خاص "غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو
دائما يبقى ثمة أمل لمواجهة الممارسات غير المسؤولة، من خلال مبادرات تؤكد أن استباحة الطيور المهاجرة ليست قدرا، وأن هناك حساً بالمسؤولية حيال بيئتنا، هذا باختصار ما عشناه واقعا مع إطلاق أربعة طيور جارحة يوم أمس، كان قد عثر عليها شبان من عين دارة في 16 أيار (مايو) الماضي عند تخوم محمية الشوف في منطقة عين دارة – جبل لبنان، بعد أن حاول أطفال بيعها، وكانت ما تزال فراخا صغيرة، وقد تم إطلاقها في محمية أرز الشوف - عين زحلتا – بمهريه.
وكان تقرير لـ "منظمة حياة الطيور الدولية" BirdLife International قد جمع معلومات من 51 باحثا، وتبين أن بين 11 و36 مليون طائر يتم صيدها سنويا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، منها حوالي 2،6 مليون طائر مهاجر يقتل سنويا في لبنان نتيجة للصيد الجائر، أي بمعدل 248 طائر (بين 161 و335 طائر لكل كيلومتر مربع) ما يجعل لبنان من البلدان الأكثر كثافة بالنسبة للكيلومتر المربع، تسبقه مالطا بمعدل 300 (بين 18 و667 طائر) وقبرص بمعدل 257 بين (146 و351 طائر).
أبي سعيد: تعشش في جروف الصخور
واكب موقع ghadinews.net عملية إطلاق العقبان في المحمية بحضور رئيس "مركز التعرف على الحيوانات البرية" Animal Encounter الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية - كلية العلوم البروفسور منير أبي سعيد، مدير محمية أرز الشوف نزار هاني، رئيس بلدية عين زحلتا نعيم سعد وأعضاء من جمعية الرابطة الخيرية - عين زحلتا، الناشطين طوني وجورج أبي فيصل عن ناشطي عين دارة الذين أنقذوا الفراخ، وطلاب وكشافة مدرسة الليسيه ناشيونال وموظفي المحمية، فضلا عن أفراد من مركز التعرف على الحياة البرية، ناشطين، مواطنين وزوار للمحمية وإعلاميين.
وقال أبي سعيد لـ ghadinews.net: "في البداية أشكر شباب عين دارة جورج ونجيب أبو فيصل وسامي بدر على حسهم بالمسؤولية وغيرتهم على المنطقة وتنوعها البيولوجي"، وأضاف: "هذه الطيور تعرف باسم العقيب طويل الساق وبالإنجليزيةLong-legged buzzard واسمها العلمي Buteo rufinus، وهي من أكبر الطيور الجارحة، يصل امتداد اجنحتها الى 150 سنتم وطولها الى 66 سنتم، تعتبر واسعة الانتشار في لبنان ومحيطه وتصل الى غرب الجزيرة العربية واوروبا وافريقيا، وتعيش في السهول المفتوحة كما في الجبال الصخرية والغابات وتعشش في جروف الصخور وعلى الاشجار أيضا، تتغذى على القوارض والحيوانات الصغيرة كما أنها تنظف الجبال من الجيف، موائلها مهددة في لبنان بالزراعة المكثفة والمبيدات والاسلاك الكهربائية والصيد".
وأضاف: "كانت هذه الطيور تعشش بكثرة في لبنان إلى زمن قريب ولكنها توقفت، وتعد هذه الحالة مميزة، كونها أول مرة نجدها تعشش وتفقس في لبنان، وهذا الأمر إيجابي للغاية، وهي عبارة عن 4 عقبان إثنان منها ذكور وإثنان إناث"، وأشار إلى أنه "قد وصلت الفراخ إلينا بتاريخ 16 أيار (مايو) من قبل إدارة المحمية، وكانت لا تستطيع تناول الطعام بنفسها كونها عمرها لم يكن قد تعدى الأسبوعين، وتعاون فريق مركز التعرف على الحياة البرية وخصوصا ولدي كريم وأشرف على إطعامها مرتين يوميا، وبعد أن تمكنت الفراخ من التغذي بمفردها ومن الطيران، بدأنا بتزويدها ببعض القوارض الحية (الفئران والجراذين) لتطير وتتمكن من صيدها، فاسم هذا الطائر باللغة العامية عقاب أبو فار أو الصقر الجراح، فهو يحد من أعداد هذه القوارض، أي أعدنا تأهيلها لتتمكن من الحياة في البرية، وبعد تأكدنا من قدرتها على العودة إلى الطبيعة، وكي تتمكن من الهجرة".
وأضاف "إنها رسالة مركزنا، لجهة تأهيل الحيوانات والطيور المصابة والجريحة وفي هذه الحالة التي حرمت من والديها لإعادتها إلى الطبيعة"، وأضاف: "كون هذه الطيور عششت في لبنان، يعني هذا الأمر أنها أصبحت مقيمة وستعود بالتأكيد لتعشش، وهذا هو محيطها الطبيعي".
