خاص "غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو
تتوالى الأدلة التي تؤكد أن الدهون قد لا تكون السبب في زيادة نسب السمنة في العالم، بل أن الكاربوهيدرات على شكل السكريات المصنعة والمضافة إلى الكثير من الأغذية قد تكون خلف تحول السمنة إلى حالة وبائية تجتاح الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وكانت الفوائد الصحية لنظام غذائي قليل الدسم موضع شك من قبل دراسة اتحادية كبرى في عام 2006، والتي وجدت أن مثل هذا النظام الغذائي ليس له تأثير على خطر الإصابة بأمراض القلب أو السرطان.
النظم الكيتونية
واكتسبت النظم الغذائية الكيتونية شعبية لمجموعة متنوعة من الفوائد الصحية، ولكن العلماء لا يزالون غير متأكدين مما يحدث خلال حالة كيتوسيس ketosis، عندما يكون تناول الكربوهيدرات منخفضا جدا فإن الجسم يتحول من استخدام الغلوكوز glucose كمصدر الوقود الرئيسي إلى حرق الدهون وإنتاج الكيتونات للطاقة.
الدهون والذاكرة
فقد أظهرت دراستان حديثتان أجريتا بصورة مستقلة، أن اتباع نظام غذائي عالي بالكيتون - الدهون العالية، وكمية البروتين والكربوهيدرات منخفضة للغاية - ساهم بتحسن كبير في الذاكرة لدى الفئران في مرحلة الشيخوخة وزيادة فرص الحيوانات من البقاء على قيد الحياة إلى الشيخوخة، وقد نشرت كلتا الدراستين في المجلة العلمية "استقلاب الخلية" Cell Metabolism.
وأجريت الدراسة الأولى في معهد باك للأبحاث المتعلقة بالشيخوخةthe Buck Institute for Research on Aging، والثانية في جامعة كاليفورنيا في مدينة دافيس UC Davis.
وقال الرئيس التنفيذي لـ "معهد باك" والكاتب الأول لهذه الدراسة إريك فيردين Eric Verdin: "ان الجميع روج لوجبات غذائية قليلة الدسم خلال السنوات الثلاثين الماضية، ولا يوجد لدينا سوى عدد متزايد من السكان يعانون من السمنة المفرطة ومن مشاكل صحية اكثر".
في دراسة "معهد باك"، تم تغذية الفئران بثلاث وجبات غذائية: نظام غذائي عالي الكربوهيدرات العادي، والنظام الغذائي الكربوهيدرات صفر ودهون عالية، ونظام غذائي منخفض الكربوهيدرات لكنه لم يكن كيتونيا.
ووجد الفريق البحثي أن الفئران على النظام الغذائي صفر كربوهيدرات كانوا أقل عرضة للوفاة وبقيت أعمارها تتراوح بين سنة إلى سنتين، وعلى الرغم من أن عمرها الأقصى لم يتغير، إلا أنه عندما أجريت على هذه الفئران اختبارات الذاكرة في سن الشيخوخة فقد أتموها مثلما كانوا في منتصف العمر، أما الفئران التي اتبعت النظام الغذائي العادي فقد أظهرت انخفاضا متوقعا في اختبارات الذاكرة المرتبطة بالعمر.
الدهون وقوة العضلات
الدراسة الأخرى، التي أشرف عليها البروفسور جون رامزي Jon Ramsey من جامعة كاليفورنيا ديفيس، وجدت أيضا أن الفئران على نظام غذائي عال بالكيتون حافظت على لياقتها البدنية، مثل قوة القبضة لدى الفئران في مرحلة الشيخوخة، وقال رامزي "ان حجم التغييرات فاجأني".
وتم تقسيم الفئران في دراسة الفريق العلمي الذي يرأسه رامزي إلى ثلاث مجموعات: النظام الغذائي العادي للقوارض العالي بمادة الكربوهيدرات، والنظام الغذائي منخفض الكربوهيدرات / عالي الدهون، والنظام الغذائي الكيتوني (89-90 بالمئة من مجموع السعرات الحرارية من الدهون)، وكون الدهون تساهم في زيادة الوزن، فقد حافظ الباحثون على نفس عدد السعرات الحرارية في كل من الأنظمة الغذائية الثلاثة.
وقال رامزي: "لقد قمنا بتصميم النظام الغذائي ليس للتركيز على فقدان الوزن، ولكن للبحث في عملية التمثيل الغذائي"، وأضاف "ما تأثير ذلك على الشيخوخة؟".
ووجد الفريق البحثي أنه بالإضافة إلى زيادة كبيرة في متوسط العمر الافتراضي للفئران في الدراسة، فإن زيادة نظام غذائي عال بالكيتون ساهم في تحسين الذاكرة والوظيفة الحركية (القوة والتنسيق)، ومنع زيادة العلامات الإلتهابية المرتبطة بالشيخوخة، وقد خفض هذا النظام الغذائي من حدوث الأورام.
