خاص "غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
لدى عالمة "بيولوجيا النباتات" Plant Biology جوان شوري Joanne Chory ثلاثة ملايين دولار أكثر مما كان لديها الأسبوع الماضي، فقد منحت شوري يوم الاحد الماضي 3 كانون الأول (ديسمبر) إحدى أهم الجوائز للعام 2018 في العلوم، وهي "جائزة الإكتشافات" the Breakthrough Prizes، وقد تكون جائزة نوبل أكثر أهمية من هذه الجائزة، إلا أن قيمتها المادية أقل بكثير وتقدر بمليوني دولار فقط، وتمنح هذه الجائزة سنويا للرواد من العلماء في مجالاتهم، مثل علوم الحياة والفيزياء الأساسية والرياضيات، من قبل المتمولين في وادي السيليكون في كاليفورنيا، من ضمنهم المؤسس المشارك لموقع غوغل سيرغي برين Sergey Brin ومؤسس موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" مارك زوكربيرغ Mark Zuckerberg.
الجائزة
وتعتبر هذه الجائزة مماثلة لـ"جوائز الأوسكار"، إنما تخصص للعلوم Oscars of science، وتم إقرارها في العام 2012، وفازت شوري بالجائزة تقديرا للأبحاث التي قامت بها على مدار الثلاثين عاما الماضية لإيجاد طرق جديدة لزراعة نباتات مقاومة.
وقالت شوري:"سيفاجأ فريقي بفوزي بالجائزة"، فقد أبلغ العلماء الفائزون بالجوائز وعددهم 12، مع العلم أن شوري هي المرأة الوحيدة التي فازت بالجائزة هذه المرة، بعدم إعلام أحد عن فوزها، وصرحت شوري لحشد فى بالو ألتو Palo Alto في ولاية كاليفورنيا يوم الاثنين بعد يوم من فوزها بالجائزة : "إن عالمنا يقف عند مفترق طرق، وعلينا أن نفعل شيئا وقريبا، لمساعدة الكوكب في عدم وصوله إلى درجة حرارة أعلى".
نباتات مقاومة للتغير المناخي
وتعمل شوري الآن في اتجاه لإنتاج نباتات خضراء، يمكن أن تغذي الكوكب، وأن تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الهواء للحد من تغير المناخ، وتأمل شوري في يوم من الأيام في أن تزرع هذه النباتات المقاومة للجفاف والفيضانات كغذاء، بينما يمكنها عزل الكربون أيضا أكثر بعشرين مرة من النباتات المعمرة في الوقت الحاضر، وقالت شوري: "قد يشبه طعمها الحمص".
وتقدر شوري ان الأمر سيستغرق نحو عشر سنوات ويتطلب حوالي 50 مليون دولار لجعل النبات الغني بالبروتين حقيقة واقعة، ولكن بالمقابل فالأمر لا ينتظر، فمعظم التقديرات تشير إلى أنه مع نهاية هذا القرن، تتجه الأرض لتكون على الأقل 3.6 درجة فهرنهايت أدفأ من مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وتستند فكرة فريق البحث الخاص بـ "شوري" على طريقة لتخزين الكربون يرتكز على مركب كيميائي "بوليمر" Polymer يسمى "سوبيرين" Suberin.
وقالت شوري "بالأساس السوبيرين هو فلين"، وأضافت: " السوبيرين يستطيع تخزين الكربون والاحتفاظ به لمئات وربما آلاف السنين فى التربة دون تحلل، ومن ثم، يمكن للنبات المعمر المحتوي على هذه المادة تنقية الهواء وإضافة المزيد من الأوكسجين إلى الغلاف الجوي".
وأضافت: "إن الجذور يمكن أن تكون مقاومة للفيضانات والجفاف أيضا"، وأشارت إلى أن "هناك الكثير من الأعشاب الساحلية تكون الكثير من الـ (سوبيرين)، وأعتقد أنها بذلك تحمي النبات من المياه".
أبحاث عدة
وقد اكتشفت شوري بالفعل طرقا جديدة لزراعة نباتات تحتوي طفرة تسمح لها بالنمو دون ضوء، كما أنها تمكنت من جعل بعض النباتات تنمو أطول في الظل من خلال تعريض البذور إلى مواد كيميائية خاصة تغير الحمض النووي، واكتشفت فئة جديدة من هرمونات النبات تسمى "براسينوستيرويدس" Brassinosteroids، وقد ساعد عملها أيضا على ابتكار سلالات أكثر مقاومة للإصابة بالأمراض ولنمو المحاصيل في ظروف قاسية.
