ما تزال اليابان تواجه العديد من الهزات الأرضية العنيفة من توابع زلزال الحادي عشر من آذار (مارس) المدمر، إلا أن الرعب المسيطر على اليابانيين بات متمثلاً الآن بتلوث المواد الغذائية والمياه بل وحتي الملابس جراء الإشعاعات النووية المتسربة من المفاعلات المتضررة من كارثة الزلزال وموجات التسونامي التي ضربت البلاد.
وكان رئيس الوزراء الياباني (ناوتو كان) قد حذر شعبه "من خطورة تناول الخضروات الورقية مثل السبانخ المنتجة في منطقة فوكوشيما"، وذلك في أول إجراء يتم اتخاذه في ما يتعلق باستهلاك الغذاء بسبب اكتشاف تجاوز المواد المشعة فيها الحد القانوني. وأضاف يوكيو ايدانو المتحدث باسم الحكومة اليابانية - في مؤتمر صحفي- أن "هذا التحذير يأتي من قبيل الوقاية"، نافيا امكانية أن تشكل مستويات الاشعاع خطرا مباشرا على صحة الانسان"، مشيرا إلي أن "القياسات الخاصة بالمواد المشعة في تلك الخضراوات تتصاعد"، كما سعى ايدانو إلى تهدئة المخاوف. وقال "إن لدي اليابان معايير سلامة مشددة بالمقارنة مع الدول الاخري".
ووجه (ناوتو كان) تعليماته لحاكم فوكوشيما يوهي ساتو لدعوة سكان المقاطعة للإحجام عن تناول خضراوات مثل الكرنب وخضراوات كوماتسونا اليابانية الورقية والبروكلي والقرنبيط. وذلك عقب اكتشاف وزارة الصحة مواد مشعة في أحد عشر منتجا من خضراوات يوكوشيما تتجاوز الحد القانوني بمقتضي قانون الصحة الغذائية. كما طلب رئيس الوزراء من مقاطعة ايباراكي المجاورة وقف شحنات اللبن والبقدونس المنتجة في مقاطعته.
وتعد هذه المرة الاولى التي تفرض فيها الحكومة اليابانية قيودا على تناول الغذاء بموجب قانون خاص للتعامل مع ازمة نووية. وفي الوقت نفسه، حذرت السلطات اليابانية من أنه تم رصد مستويات مرتفعة من اليود المشع في مياه طوكيو. وطالبت بعدم شرب الاطفال من مياه الشفة في 23 منطقة وخمس مدن غربية في المقاطعة بعد اكتشاف يود مشع تتجاوز نسبته الحدود القانونية بالنسبة للصغار.
وذلك في الوقت الذي انتشرت فيه تحذيرات في كوريا الجنوبية من احتمال تلوث الملابس والمنسوجات المستوردة من اليابان بالإشعاعات النووية، خاصة وأنه من الصعب فحص نسب الإشعاع في مثل هذه المواد المصنعة.
ومع تصاعد المخاوف من ارتفاع قيمة الأضرار المباشرة الناجمة عن الزلزال المدمر الذي هز شمال شرق البلاد الشهر المنصرم وما أعقبه من أمواج مد بحري عاتية وصلت إلى ما بين 16 و25 تريليون ين (308 مليارات دولار) مما يجعلها أكثر الكوارث الطبيعية تكلفة في العالم، أعلنت الشرطة اليابانية ارتفاع حصيلة القتلى الى 9452 شخصا علي الأقل. وقالت الشرطة - حسبما ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية "إن 14714 شخصا على الأقل لا يزالون في عداد المفقودين عقب الزلزال المدمر".
أبعد من اليابان
وحسب المعلومات المتداولة في أكثر من دولة في العالم، بدا أن المشكلة أصبحت أبعد من اليابان، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن "الخطر الوحيد من تلوّث المنتجات الغذائية اليابانية بالإشعاعات، يقتصر على المنطقة المحيطة مباشرة بالمحطة النووية المنكوبة"، وذكرت ان خبراءها في مقرها في جنيف يحاولون فهم الوضع على نحو أعمق، وأفادوا انهم سيتمكنون من اعطاء مزيد من التوجيهات الإرشادية في وقت لاحق.
