خاص "غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
يبدو أن صفة "الداعشية" المقيتة المرتبطة بأحد أسوأ الجماعات والتنظيمات الإرهابية في عالمنا الحديث، أصبحت تطلق على كل من يظلم ويدمر ويسبي ويستولي على حقوق الغير ويستبيح أرزاقهم ويستعبدهم... بما في ذلك الكائنات الغازية أو المجتاحة في بيئات طبيعية عدة!
منذ العام 2014، يواجه بحارة وصيادو تونس، وبالتحديد في جزيرة جربة وخليج قابس مخلوقا غازيا، هو عبارة عن سرطان بحري أزرق (سلطعون) أطلقوا عليه إسم "داعش البحر"، فيما أسماه البعض "عقرب البحر"، ووجهوا نداءات استغاثة للسلطات المعنية لتخليصهم منه، وذلك بسبب الخسائر المادية الكبيرة الذي يسببها "السرطان الأزرق" في معداتهم وخصوصا الشباك، حيث يمزقها ويقتات على الأسماك، ويؤثر على موارد رزقهم بسبب أعداده الكبيرة.
كارثة وتحديات
وقد حذر العديد من الناشطين والنواب في تونس من خطر هذا الكائن الغازي للمياه التونسية، وفي تقرير نشر في الصحافة التونسية، حذر العام الماضي النائب عن "حراك تونس الإرادة" عماد الدائمي من انتشار السرطان الأزرق أو "داعش البحر" في السواحل التونسية، وأكد في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع "فايسبوك" أن "هذا النوع من السرطان يكبد الصيادين خسائر فادحة"، وجاء في النص: "(داعش البحر) أو السلطعون أو السرطان الأزرقcrabe bleu هو نوع من سرطان البحر، وفد إلى سواحلنا خلال الأشهر الماضية، قادما، إما من شرق المتوسط المرتبط بالبحر الأحمر أو من الساحل غرب الأفريقي، واستقر في مرحلة أولى قبل سنة في السواحل القريبة من المحرس قبل أن يستقر ويتكاثر في خليج قابس، ويصل خلال هذا الصيف الى سواحل جربة، والتقيت يوم الاثنين ثلة من بحارة مليتة الذين حدثوني عن هذه الكارثة التي حلت بهم، وحلت قبلهم بصيادي قابس والزارات وغيرهم، حيث تمتلئ شباكهم يوميا بكميات متزايدة من هذا الكائن الذي يقضي على الأسماك في الشباك ويفسدها دون أن تكون هناك أي إمكانية لتسويقه".
وأضاف الدائمي أن "كميات هائلة من هذا السرطان ترمى كل يوم في الموانئ الصغيرة لعدم توفر من يشتريها ليجمعها ويسوقها"، وقال: "زرت السيد كاتب الدولة المكلف بالموارد المائية والصيد البحري عبد الله الرابحي، للحديث معه حول هذه المشكلة الكبيرة لبحارة جربة وخليج قابس، وأكدت له على ضرورة دعم البحارة ببرنامج سريع جدا لتعويضهم خسائرهم، ومساعدتهم بالتجهيزات القادرة على صيد هذا الصنف دون خسارة الشباك، وخصوصا توفير أسواق داخلية وخارجية لتسويق هذا المخلوق البحري اللذيذ طعما والمفيد صحيا، فأعلمني ان الوزارة بصدد متابعة الموضوع، وأن وحدات بحث تقوم بالدراسات حول إمكانيات انتشار الظاهرة في المناطق المجاورة وطرق التقليص من ذلك الانتشار في المناطق المتضررة، كما أعلمني أن الوزارة تبحث عن إمكانيات تسويقه في الأسواق الخارجية، وحدثني على محاولات جارية الآن في اسبانيا وروسيا".
