"غدي نيوز - أنور عقل ضو
غيرت الحياة العصرية الكثير من عاداتنا وتقاليدنا، وبتنا نعيش في غربة بين زمنين، ماضٍ ما زال ينبض بدفء الذكريات، وحاضر اغتربنا معه إلى حيث أرادنا الغرب، أرقاما في مجتمعات مستلبة لم تعد أكثر من سوق استهلاكية، غدونا معها أسرى ما تنتجه الدول الصناعية وقد بدلت من سلوكياتنا ونحن نمعن في البذخ بالاستهلاك.
إنه نوع من استعمار جديد، لم ندرك مخاطره إلى الآن، استعمار تلاشت معه الحاجة إلى احتلال الأرض وخوض الحروب، بمعنى أن "الاحتلال الكولونيالي" انتفى كضرورة لسرقة موارد الدول والشعوب، بحيث لم تعد الدول الكبرى بحاجة لاستعمار الدول وتوسيع مستعمراتها ونهب الثروات مباشرة، فيما هي قادرة على استعمار واحتلال العقول، وهذا نوع مبطن من الاحتلال والاستعباد باسم "الحرية"!
فبعد أن احتُلت عقولنا، بدأنا "نتعولم"، أي أننا في طور الانقراض كثقافة وهُوية، نشتري عبر الإنترنت سلعا مع خدمة توصيل سريعة، ونعيش في عالم تغير إيقاعه، عالم "الديلفري" والثياب الموقعة "السينييه" وشراء ما لا يلزمنا إرضاء لما يشبع غرورنا.
ما عادت الأمهات ترتق ثياب وجوارب أولادها، ولا تحيك بيديها كنزة الصوف، ولا تحتفظ بثياب الابن الأكبر لشقيقه الأصغر، وما عاد الآباء يجمعون الأحذية ويأخذونها إلى الإسكافي لتجديدها، وقس على ذلك الكثير مما اندثر من عادات.
في الماضي القريب، كنا عندما يهترىء نعل الحذاء نتوجه إلى الإسكافي، فيضع "نص نعل" ويلمعه فيعود جديدا، أما اليوم فنبدل أحذيتنا قبل أن تتلف، ونرمي أكواما من الثياب، فهل من يتذكر "كر الصوف" من كنزة لإعادة استخدام خيطانها في حياكة أخرى جديدة؟
هذا غيض من فيض، فهل نستعيد بعضا عاداتنا؟
إذا كنا نبدي الحرص على البيئة، فدورنا تعزيز الوعي لجهة عدم التفريط بما يمكن الافادة منه، وهذا ما هو مطلوب أساسا في أي خطة للنفايات، تبدأ بالتخفيف قبل الفرز من المصدر، فمتى نتخطى ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الاستدامة؟