ودرءا لتفاقم التسرّب الإشعاعي، فرضت دول عدة إجراءات مشددة على السلع الغذائية الآتية من اليابان، متجاهلة تصريحات منظمة الصحة العالمية.
أوروبـــــــــــــــا
وفي أوروبا ثمة إجراءات وتدابير لمواجهة الخطر، لا سيما بعدما حضّ الاتحاد الأوروبى الدول الأعضاء فيه على فحص الأغذية المستوردة من اليابان لدرء خطر الاشعاع، بعد أن أكد مسؤول شؤون الطاقة في الاتحاد ان الموقع النووي في اليابان "خارج نطاق السيطرة".
وقال فرديريك فنسنت، المتحدث باسم مفوض الصحة في الاتحاد الأوروبى جون دالي: "لقد بعثنا بتوصية من خلال نظام الانذار السريع لفحص المنتجات الغذائية والأعلاف الحيوانية الآتية من اليابان".
أما في إيطاليا، فقد أعلنت وزارة الصحة الإيطالية حظر استيراد المنتجات الغذائية من اليابان خوفا من تلوثها المحتمل بالإشعاعات النووية. وأوضح وزير الصحة الإيطالي فيروتشيو فاتسيو أن "المشكلة ليست كبيرة، إذ إن المنتجات الغذائية التي تستوردها إيطاليا من اليابان قليلة، والمطاعم اليابانية في إيطاليا تستخدم الأسماك المحلية"، مشيرا إلى أن "الحظر سيطبق على المنتجات الغذائية، وفي مقدَّمها السمك والخضراوات".
الولايات المتحدة الأميركية
وكانت ادارة الاغذية والأدوية في الولايات المتحدة الأميركية قد اعلنت أن الولايات المتحدة ستوقف مؤقتا استيراد الحليب والحضروات وغيرها من المواد الغذائية المنتجة بالمناطق اليابانية المتضررة بالإشعاع النووي، وذكرت تقارير صادرة عن وكالة "أسوشيتد برس" أنه من المتوقع أن تصدر مزيد من البلدان أمر حظر من هذا النوع بالتتابع.
وأصدرت إدارة الأغذية والأدوية الأميركية بيانا قالت فيه إن الحليب ومنتجات الألبان والخضروات المنتجة من المناطق اليابانية المتأثرة بالإشعاع النووي يتم حظر بيعها فى الولايات المتحدة، مع العلم بأن حجم المواد الغذائية اليابانية المستوردة يحتل ما يقل عن 4 بالمئة من إجمالي حجم المواد الغذائية الأميركية المستوردة، لذلك فلن تتأثر عروض وفيرة للمواد الغذائية بمثل هذا الحظر في أميركا.
كوريا الجنوبية
من جهة أخرى، عقدت الحكومة الكورية الجنوبية اجتماعا بشأن سياسة سلامة الغذاء، واصدرت قرارا ينص على أن كوريا الجنوبية ستتوقف عن استيراد المواد الغذائية اليابانية الملوثة بالإشعاع النووى وذلك لأجل التخفيف من حدة قلق الجمهور إزاء سلامة الغذاء. هذا وقالت الحكومة الكورية الجنوبية إنه لا يمكن لرجال الأعمال أن يستوردوا السلع اليابانية إلا بعد تقديم "شهادة الأمن الإشعاعي".
الدول العربية
أما في المملكة العربية السعودية، فطلبت وزارة التجارة والصناعة السعودية من مختبراتها العاملة في المنافذ الحدودية إجراء المسح الإشعاعي على كافة السلع الاستهلاكية المستوردة من اليابان. وشددت أيضا على الشركات المانحة شهادات المطابقة لتلك السلع على أهمية اتخاذ مثل هذا الإجراء قبل منح شهادات المطابقة، وخاطبت الوزارة كلا من الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة ومصلحة الجمارك بتلك الإجراءات الوقائية للحدّ من تسرّب السلع الملوثة إشعاعيا.