وقد أظهرت الدراسات الحيوانية السابقة أن تقييد كمية السعرات الحرارية تساعد على تأخير الشيخوخة، وقد تبين أن كل من الصيام وممارسة الرياضة يمكن أن تؤدي إلى "الكيتوسيس"، الذي يرفع إنتاج الجسم والكبد تحديدا من حامض كيتون بيتا هيدروكسي بوتيرات beta-hydroxybutyrate acid (BHB) لتوفير الطاقة للأعضاء، ولا سيما الدماغ.
وفي العام 2012، نشر فيردين وزملاؤه بحثا في مجلة العلوم أظهرت أنه بالإضافة إلى العمل كوقود، أنتجت BHB أيضا إشارات للخلية.
حمية أتكنز
وقال فيردين: "إن أحد المسارات الرئيسية التى تتحكم فى الشيخوخة هي اشارة الانسولين"، وأضاف: "إن الأنسولين هو الهرمون الذي يستخدمه المرء لاستقلاب الكربوهيدرات، لذلك كانت الفكرة هي أن الفئران التي ليس لديها أي كربوهيدرات سيكون لديهم إشارة منخفضة للأنسولين، وبالتالي فإن الشيخوخة ستكون أبطأ، وهذا ما وجده كل من فيردين ورامزي في دراسته الخاصة الحديثة".
وأشار فيردين إلى أن "الأبحاث الكيتونية لا تزال في أيامها الأولى"، وبالفعل فإن استخدام النظم الغذائية العالية بالكيتون سريريا يتم في ظروف مهددة للحياة مثل الصرع، فقد حذر من أن معظم الناس يجب استشارتهم الطبيب قبل محاولة اتباع هذا النظام الغذائي.
ولا توجد ضمانات بأن البحوث على الفئران سوف تتنبأ بآثار الحمية الكيتونية على البشر بدقة، على سبيل المثال، فالفئران على النظام الغذائي الكيتوني سوف تعاني في نهاية المطاف من السمنة المفرطة، وفي دراسة فيردين، تم وقف النظام الغذائي الكيتوني دوريا للسيطرة على أوزان الفئران، فيما دراسة رامزي تحد من السعرات الحرارية التي تعطى للفئران.
وعادة ما تساهم الحمية الكيتونية لدى البشر بفقدان الوزن، وفي الواقع، فإن حمية قريبة للغاية من النظام الغذائي الكيتوني اعتمدت من قبل الدكتور روبرت أتكينز، وهو طبيب القلب الذي قبل وفاته في عام 2003 دعا إلى اتباع نظام غذائي عالي الدهون، ومنخفض الكربوهيدرات، وقال فيردين "ان ما نقترحه هو نسخة معدلة من حمية اتكينز".
بالمقابل قال رامزي: "في هذه الحالة، العديد من الأشياء التي ننظر إليها ليست مختلفة كثيرا عن البشر"، وأضاف "يعاني البشر بالمستوى الأساسي من تغييرات مماثلة وانخفاض في الوظيفة الكلية للأعضاء خلال الشيخوخة، وتشير هذه الدراسة إلى أن اتباع النظام الغذائي الكيتوني يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الحياة والصحة، دون فقدان الوزن أو تقييد تناول الطعام،كما أنه يفتح سبيلا جديدا للتدخلات الغذائية المحتملة التي لها تأثير على الشيخوخة".
الدهون تحسن الكولسترول وتمنع الأورام!
وقال فردين: "على الرغم من أن الفئران في دراسته أعطيت مادة كريسكو (سمنة نباتية)، فإنه ليس هناك أي تأثير سلبي على قلوبهم أو مستويات الكولسترول"، وأضاف: "في الواقع، لم نر اي تغير من هذا القبيل"، وأشار إلى أن "هذا شيئا متناقض جدا، فعلى عكس ما هو متوقع، فإن هذا النظام الغذائي يميل إلى تحسين الكولسترول والدهون الثلاثية".
وقال أن "الأشخاص الذين يتبعون النظام الغذائي الكيتوني يؤكدون تحسنا في الوظائف العقلية، بما في ذلك زيادة الوضوح وقوى التركيز"، ويتابع مختبر فيردين بحثا حول استكشاف الآثار المفيدة لنظام غذائي عال بالكيتون في نموذج الفأر الذي يعاني من مرض الزهايمر".
وأشار فيردين إلى أن "استخدام نظام غذائي كيتوني - يحظر استهلاك أي فاكهة أو خبز أو معكرونة أو أرز أو بطاطا أو غيرها من الكربوهيدرات - أمر صعب للغاية"، وأضاف: "على المدى الطويل إذا أردنا أن يكون لهذا النوع من الاكتشاف تأثير فعلي علينا أن نتطلع إلى إعطاء مواد كيتونية بصورة مباشرة"، وأكد أن "هذا هو اتجاه واحد نعمل عليه، لقد قمنا بإنتاج سلسلة كاملة من هذه المواد التي تحفز انتاج BHB ونعمل على تغذية فئران بها، لمعرفة ما اذا كنا نستطيع الوصول إلى آثار تشابه اتباع النظام الغذائي كله ".
وحتى الآن لم يستطع العلماء تقدير كمية الدهون المناسبة للنظام الغذائي الكيتوني.