"غدي نيوز"
أنور عقل ضو -
وكأننا محكومون بالفساد إلى أجل غير مسمى، هذا هو حالنا اليوم، ولا شيء تغير، ونحن لا نملك إلا الصراخ في وادي الإهمال، حيث يختنق الصدى عن أعتاب قصور المسؤولين وإقطاعاتهم، وهم يمعنون في تدمير البيئة، دعما لمافيات الموت، وتسهيلا للأتباع والمستزلمين يجتثون أشجارا ويقضمون جبالا ويصحرون غابات وأحراج، والدولة في إجازة مفتوحة، وزارات ومؤسسات ومسؤولين.
لقد تحول لبنان بلد الفضائح دون منازع، وبات يحتل مراتب متقدمة بين الدول الأكثر فسادا في العالم، والبيئة ضحية وقضية، أما القصاص فتحول مكافآت للملوِّثين والملوَّثين، ولا غرابة في ذلك، عندما نعلم أن مافيات الكسارات والمرامل على سبيل المثال أقوى من الدولة، من القضاء، من الأمن، من البلديات وسائر المؤسسات الرقابية المفترض أنها معنية بما لا حصر له من انتهاكات وجرائم.
أشكال متوارية من السرقة
في هذا السياق، كنا نتوقع، تبعا لوعود المسؤولين قبل عام من الآن، أن نكون مواكبين لحملة إنقاذ نهر الليطاني وبحيرة القرعون، خصوصا وأننا سمعنا صراخا من على المنابر، وحراكا بدا واضحا الآن أنه أدير عن بعد، للتخفيف من نقمة المواطنين وامتصاص غضبهم، لنجد أن بعض الهيئات التي تشكلت لمعالجة التلوث قد تم تغييبها، أو الحد من اندفاعها، من خلال تيئيسها، وهذا ما حصل إلى حد بعيد، فالـ "أوادم" مغيبون، وأما "الزعران" فيكافأون بمرملة، كيف؟ وبأية طريقة؟ فذلك أمر يعيد مقولة أن "وراء كل مرملة زعيم"، وأن بعض اللبنانيين أتقنوا فنون السرقة والتهديد والتزوير.
ما زال الليطاني جنوبا يئن من تلوث، وبقاعا ينشر الأمراض القاتلة، وبين المنبع والمصب مصالح متشابكة، وشد حبال، فالملايين المرصودة لمعالجة هذه الكارثة، قروضا سيسددها أولادنا وأحفادنا، يبدو أنه لم يتم الاتفاق على اقتسامها بالعدل والقسط، وهنا، ثمة أشكال متوارية من السرقة، ذلك أن المسؤولين يجنون من التلزيمات المقنعة الكثير من الأموال، عبر الملتزمين – الموظفين، فضلا عن تجديد ولائهم ونحن على أعتاب انتخابات نيابية!
وما يثير أكثر من علامة استفهام كلفة دراسات التي أنجزت لصالح معالجة كارثة الليطاني وبحيرة القرعون التي انعدمت فيها الحياة وباتت "ميتة" علميا، وبلغت 100 مليون دولار، دون أن نعلم كيف صرفت وفق ما تقتضي الشفافية في عمل أي مؤسسة، ولا سيما "مجلس الإنماء والإعمار" الذي لم يقدم كشفا ماليا في هذا المجال.
مرملة العيشية
إذا ما راجعنا نتائج الدراسات المنجزة، نجد أن القاطنين على جنبات النهر، ولا سيما بقاعا، باتوا مهددين أكثر، ودفعوا أثمانا باهظة مع تزايد الأمراض السرطانية، وما يثير السخرية أن مياه النهر في بعض المواقع لا تحتاج إلى فحصها في المختبرات، فالتلوث واضح لونا ورائحة، جراء مياه الصرف الصحي والنفايات الصناعية وهي تجد طريقها إلى أهم نهر في لبنان.
فيما نعيش إهمالا في هذا الملف، نجد أن مرملة تعمل في بلدة العيشية في قضاء جزين، علما أن النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان كان قد أمر بإغلاق مرملة في البلدة عبى العقار رقم 1211 بالشمع الاحمر العام الماضي على خلفية التسبب بتلوث مياه نهر الليطاني بفعل رمي وتجمع بقايا الرمول .
أما كيف تعمل مرملة منذ أسابيع عدة ولا من يوقفها، فذلك نضعه برسم الجهات المعنية، وإن كنا نعلم أن من يستثمر المرملة (ا. ع) يملك دعما يبقيه خارج دائرة القانون... والمحاسبة!