"غدي نيوز"
عندما ينطلق منتدى العلم العالمي World Science Forumعلى شاطئ البحر الميت، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سوف يكون آخر جوهرة في تاج أحد أكبر مشجعي العلم في الأردن، فقد أفلحت الأميرة سمية بنت الحسن في جذب ذلك المؤتمر البينالي (معرض يقام كل عامين) المرموق إلى الشرق الأوسط للمرة الأولى، وذلك ضمن محاولات الأردن المستمرة لتطوير نفسه، ليصبح مركزا إقليميا نشطا في مجال البحث العلمي. ويأمل الأردن في تأكيد قدرة العلم على تجاوز السياسة والحرب في الشرق الأوسط الذي يعاني من اضطرابات متزايدة.
يحتاج الأمر إلى كثير من الجهد، إلا أن ثمة مؤشرات تدل على أن هذه المساعي قد بدأت تؤتي أكلها بالنسبة إلى الأردن، الذي أسس أول صندوق وطني لتمويل البحث العلمي في عام 2005، وفي شهر شباط (فبراير)، وضع خططا لأول مسبك كيمياء تشابكية، هو الأول من نوعه في العالم، وفي شهر أيار (مايو)، افتتح بالقرب من عمان أول سينكروترون في الشرق الأوسط، وهو مركز "سيسامي " SESAME، وذلك بدعم من سبع دول، إضافة إلى السلطة الفلسطينية.
ويرى قادة الأردن العلم، والهندسة، والتكنولوجيا محركا للنمو الاقتصادي لبلدهم الذي بلغ العام الواحد والسبعين من عمره، والذي يفتقر إلى الموارد النفطية التي يتمتع بها كثير من الدول المجاورة، وقد عزز استقرار الأردن السياسي وموقعه المركزي هذا الطموح، وكذلك فعلت دبلوماسيته، فهو واحد من المواقع الفريدة، التي يستطيع فيها علماء من إسرائيل والدول العربية الالتقاء معا، تقول الأميرة سمية الحسن: "إننا جميعا نواجه في المنطقة قضايا تتعلق بالطاقة، والمياه، والبيئة، والطير المصاب بإنفلونزا الطيور لا يعرف إن كان ثمة اتفاقية سلام بين إسرائيل والأردن، أم لا، ومع ذلك يحلق عبر الحدود بينهما".
لم تكن الأميرة تنوي في البداية أن تصبح مهندسة طموح الأردن العلمي، ففي العام 1994، عندما تخرجت من مدرسة الفنون، وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، طلب إليها والدها - وهو شقيق الملك حسين - أن تترأس مجلس أمناء كلية تكنولوجيا المعلومات في عمان (جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا حاليا)، رفضت الأميرة المهمة في البداية، ثم قبلتها، شريطة أن تحصل على دبلوم علم الحاسوب من الكلية نفسها أولا.
وتقول الأميرة سمية إنه من خلال تلك التجربة "أتيحت لي الفرصة لرؤية العلم بوصفه أداة لرفعة البشر، وبدأت أرى نفسي داعمة للعلم"، وفي العام 2006، أصبحت رئيسة للجمعية العلمية الملكية، وهي هيئة للعلوم التطبيقية في عمان، تيسر أيضا التعاون البحثي في أنحاء البلاد.
لقد ركز الأردن جهوده العلمية في مجالات، يمكن أن تحسن الحياة اليومية لمواطنيه، ومنها تطوير الطاقة، يقول خالد طوقان، رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية: "كان الأردن يعتمد على نفط العراق، ثم على الغاز الطبيعي من مصر، إلا أن المشكلة الكامنة في هذين المصدرين الوحيدين هي أنهما عرضة للتغيرات السياسية، مثل غزو الولايات المتحدة للعراق، والإطاحة بالحكومة المصرية"، ويقول إن الأردن يسعى اليوم لاستغلال موارده من اليورانيوم، بحيث تشتمل على الطاقة النووية، وهو يستقصي الآن الإمكانات الكامنة في الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.
وتبحث الحكومة الأردنية أيضا في سبل التصدي لواحدة من أسوأ مشكلات تدني مستويات المياه في العالم، وهي مشكلة تفاقمت مع التدفق الأخير للاجئين السوريين، الذين يقدر عددهم بحوالي 1.3 مليون لاجئ، ويمكن لبعض المساعدة في هذا المجال أن يأتي من مشاركة أعلنتها "الجمعية العلمية الملكية" في شباط (فبراير) مع "جامعة كاليفورنيا" في بيركلي؛ من أجل بناء مسبك كيمياء تشابكية، تنطوي الكيمياء التشابكية على صنع كريستالات مسامية، وكان رائدها الكيميائي الأردني عمر ياغي، الذي يترأس معهد علوم بيركلي العالمي، وقام بتطوير مواد بإمكانها استخلاص الماء من الجو.
وما زالت الطريق طويلة أمام الأردن لتحقيق طموحه العلمي. فقد أنفق أكثر قليلا من 0.4 بالمئة من ناتجه المحلي الكلي على البحث والتطوير في عام 2011، وهي السنة الأخيرة التي تتوفر أرقام بشأنها، وتتجاوز تلك النسبة بكثير ما تنفقه الجارة الغنية، المملكة العربية السعودية (0.07 بالمئة)، لكن الأردن متأخر عن بعض الدول المجاورة، ومنها تركيا، ومع أن الأردن قد ضاعف تقريبا عدد منشوراته العلمية السنوية فيما بين عامي 2005، و 2014، من 641 إلى 1093، فإن العدد الكلي ما زال صغيرا.
ومن أجل المساعدة على بناء كفاءة بحثية، أنشأت الحكومة الأردنية "صندوق دعم البحث العلمي الأردني" في العام 2005، وقد دعم الصندوق في البداية بقانون ألزم جميع الشركات في الأردن بأن تدفع له 1% من أرباحها. وبحلول عام 2012، عندما ألغي ذلك القانون، كان الصندوق قد حصل على 85 مليون دولار أمريكي. وتقوم الجامعات الأردنية حاليا بدعمه؛ لإبقائه في حالة اكتفاء ذاتي، إذ يجب عليها أن تنفق 3 بالمئة من موازناتها السنوية على البحث العلمي، أو على شكل إسهامات في الصندوق، وبين عامي 2008، و2016، قدم الصندوق ما مجموعه 35 مليون دولار؛ لتمويل 325 مشروعا، معظمها في مجالات العلوم الطبية، والصيدلانية، والزراعية.
تعكف عبير البواب، صيدلانية ومديرة للصندوق، على التفكير مليا في كيفية تعزيز نجاحه، وتقول: "لا يتجاوز عمر أقدم جامعة في البلاد 55 سنة، في حين أن صندوق الدعم ظهر إلى الوجود قبل حوالي عشر سنوات فقط"، ونظرا إلى أن الأردن ما زال يبني ثقافة العلم لديه، ترى عبير البواب أن معايير مثل معدل المنشورات العلمية، ليست – في حد ذاتها - أفضل مؤشرات التقدم، وهي تأمل في إجراء تحديد كمي للتفاعل فيما بين البحث الأكاديمي، والسياسة العلمية، والقطاع الخاص.
وفي الوقت نفسه، تأمل الأميرة سمية بنت الحسن في أن يساعد منتدى العلم العالمي على تعزيز قدر العلم في أعين الجمهور الأردني، وتقول: "جيل من المفكرين التحليليين والمجازفين.. هو ما أتطلع إلى رؤيته".
المصدر: مجلة ناتشر Nature.