلوكها وطبائعها من أجل معرفة وتحديد أسباب تراجع أعدادها.
أوقفوا قتل طيورنا في لبنان
وناشدنا قائلا: "أوقفوا قتل طيورنا في لبنان"، وتمنى وقتذاك أن نعلمه عن طائر (لقلق) يدعى "آباتش"، لافتا إلى أن أجهزة الالتقاط المتصلة بالأقمار الاصطناعية أكدت أن "آباتش" لم يغادر لبنان، وقال "لقد هالني رؤية الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي وفيها عشرات طيور اللقلق المقتولة ورجال يتباهون بما اقترفوا"، وبعد أسابيع عدة، أفادنا برومر أن "آباتش" غادر لبنان، ونجا من بنادق الصيادين.
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، ففي العام التالي وصلتنا رسالة ثانية، أبلغنا فيها برومر أنه تم أسر طائر لقلق في محافظة قنا المصرية (تبعد حوالي 450 كيلو متر جنوب شرق القاهرة)، وقال أن اللقلق ويدعى مينيس "اعتقل" لاشتباههم باستعماله في التجسس! إذ قام أحد السكان بالتقاط الطائر بعدما رأى جهاز الـ GPS موضوعا على ظهره، ظناً منه أنه جهاز تجسس وقام بتسليمه الى السلطات المصرية التي تحققت من الامر، وتأكدت ان الجهاز تقتصر مهمته على تتبع مسار الطائر، وتعرفت "جمعية علم الطيور وحماية البيئة" في هنغاريا على اللقلق من الصور التي نشرت في الصحافة، واتصلت بالسلطات المصرية لتوضيح المسألة والإفراج عنه ليتابع مساره.
صدمة
ما تجدر الاشارة إليه في هذا السياق أن الصحافة العالمية راحت تتسقط أخبار اللقلق، وتحول مادة إعلامية لكثير من وكالات الانباء، لا سيما بعد أن "أفرجت" عنه السلطات المصرية، وبالفعل تعزز الأمل بعودة "مينيس" سالما إلى هنغاريا. لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ أشار مسؤول في الجمعية الهنغارية إلى أن ناشطين بيئيين في مصر أبلغوها أن شخصا اصطاد "مينيس" وانتهى به الأمر إلى مائدة أسرة مصرية، بالرغم من أن "اللقلق" لحمه غير مستساغ ولا يحبذ تناوله، وفي لبنان يتم اصطياده بأعداد كبيرة ولا يؤكل، وبعضهم يأنف لحمه كونه يقتات على الجرذان والأفاعي.
تلقى الناشطون الهنغاريون صدمة، إثر ضياع جهودهم المضنية في دراسة طيور اللقلق التي تهاجر وتعود إلى أعشاشها على أسقف السطوح في الريف الهنغاري، لتضع بيوضها وتؤمن ديمومة حياتها، دون أن يتعرض لها أحد، وهي من الطيور المحببة في الدول الأوروبية، حتى أن المزارعين يقومون بمساعدتها في بناء أعشاشها كونها تقتات على الفئران التي تلحق الضرر بمزروعاتهم، فضلا عن الكثير من الحشرات الضارة.
برسم وزارة الداخلية
قبل أسابيع عدة، ومع استمرار قرار منع الصيد، وقبل الإعلان عن افتتاحه في أيلول (سبتمبر) المقبل، تعرض صيادون لطائر لقلق قادم من كرواتيا، وبغض النظر عن بشاعة الجريمة، هل ثمة من هو مقتنع فعلا بأن الدولة جادة في تنظيم الصيد؟ ومن ثم هل سيلتزم الصيادون بالأعداد المحددة للطرائد؟ و....... ؟
أسئلة كثيرة نضعها برسم الدولة وسائر وزاراتها ومؤسساتها المعنية، خصوصا وأن المشكلة لم تعد لدى وزارة البيئة، وإنما من المفترض أن تكون - بعد صدور قانون الصيد البري - برسم وزارة الداخلية والبلديات ومخافر قوى الأمن في المناطق ومأموري الأحراج وعناصر الشرطة البلدية والنيابة العامة البيئية، والجمعيات البيئية المعنية بالمراقبة ورصد المخالفات وتوثيقها.