"غدي نيوز"
أعلن الباحثون في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية "سيرن" انهم رصدوا جسيما يمكنه إعادة تشكيل نفسه ليكتسب صفات جسيمين آخرين، وذلك في مصادم الهدرونات الكبير، وهو إنجاز قد يكون حاسما في التعرف على "ملكوت" الفيزياء الفلكية التي كانت تمثل ذات يوما مجالا للخيال العلمي.
وكانت نظرية فيزيائية يطلق عليها اسم النموذج المعياري قد تنبأت بعملية التحول هذه. وتصف نظرية النموذج المعياري كيفية سلوك أجرام الكون في أبسط صورها، إلا أن العلماء لم يتمكنوا حتى الآن من البرهنة عمليا على فرضيات هذه النظرية.
وقال خبراء سيرن إن هذا الاكتشاف أعلن يوم الاثنين (12-11-2012) في مؤتمر باليابان ومن شأنه ان يشحذ جهود العلماء سعيا لايجاد أدلة تعضد نظرية أخرى اسمها التناظر الفائق تفسر بعض الالغاز الكونية ومباديء علوم "الفيزياء الحديثة".
وكان مصادم الهدرونات الكبير في جنيف الذي تم تدشين العمل البحثي به في مستهل عام 2010 قد أكد ان برهنة نظرية النموذج المعياري تمثل الهدف المبدئي لجهوده، إلا أن هدفه على المدى الأبعد يظل هو الانطلاق من هذه المرحلة الى مجالات أرحب تتضمنها نظريات الفيزياء الفلكية.
وقال الفيزيائي الأميركي مات ستراسلر الذي يراقب العمل في سيرن في مدونة الكترونية "تستلزم تفاصيل وآثار هذه النتيجة الاخيرة بعض الوقت لسبر اغوارها إلا ان من اليسير الاقرار بان نظرية النموذج المعياري اجتازت اختبارا جديدا."
وكانت نظرية النموذج المعياري التي وضعت خلال النصف الثاني من القرن العشرين قد تنبأت بتحول الجسيمات على النحو الذي حدث في مصادم الهدرونات الكبير في سيرن. وحدث هذا التحول بعد حدوث تصادم نتج عنه تحلل جسيم ميزون الى جسيمين هما ميوون وقرين (ضديد) الميوون.
وكان العلماء يحاولون منذ أكثر من عقد من الزمن رصد هذا التحلل والذي يحدث في مجال فيزياء الجسيمات ذي التعقيدات الرياضية لميزون واحد من بين كل 300 مليون ميزون.
وقال عالم الفيزياء الالماني أوليفر بوخمولر احد كبار المسؤولين في المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات لــ "رويترز" امس (14-11-2012) "انه عنصر جديد في اللغز... إنه يعضد نظرية التناظر الفائق لانها النظرية الوحيدة التي يمكن ان تتضمن النموذج المعياري في اطار مفهوم اوسع للفيزياء الحديثة."
وتتنبأ نظرية التناظر الفائق بانه مقابل كل جسيم معروف يوجد جسيم آخر غير مرئي أكبر منه يسمى الشريك الفائق وهو في صورة مادة خفية.
وفي تموز (يوليو) الماضي أعلن علماء سيرن انهم توصلوا الى أدلة تبرهن على وجود جسيمات بوزون هيغز الاولية التي تمثل الحلقة المفقودة في فرضيات نشأة الكون وكيفية تطوره في أعقاب الانفجار العظيم.
ويقع مصادم الهدرونات الكبير في المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات المترامي الاطراف والواقع في منطقة الحدود السويسرية - الفرنسية المشتركة قرب جنيف، وعلى عمق مئة متر تحت الارض.
ومصادم الهدرونات الكبير هو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والاجهزة الالكترونية المعقدة والحاسبات، وتكلف انشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الافتراضي الى 20 عاما.
وتتضمن أضخم تجربة علمية في العالم احداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في اتجاهين متقابلين وفي مسار بيضاوي داخل نفق طول محيطه 27 كيلومترا في مصادم الهدرونات الكبير، وبكم طاقة هائل وسرعات تقترب من سرعة الضوء لمحاكاة الظروف التي اعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون قبل 13.7 مليار عام.