يموّن: يتكاثر بكثافة
وقال رئيس "جمعية ذاكرة الأرض – تونس"، وعضو جمعية "فايقين لبيتنا" التونسية المهندس مسعود يموّن خلال تواجده في بيروت لـ ghadinews.net: "السرطانات الزرقاء كآثار جديدة غازية في البحر، تتضاعف بسرعة وتتكاثر بكثافة مثل غزو الجندب (الجراد)، تهاجم الأسماك التي تم صيدها، كما تدمر شبكات الصيادين في المياه الضحلة وفي المياه العميقة أيضا، وقد سماه صيادو الأسماك في تونس بـ (داعش) نظرا لضرره الكبير وعدم فائدته، فليس لهذا الكائن قيمة، ولا يستهلك من قبل سكان جزرنا كونهم لا يأكلونه، ولا يستسيغه المواطنون لذا غالبا ما يتم تصديره إلى شمال إيطاليا، فرنسا وإسبانيا".
وأضاف: "في الوقت الراهن ليس لدي معلومات حول إجراء أي دراسة على هذا النوع من الغزو أو مصدره"، وبالنسبة لأسعاره، فقد أشار يمون إلى "أنها كانت منخفضة وبيع بسعر 4 دنانير، وإن كانت أسعاره أصبحت أفضل خصوصا في جزيرة قرقنة وغريس".
"يوم لتذوق السلطعون"
وفي مجال آخر، حاول البعض تحويل هذا السلطعون إلى منتج غذائي، وانطلقت في 27 تموز (يوليو) تظاهرة تحت عنوان "يوم لتذوق السلطعون" بمنطقة "بطحاء الحاجي" بجزيرة "جربة"، بهدف المساهمة في الحد من أعداده.
وضمن التظاهرة قدم صيادون صورا عن معاناتهم اليومية مع هذا "الضيف الثقيل"، وبالمقابل احتضنت مدينة حومة مهرجانا للطبخ، ضم مئة طبق من لحوم 200 كيلوغراما من سرطان البحر الأزرق.
... وتصديره
وفي هذا السياق، ووفقا لممثل عن قسم الصيد البحري مطيع غرسي بمدينة صفاقس، فقد بلغت صادرات تونس إلى أوروبا وآسيا من سرطان البحر الأزرق، حتى تشرين الأول (اكتوبر) 2017، حوالي 350 طنا.
وأشار غرسي، على هامش ندوة "واقع وآفاق استغلال وترويج وتثمين منتج سلطعون البحر" إلى أن "الصادرات التونسية من سلطعون البحر قد بلغت السنة السابقة 42 طنا، فقط"، وأضاف:" إن تسجيل هذا الارتفاع الواضح في تصدير السلطعون البحري، الذي ظهر بالسواحل التونسية منذ سنة 2014 وتسبب في عدة خسائر للبحارة والمستثمرين في مجال المنتجات البحرية، جاء نتيجة ثمرة انتهاج خطة واضحة مكنت من التعريف بأهمية هذا المنتج، والاقبال عليه في السوق الخارجية، وبالخصوص السوق الآسيوية والاستغناء عن الوكيل الأوروبي الذي كان يساعد في عملية التصدير إلى عدد من بلدان آسيا".
وتم تقديم مقترحات من مسؤولين عديدين لمزيد من الطرق لاستغلال هذا المنتج، لمنافسة الشركات العالمية الى جانب إعداد دليل إجراءات حول الصحة والطرق المثلى لتحويل السلطعون من آفة إلى منتج غذائي صناعي، ما يضمن قدرة تشغيلية عالية ودائمة ويوفر عملة صعبة لدعم الاقتصاد الوطني ليتحول إلى ثروة وطنية بعد أن كان مشكلة.
البروفسور باريش: كائن غازٍ
وقال الباحث في العلوم البحرية، والأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت- قسم البيولوجيا لـ ghadinews.net: "اسم هذا الكائن الحي تغير مؤخرا من الإسم الأصلي Portunus pelagicus إلى Portunus segnis، ويوجد نوعان من السرطان الأزرق بكميات في البحر الأبيض المتوسط، وبينما منشأ النوع الأولCallinectus sapidus المحيط الأطلسي ومضيق جبل طارق، فإن Portunus segnis ويسمى سرطان سابح أزرق Blue Swimming crab موطنه الأصلي غرب المحيط الهندي من باكستان إلى الخليج العربي، وشاطئ شرق أفريقيا، مدغشقر، جزر موريشوس Mauritius، والبحر الأحمر وفقا للمرجع (Lai et al.2010)".
