أنور عقل ضو
شهدنا في اليومين الماضيين سجالا لما ينتهِ بعد، استهدف غزو قناديل البحر لسواحلنا، وظاهرة الطحالب الخضراء عند شاطىء الرملة البيضاء في بيروت، وكما هي العادة دائما تحولت وسائل التواصل الاجتماعي منصة لعرض و"تفسير" كلٍّ من الظاهرتين، ووصل الأمر إلى تشابك في المواقف والآراء وانحرافها في كثير من الأحيان عن مسار العلم.
وما أثار استغرابنا كمتابعين ومراقبين أن الدولة بسائر وزاراتها وأجهزتها المفترض أنها معنية بهاتين الظاهرتين، لم تحرك ساكنا، فيما شهدنا استنفارا في جمهورية مصر العربية لمواجهة ظاهرة انتشار قناديل البحر، وإعلان حالة طوارىء (ما تزال مستمرة)، ترافقت مع تدابير وإجراءات لجهة تفسير هذه الظاهرة ودراسة أسبابها، فضلاً عن إصدار نشرات توضح لرواد البحر كيفية التعامل مع القناديل، وما يزال الإعلام المصري يتتابع ما يصدر تباعا عن وزارة البيئة في هذا الخصوص.
الفراغ الرسمي
كل ذلك، وظاهرة قناديل البحر ليست بجديدة، وهي ظاهرة طبيعية تتكرر في كل سنة، إلا أن الدولة الساهرة على صحة وسلامة مواطنيها، لم تكن غائبة، كما هو الحال في لبنان، وإذا كانت ثمة فراغ، فلا بد أن يأتي من يملأه وفقا لقوانين الطبيعة، والفراغ الرسمي هنا ملأته "تحليلات" معظمها يفتقر إلى الدقة والموضوعية، في وقت كنا - وما نزال - بحاجة لإجابات واضحة صادرة عن وزارة أو مركز أبحاث، خصوصا وأن القناديل وإن جرفتها التيارات البحرية في موسمها، إلا أنها تمثل الآن ظاهرة مفترض مقاربتها انطلاقا من متغيرات كثيرة تطاول البحر الأبيض المتوسط، بدءاً من ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير المناخ وصولا إلى فهم دقيق لما استجد منذ سبعينيات القرن الماضي على مستوى الأنواع الغازية الجديدة.
إن غياب الدولة أبقى المجال مشرعا على تحليلات - بغض النظر عن مصداقيتها من عدمه - لا تقدم للمواطن ما يبرد هواجسه، ولم تتكبد مراكز الأبحاث (مركز البحوث العلمية ومركز علوم البحار والمختبرات العلمية... وغيرها)، عناء إصدار بيان، فكم بالحري إيفاد خبراء ودراسة الظاهرة ميدانيا.
الرملة البيضاء و"المد الأخضر"
ما هو أخطر في هذا المجال، تمثل في ظاهرة "المد الأخضر" عند شاطىء الرملة البيضاء، (وإن تراجعت واختفت مؤخرا) وانتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي لمواطنين يسبحون وسط العوالق الخضراء، وتوالت الاستنتاجات بين من رأى هذه الظاهرة طبيعية وبين من حذر منها، ما أفضى إلى تساؤلات ليس ثمة من يجيب عنها إلى الآن.
وإذا ما نظرنا إلى تعليقات خبراء وناشطين وجمعيات حيال هذه الظاهرة، نجد أن ثمة اهتماماً جاء ليعوض غياب الدولة، وهذا يؤكد أن هناك خبراء مشهود لهم، وبعضهم يتمتع بمصداقية عالية في مختلف أنحاء العالم، وهناك في الوقت عينه من يناضلون في سبيل أن يبقى بحر لبنان في منأى عن التلوث، وهذا إن دل على شيء، فعلى حس بالمسؤولية، وإن اتسم النقاش على بعض مواقع التواصل الاجتماعي بشيء من الحدة، إلا أن هاجس الجميع كان واحدا، الحفاظ على سلامة بحرنا من كل أسباب التلوث.
وتبقى المشكلة متمثلة في غياب الدولة غير القادرة على جمع من هم على صلة يومية بالبحر، وتشكيل لجنة طوارئ خاصة تضم إلى الوزارات والمؤسسات المعنية أهل الاختصاص والناشطين وممثلين عن نقابات وتعاونيات صيادي الأسماك، خصوصا وأنه كان من المفترض أن تبادر جهة رسمية ما إلى دراسة الطحالب وتحديد نوعها ومعرفة ما إذا كان له تأثير على صحة المواطنين وسلامتهم.
الصور عن "الانترنت"