"غدي نيوز"
أنور عقل ضو -
"روح بلط البحر" ثلاث كلمات تحمل معنىً مجازياً، فيه تحدٍ واستفزاز، نتداوله في لحظة غضب توكيدا على أمر ما، بمعنى سأفعل كذا، وإن لم يعجبك الأمر "روح بلِّط البحر"، ولا نعرف ما يقابله في أدبيات شعوب أخرى، وسنكتفي بالحديث عن موروثنا المعجمي اللبناني، فالأمثال والمأثورات الشعبية تمثل جزءا من ثقافة شعوب العالم، وتنبض بدلالات ساخرة أحيانا ومتحدية أحيانا أخرى، أو أنها تحمل مخزونا معرفيا هو نتاج خبرات متوارثة من جيل لجيل، فيها الحكمة المبنية على فلسفة الحياة ببساطتها، كما خبرها أجدادنا عبر مئات السنين.
غير أن مفهوم "تبليط البحر" بدلالاته الساخرة لن يكون صالحا بعد سنوات عدة، طالت أم قصرت، وإليكم الأسباب:
بعد أن وضعت الحرب اللبنانية أوزارها، وانطلاق مرحلة إعادة الإعمار، وقيام "سوليدير" في وسط العاصمة، وردم البحر واستئثار كثيرين بامتيازات استثنائية، تأكدت سلطة المنتفعين أن امتلاك مساحات من اليابسة على حساب الشاطىء يعني استثمارا مجديا، ولم يكن من قبيل الصدفة تبني مشاريع الردم كحل وفضيحة لمعالجة ملف النفايات، بدءا من "الكوستابرافا" مرورا ببرج حمود وصولا إلى الجديدة.
وثمة معلومات لـ ghadinews.net تؤكد أن هناك نوايا مبيتة لردم أجزاء من الواجهة البحرية في طرابلس والميناء، وإذا ما تتبعنا ما يخطط له متنفذون في السلطة أو مدعومون من قبلها لجهة مصادرة الشاطىء الوحيد المتبقي لبيروت في "الرملة البيضا"، ومصادرة شاطىء عدلون في الجنوب تحت ستار بناء "مرفأ للصيادين"، نتأكد أن ثمة نوايا مبيتة، لا تقتصر ولا تستهدف منطقة بعينها.
ودائما يُروج لـ "تبليط البحر" تحت ستار مشاريع سياحية ضخمة تؤمن آلاف فرص العمل، وكأن ثقافة الإسمنت ترياقٌ لمشكلاتنا الاقتصادية، فيما يسقط بعض حيتان المال من حساباتهم الاستثمار بجمال الشواطىء وتنوعها الحيوي، من خلال مشاريع سياحية تراعي البيئة والاستدامة.
منذ أيام عدة سرّب لنا أحد المتابعين لملف الشاطىء اللبناني، قائلا أن "الكوستابرافا وخلدة وبرج حمود هي جزء من مشروع متكامل لمصادرة الشاطىء اللبناني وردمه، وحدوده أبعد بكثير مما هو قائم اليوم".
حيال كل ذلك، ما معنى أن يقول أحدهم متوعدا "روح بلط البحر"؟ فالدولة ستكون "بلطته" وحرمتنا حقنا في ما نملك من شواطىء أو ما بقي منها، وفي ظل الاستقواء على الناس، والتحايل على القانون، وتمرير الصفقات، نجد وكأن الدولة تقول للبنانيين "روحوا بلطوا البحر"!