وأضاف: "هو أحد أول الكائنات التي دخلت من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، وقد تم تسجيل وجوده للمرة الأولى في قناة السويس في الأعوام بين 1889 و1893 وفي مرفأ بور سعيد في العام 1898، وخلال 4 أعوام أصبح تواجده شائعا، أما في المشرق العربي فسجل وجوده في فلسطين في العام 1924، سوريا ولبنان 1929، تركيا 1928، وامتد انتشاره غربا وصولا إلى إيطاليا 2006 وخليج قابس Gulf of Gabès في تونس في العام 2014".
وقال باريش: "يتميز هذا النوع من السرطان بأنه مفترس ليلي نشط، ويبقي جسمه مدفونا تحت الرمل خلال النهار، إلا أن عيونه وهوائياته وخياشيمه تبقى خارج الرمل، ويتحمل نطاقا واسعا من درجات الحرارة ما بين 13.5 و30 درجة مئوية، ويفترس مجموعة متنوعة من الكائنات الحية Omnivorous، وبينما تفضل الصغار القشريات Crustaceans والرخويات (محار وقواقع) Molluscs، فإن السرطان البالغ يتحول في غذائه إلى أنواع وكميات عدة من الأسماك".
ولفت باريش إلى أن "أعداده قد أصبحت كثيرة، وأصبح يشكل خطرا ككائن غازٍ في تونس وفي بعض مناطق البحر الأبيض المتوسط، ويعاني منه البحارة والصيادون في تونس لجهة أضراره على الثروة السمكية، وقد شاركنا بتدوينة حول هذا الموضوع خصوصا في مجموعة علمية تجمع المختصين في علم البحار والمهتمين ومختصة بالبحر المتوسط على موقع (فيسبوك) اسمها Mediterranean Marine Life، وP. segnis هو أكثر نوع موجود في لبنان بالإضافة إلى النوع الآخرC. sapidus".
وأشار باريش إلى أن "هناك فرقا في التوصيف بين غازٍ invasive، ودخول introduced، فبينما يعتبر P. segnis غازٍ من البحر الأحمر والمحيط الهندي عبر ما يسمى الهجرة الليسبسيةLessepsian Migration ضمن عدد كبير من هذه الكائنات الغازية، ويعتبر أحد أسوأ 100 غازٍ للبحر الأبيض المتوسط، ويترتب على وجود أعداد هائلة منه أثرا على الثروة السمكية والتنوع البيولوجي، خصوصا وأنه يتكاثر بكميات كبيرة، فإنه بالمقابل لا يبدو حتى الآن أن هناك تأثيرا معروفا لوجود وإدخال C. sapidus مثل P. segnis على الرغم من وجود كميات منه، إلا أنه قد لا يعتبر غازيا مثل P. segnis".
وتابع باريش: "هذا النوع من الكائنات الحية يتكاثر طوال السنة بأعداد هائلة باستثناء فصل الشتاء، وثمة دراسة توصلت إلى أن معدل إنتاج 12 من إناث هذا الكائن من البيوض يبلغ 777.642 بيضة".
مما سبق، يتبين لنا أن التعامل مع الكائنات الغازية، يتطلب دراستها بعمق، للإحاطة بجوانب طبيعتها الفيزيولوجية وتأثيرها على التنوع البيولوجي، فضلا عن ضرورة تضافر الجهود في دول البحر الأبيض المتوسط، وبين المجتمع المدني والجهات الرسمية، للتعامل مع هذا "الغزو" وتحويله من نقمة إلى نعمة، كما بدأنا نشهد في تونس.
المصادر: وايكيبيديا، مواقع تونسية، الجزيرة. نت، مجلات علمية متخصصة، الدليل الحقلي لتعيين هوية الموارد البحرية الحية لشرقي البحر الأبيض المتوسط وجنوبه من تأليف البروفسور ميشال باريش.