"غدي نيوز"
حذر خبراء بيئيون من أن غطاء الجليد في القطب الشمالي قد وصل إلى مستوى قياسي منخفض، الأمر الذي ستكون له تبعاته بشأن أكبر خطر بيئي في تاريخ البشرية ليشمل مناطق أخرى من العالم أبعد من القطب الشمالي نفسه.
وتقول مجلة "نيوساينتست" البريطانية، في تقرير حديث لها، إن التغير المناخي كان له أثر أكبر على هذه المنطقة دون غيرها، حيث تشهد ارتفاعاً في درجة الحرارة بمقدار ضعف سرعة المتوسط العالمي. وتشير التوقعات إلى أن المنطقة ربما تشهد ارتفاعاً في درجة الحرارة بمقدار يتراوح بين 6 درجات إلى 14 درجة مئوية بحلول العام 2100، على حسب مقدار سرعة اختفاء الجليد من البحر. ويحذر الخبراء من أن جليد القطب الشمالي سينحسر في موسم الصيف كلية حوالي عام 2050.
انكماش لأدنى مستوى
يقول لويس فورتير، من جامعة لافال في كيبيك سيتي بكندا، إن المحيط المتجمّد الشمالي احتفظ بغطائه الجليدي السميك لمدة لا تقل عن 3 ملايين سنة، وعلى الأرجح 13 مليون سنة، حيث يشهد اتساعه تقلبات بحسب المواسم والتيارات. وفي كل صيف، ينكمش هذا الغطاء إلى أدنى مستوى سنوي في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) قبل أن ينمو مجدداً، مدعوماً بانخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء وبفترة الليل الطويلة.
ولم يكن أحد يصدق أن يشهد الغطاء الجليدي للمحيط المتجمد الشمالي مثل هذه الفترات الساخنة من الصيف. إلا أن المتابعة المستمرة والآنية أثبتت أن صيف 2012 شكّل مرحلة فارقة في تاريخ المنطقة، لدرجة أنه اعتبر أشد وطأة من صيف العام 2007 وذلك عندما أدى ذوبان الجليد هناك إلى فتح الممر الشمالي الغربي للمرة الأولى في التاريخ.
وفي أواخر شهر آب (أغسطس) الماضي، أظهرت نتائج الرصد اليومية من المركز القومي لبيانات الثلج والجليد بالولايات المتحدة انكماش كمية الجليد في بحر القطب الشمالي إلى حوالي 4.1 ملايين كيلومتر مربع، أي أقل بمقدار 70 ألف كيلومتر مربع عن المساحة القياسية التي سجلت في عام 2007. وسوف يتطلب الأمر أسابيع قبل تتم استعادة المساحة المفقودة من الجليد مع قرب حلول فصل الشتاء.
ولفتت "نيوساينتست" الانتباه، في تقريرها، إلى أن تضاؤل كمية الجليد في القطب الشمالي يعني أن المزيد من الضوء سوف ينفذ إلى قاع المحيط ليحفز قيام الحياة، لكنه يعني أيضاً تكوّن مياه سطحية أكثر دفئاً وتسرب كميات أكثر من الطاقة إلى الغلاف الجوي للأرض.
ويؤدي وجود هذه الطاقة إلى المزيد من الأعاصير التي تولّد موجات عملاقة قادرة على اختراق الغطاء الجليدي ما يؤدي إلى المزيد من التدهور. والتبعات الناجمة عن ذلك غير مفيدة بالنسبة لهذه البيئة ذات الطابع شديد الخصوصية.
فضلاً عن أن الآثار السلبية على باقي الكرة الأرضية يمكن أن تكون حادة. وحتى الأرقام الصادرة عن المركز القومي لبيانات الثلج والجليد، التي اعتمدت على صور الأقمار الصناعية، يمكن أن تكون مبالغاً فيها، ذلك أن صور الأقمار الصناعية لا يمكن أن تميّز بين حزمة الجليد، وبين الجليد الفاسد الموحل.
تقلص الحجم
وأشارت المجلة إلى أن بيانات قياس سُمك طبقات الجليد هي أيضاً مثيرة للقلق. خلال الفترة من عامي 1979 إلى 2000، كان متوسط حجم الجليد في القطب الشمالي خلال شهر أيلول (سبتمبر) هو 12 ألف كيلومتر مكعب، حيث وصل المتوسط هذا العام إلى 3 آلاف كيلومتر مكعب.
ويعقب فورتيير على ذلك بالقول: "بكل صراحة، فإننا على مسافة ثلاثة أرباع الطريق إلى محيط متجمد شمالي خالٍ من الجليد، وذلك في ظل كل هذه التبعات المناخية والجيوسياسية والبيئية والاقتصادية".
هناك عوامل متعددة تؤدي إلى هذا الوضع، وتشمل درجات الحرارة الدافئة في فصل الربيع. ففي الخامس من شهر آب (أغسطس) الماضي، مرّ إعصار كبير بالدائرة القطبية الشمالية، وهي ظواهر كانت نادرة الحدوث في الماضي إلا أنها أصبحت متكررة الآن وأقوى وتستمر لفترة أطول مما كانت عليه قبل ذلك، بحسب زيانغ دونغ زانغ من جامعة ألاسكا فيربانكس.
ويتنبأ أحدث نموذج لتغير المناخ بأنه في حوالي عام 2050 سيصبح القطب الشمالي خالياً تماماً من الجليد خلال مواسم الصيف. وعندما يحدث ذلك، فإن روتين المنطقة الذي استقر عليه عبر ملايين السنين سينقلب رأساً على عقب.
تأثير دراماتيكي
العواصف التي تشهدها المنطقة القطبية الشمالية تحمل حرارة من خطوط العرض الدنيا، كما أنها تثير مياه المحيط المتجمد الشمالي شديدة التدرج لتجلب مياه القاع الدافئة إلى السطح.
ويساعد ذلك على المزيد من إذابة الجليد الطافي. والأمر الأكثر دراماتيكية هو التأثير المادي المباشر لهذه العواصف.
ومع انحسار الغطاء الجليدي الواقي لمياه القطب الشمالي، فإن قوة الرياح قريبة التشابه بالأعاصير تعمل على تقليصها، ما يشكّل موجات عاتية قادرة على تفتيت أي حزم من الجليد تواجهها.