وفي مصر توقع نائب رئيس غرفة تجارة الإسكندرية خالد فتح الله "زيادات طفيفة في أسعار السمك المستورد نتيجة تدهور الأوضاع في اليابان"، أما رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات محمد شفيق فأشار إلى أن "الموانئ المصرية ستجري الفحوص الإشعاعية للمنتجات الواردة من اليابان"، وكشف عن عزمه "الإعلان في غضون أيام عن قائمة المنتجات التي ستُفحص في الموانئ المصرية للتأكد من خلوها من الإشعاع الذري"، مشيرا إلى انه "سيتم أيضا إعلان قائمة أكثر المنتجات تأثرا بالإشعاع، والتي سيحظَّر استيرادها بسبب خطورتها على الصحة".
وفي سياق متصل، قالت الخبيرة بدراسات الأخطار الإشعاعية في مركز الأمان النووي في مصر الدكتورة سامية رشاد ان "المركز يعتزم إنشاء مكتب للرقابة على الأغذية الآتية من اليابان في المطارات والجمارك"، ولفتت إلى أن "السلطات اليابانية منعت تصدير الأغذية والسمك واللحوم بعد وقوع حادث مفاعل فوكوشيما".
وعلى رغم أن اليابان تمثل ثالث أكبر شريك تجاري للدول العربية بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، فإنّ معظم الواردات العربية من اليابان تتركز على الآلات والأجهزة الميكانيكية والأدوات الكهربائية والإلكترونية ومنتجات المطاط والحديد، ولا يشكل الغذاء إلا نسبة ضئيلة.
لبنان
وعن خطر التسرّب الإشعاعي على لبنان واحتمال تعرضه لهزة أرضية، أكد العالم الجيولوجي علي حيدر أن "لا زلزال يهدد لبنان حاليا"، مشيرا إلى أن "لبنان آمن اليوم كما في الأمس، ولكن بعضهم عزا توقعاته إلى حوادث سابقة"، معتبرا أن "الخطر الحقيقي هو فقط في حال حصل زلزال في الجنوب، إذ قد يؤدي الى تسونامي يصل، في أقصى حدود ارتفاعه الى مترين". وأوضح أن "انفجار المفاعل النووي في اليابان يؤثر بإشعاعاته بنسبة خفيفة في لبنان"، داعيا الدولة اللبنانية الى البدء برصد درجة الإشعاعات وفحص المواد الغذائية المستوردة".
وأشار الى أن "شمال اسرائيل هو أكثر عرضة من لبنان للزلازل، وحينها سيكون خطر تأثر لبنان بالإشعاعات النووية أكبر، فيما لو تفجّر أو تسرّب إشعاع من أحد مفاعلاتها النووية".
وأكد خبير السياسات في الرابطة العالمية للناشطين التي تعنى بالشؤون البيئية الدكتور ناجي قديح أن "المطلوب هو ايجاد أعلى درجة من الجهوز لدى الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، وإجراء فحص دقيق في المرافئ والمعابر للبضائع المستوردة من اليابان"، مضيفا أن "لا شيء يدعو إلى الهلع حتى الآن، لكن من الواجب الفحص على مدار الساعة في إجراء وقائي للتأكد من أن درجة الإشعاع مقبولة"، مؤكدا "العثور على نسبة إشعاعات قليلة جدا في المستقبل، لكنّها لا تؤثر في الصحة العامة، وهذا أمر حتمي عند حصول كارثة كالتي نشهدها في محطة فوكوشيما اليابانية".
البحث عن بدائل صديقة للبيئة
تبقى الإشارة إلى أن اجواء الخوف المسيطرة على أكثر من دولة وقارة، سببها الارباك الناجم عن كارثة نووية لم يتمكن العالم من مواجهتها، ويبقى ثمة سؤال: ماذا لو انفجرت المفاعلات النووية اليابانية ولم يكن الامر مقتصراً على تسرب اشعاعي؟ هذا السؤال يستدعي من الدول المتقدمة المسارعة الى اتخاذ اجراءات سريعة للتخلي عن استخدام المفاعلات النووية لاغراض سلمية، والبحث عن بدائل صديقة للبيئة في مجال توليد الطاقة.