وقال أبي سعيد: "انها ليست المرة الأولى التي نقوم بها بمثل هذا النشاط وإطلاق الطيور والحيوانات وعودتها إلى الطبيعة ولكن أهمية هذا النشاط بالإضاءة على تكامل التعاون بين الناشطين المدنيين، وعملنا كمركز متخصص ثم إطلاقها في المحمية ومتابعة فريق المحمية لها، كما أنها أول مرة نطلق طيورا جارحة وبهذا الحجم وعششت وفقست في لبنان، فضلا عن إطلاق هذه الطيور أمام الطلاب، لنجعلهم واعين لضرورة المحافظة على الطبيعة وحماية كائناتها".
كما شدد أبي سعيد على "ان هذه الطيور من المحرّم صيدها، والبشرية بأسرها تعمل على حمايتها، وهي ثروة عالمية لا يملكها احد، إذ هي ملك الجميع".
هاني: المحافظة على التنوع البيولوجي
وقال مدير المحمية نزار هاني لـ ghadinews.net: "يقع لبنان عند أهم ثاني ممر للطيور المهاجرة في العالم، إذ ان الطيور تهاجر مرتين في السنة عبر بلدنا في الخريف والربيع"، وتوجه "بالشكر الجزيل إلى الناشطين من عين دارة لإنقاذهم الطيور وثقتهم بمحمية ارز الشوف والعناية التي قدمها مركز التعرف على الحياة البرية بها، لكي نتمكن اليوم من إعادتها إلى الطبيعة".
وأضاف هاني: "نبعث اليوم برسالة عبر إطلاق هذه الطيور، لنؤكد أننا في لبنان لا نصطاد الطيور المهاجرة بل نهتم بها، واننا نواكب المبادرة وحملة التوعية التي اطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لحماية الطيور المهاجرة التي تعبر سماء لبنان، ولتغيير المفاهيم والتأكيد ان لها دورا في التوازن الطبيعي والحفاظ على الطبيعة من الآفات والقوارض، وبين 396 نوعا من الطيور في لبنان، هناك 330 طيرا مهاجرا، ولكن عددا كبيرا من هذه الطيور المهاجرة يمكنها التعشيش في لبنان كما حصل في هذه الحالة، وهذا دليل عل أنها إن سمحت لها الظروف بهذا الأمر، فهي ستعيد دورة الطبيعة وتهاجر وتعود لتعشش لدينا".
وأضاف: "هو أمر رائع أن نطلقها في المحمية، فإيجابيات وجودها يتعدى دورها الهام في النظام البيئي إلى مساهمتها في السياحة البيئية كما نشاهد من هذا الحشد، فضلا عن تثقيف الجيل الجديد ونجعله يتأثر ويتفاعل خصوصا لجهة ضرورة المحافظة على الكائنات الحية وبيئتها والتنوع البيولوجي، وقمنا بإطلاقها بأسرع وقت لتتم متابعتها من قبل فريق المحمية حتى آخر الصيف، حيث تتمكن من الهجرة، والعودة في العام المقبل".
الناشطان بو فيصل: لم نقم سوى بواجبنا
وقال الناشطان نجيب وجورج بو فيصل لـ ghadinews.net : "إنه شعور رائع خصوصا بعد أن تمكنا من إطلاق هذه الطيور بأنفسنا إلى الطبيعة، ومشاهدتها تحلق في السماء وبعد أن اطمأنينا على إنقاذها من بعض الشباب غير المسؤول، وقمنا بالإتصال بإدارة المحمية، التي بادرت للإتصال بالمركز المتخصص"، وقالا: نحن نصطاد ولكن نعرف ماذا نصطاد ومتى، وكثيرا ما يؤلمنا ما يقوم به البعض من تشويه لهواية الصيد، فنحن مع الصيد المستدام ولتظل هذه الطيور متواجدة وتتكاثر وتقوم بدورها في الطبيعة، ولم نقم سوى بواجبنا في هذا المجال، ونشجع الجميع على القيام بواجبهم وهو إنقاذ الحيوانات والطيور".
سعد: المشاركة بنشاطات المحمية
وقال رئيس بلدية عين زحلتا بأن "هذه السنة ومنذ استلام المجلس البلدي الجديد تميزت بلدتنا بعدة نشاطات ثقافية، فنية، صحية وبيئية، منها مشوار مع مغوار، والمشاركة بمعظم نشاطات المحمية، فضلا عن نشاط اليوم ونشاط سنقوم به لاحقا وهو درب القمر مع شباب الرابطة، بمشاركة أكثر من 200 شخص، ومحمية عين زحلتا من أهم محميات الشوف، وسنحاول إعادة عين زحلتا إلى المجد الذي كانت فيه".
كرامة: درب القمر
وقال رئيس الرابطة الخيرية سامر كرامة: "الرابطة تجمع كل البلدة، نشاطاتها عديدة منها المستوصف والنشاطات الأدبية والفنية والرياضية، وفضلا عن مشاركتنا بهذا النشاط الهام، فإننا ننظم نشاط درب القمر يومي 8 و9 تموز (يوليو) بمشاركة بين 200 و300 شخص، يتابعهم حوالي 60 ناشطا من الجمعية والجوار، وهو يصادف والقمر بدر، وقد جهزنا لبعض الراغبين بالبقاء في المنطقة بيوت ضيافة، تمهيدا للمساهمة في عملية سياحة بيئية شاملة".