وتقدر شوري أنه من أجل أن يساهم اختراعها بتحويل النمط الحالي في تغير المناخ أنها تحتاج إلى أن تزرع 5 بالمئة من مساحة الأراضي الزراعية في العالم بهذا النوع من النبات، وهي مساحة تعادل مساحة جمهورية مصر، وتقدر شوري تمكن هذه المحاصيل من التقاط 50 بالمئة من المستويات الحالية من انبعاثات "ثاني أوكسيد الكربون" CO2 العالمية الناتجة عن البشر.
وفيما تأمل أن تنفذ هذه الفكرة تعتقد شوري أنها استراتيجية أفضل من محاولة دفع الناس للحد من انبعاثات الكربون بطرق أخرى. وقالت: "أعيش في جنوب كاليفورنيا حيث لا أحد يقلل من انبعاثات الكربون بنسبة 50 بالمئة، بمن فيهم أنا شخصيا".
وتعترف شوري أن يدها ليست خضراء، وأنها تعرف داخل النبات أكثر من خارجه، ولكنها تأمل بتقليل بصمتها الكربونية دون تغيير أسلوب حياتها.
أضرار بيئية
هناك حاجة ملحة إلى العلوم النباتية اليوم أكثر من أي وقت مضى للمساعدة في تلبية حاجة السكان الذين تنمو أعدادهم بسرعة، فضلا عن الضرر الناتج عن تغير المناخ.
فقد بلغ عدد سكان العالم مؤخرا 7 مليارات نسمة ومن المتوقع أن يصل إلى 12 مليار نسمة بحلول نهاية القرن، ويعني هذا الأمر زيادة الطلب على الغذاء والأعلاف والألياف والوقود، ما يضع ضغوطا هائلة على النظم الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم.
وقد أدى هذا الطلب المتزايد، مقترنا بالجفاف الشديد وتقلبات درجات الحرارة، إلى حدوث أضرار بيئية واسعة النطاق ومشقة اقتصادية وسوء تغذية، ويقدر أن واحدا من كل سبعة أشخاص ليس لديهم ما يكفي من الطعام، كما أن المضاعفات الناجمة عن سوء التغذية هي أكبر قاتل للأطفال دون سن الخامسة.
شوري و25 عاما من الأبحاث
قضت جوان شوري أكثر من 25 عاما تستخدم نبتة تشبه الخردل تسمى بالعربية "رشاد أذن الفأر"، واسمها العلمي Arabidopsis thaliana كنموذج لنمو النبات ولإجراء التجارب عليه، وقد كانت رائدة في استخدام علم الوراثة الجزيئي لدراسة كيفية استجابة النباتات لبيئتها، ومن اكتشافاتها الرئيسية في هذا المجال كيفية "شعور" النباتات بالضوء وتصنيع هرمونات النمو. وينطوي أساس نهج شوري على تحوير جينات هذه النبتة ومن ثم مراقبة الآثار عليها لجهة النمو، فضلا عن إنتاج براعم جديدة في اتجاه الشمس، وهل تحتاج إلى كميات أقل من المياه؟ وبهذه الطريقة، تمكن فريقها من وصف وظيفة المسارات المتعددة التي تتحكم في نمو النبات.
واستخدمت شوري وفريقها برنامجا خاصا باستخدام علم الوراثة genetics، علم الجينوم Genomics وبيولوجيا الخلية cell biology، ودراسة البلورات بالأشعة السينية x-ray crystallography والكيمياء الحيوية biochemistry والنهج والمقاربات الإيكولوجية والبيئية، ما سمح للفريق من تحديد واحدة من أكثر شبكات الإشارة تعقيدا في النباتات والتي تتحكم في النمو والتنمية استجابة للتغير البيئي.
وقدر لنتائج أبحاث الفريق أن يفيد في تفسير العديد من الظواهر، منها نمو بعض النباتات في الظل أفضل وغيرها، وقد اكتشف الفريق أيضا أن 90 بالمئة من أصل 30 ألف جين مكون لنبتة "رشاد أذن الفأر" لها ذروة في التعبير في وقت معين من اليوم، وعلاوة على ذلك، يتغير هذا التوقيت مع الفصول، وينبغي للمزارعين، الذين يعملون مع العلماء، أن يكونوا قادرين على استخدام هذه المعلومات للتنبؤ بعواقب تغير المناخ العالمي على الغلة الزراعية.