"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
تعاني المدن في الصين من التلوث إلى مستوى كارثي، ما تطلب القيام بخطوات سريعة للحد من تداعيات هذا الأمر، إلا أن مدينة في الصين، أخذت المبادرة نحو التطبيق السريع، فابتداء من أيار (مايو) 2017، أصبح عدد الحافلات الكهربائية في مدينة "شنتجن"Shenzhen والتي يبلغ عدد سكانها 11،9 مليون نسمة 14.5 ألف حافلة، لتقرر تحويل بقية الباصات في المدينة إلى كهربائية مع نهاية العام، وهذا لا يجعل "شنتجن" سباقة وقبل العاصمة بكين Beijing وغيرها من المدن الصينية فحسب، ولكن أيضا قبل باريس وأوسلو ولندن، ما يكسبها تميزا ليس فقط بسبب كونها الأولى في العالم التي لديها أسطول حافلات للنقل العام يعمل بكامله على الكهرباء، بل إن عدد هذه الحافلات أكبر بخمسة أضعاف من عدد الباصات جميعا (الكهربائية وغيرها) في خمس من كبريات المدن في أميركا الشمالية مجتمعة.
حياة الإنسان أكثر أهمية
ولا شك أن تحويل أسطول حافلات النقل العام بأكمله إلى الكهرباء، يمكن أن يحد بشكل كبير من الملوثات ومضاعفات الجهاز التنفسي، فقد توصل المعنيون في المدينة إلى استنتاج مفاده أن حياة الإنسان أكثر أهمية من أرباح شركات النفط الأجنبية.
ولكن هناك أمر علينا ملاحظته فـ "شنتجن" عملت نحو هذا الهدف لفترة من الوقت، فلديها بالإضافة إلى الحافلات الكهربائية، بضع مئات من الحافلات تعمل بالديزل، والتي سيتم إيقاف تشغيلها خلال الشهرين الأخيرين من السنة، وتوفر شركة "بي واي دي" BYD للسيارات 80 بالمئة من هذه الحافلات، كما أنها تصنع السيارات الكهربائية Electric vehicle وتعرف بـ (EV)، وهي الرائدة في سوق السيارات الكهربائية الصينية في العالم، كما أدخلت الحافلة الكهربائية في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك في منطقة لونغ بيتش، كاليفورنيا، وتصدر حاليا منتجاتها إلى 200 مدينة في 50 دولة حول العالم
وبدأت BYD المشروع التجريبي الأول للحافلة الكهربائية في العام 2011، وبدأ التحول وخلال ست سنوات، تمكنت من النجاح، وبنت أكبر أسطول حافلات في العالم، وأسطول الحافلات في "شنتجن" هو جزء صغير من حافلات الصين التي يبلغ عددها 116 ألف حافلة، فما الذي يمنع أي بلد آخر من التحول؟
تحول عالمي
وليست الصين الدولة الوحيدة التي تتخلى عن الديزل والغاز الطبيعي، فقد تعهدت فرنسا وبريطانيا بالتوقف عن بيع السيارات العاملة على البنزين في العام 2040، بالمقابل وضعت النروج تحقيق هذا الهدف في العام 2025، وتعتبر هذه البلدان من الرواد في استعادة بيئة حضرية أنظف، ولكن هل سمعت عن أي مدن رئيسية أخرى تحول 100 بالمئة من حافلاتها إلى كهربائية في السنوات القليلة المقبلة؟
وبالنسبة للتلوث فالأرقام في الصين تتحدث عن نفسها، فهناك ضرورة للحد من حالة التلوث، وتعد الصين أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة، وذكرت منظمة الصحة العالمية ان السيارات التى بيعت فى الصين انتجت 44.7 مليون طن من الملوثات فى العام 2016، وأكدت وزارة حماية البيئة أن التحول إلى المركبات الكهربائية هو الحل العملي الوحيد.
إبنِ أحلامك
وBYD هي اختصار لجملة build your dreams أي "إبنِ أحلامك"، ومركز هذه الشركة في مدينة "شنتجن"، وكانت تصنع البطاريات الكهربائية منذ العام 1995، وبدأت بتصنيع "المركبات بالطاقة المتجددة" new energy vehicles أو (NEVs) في العام 2003، ومنها الهجين hybrids وغيرها.
وبدأت الشركة بتصنيع أول حافلة كهربائية في عام 2011 واستخدمت الكثير من المساحة لبطارياتها، ما أعاق قدرتها على استيعاب الركاب، ولكن العمل على تكثيف طاقة البطارية والتكنولوجيا الشاملة قد نضجت بما فيه الكفاية للسماح للحافلات الكهربائية لتحمل حمولة تساوي ما تحمله حافلة الديزل التقليدية، في حين أن أسعارها معقولة أكثر للعمل على مدى حياتها، وهي أسعار منافسة واقتصادية على المدى الطويل، كما ساهم انخفاض سعر البطاريات 80 بالمئة عما كان سعرها في 2010 في هذا النمو الإقتصادي للمركبات الكهربائية بشكل عام، والحافلات بصورة خاصة.
وما ساهم في إنجاح هذه الخطوة، قيام المعنيين بإقرار خطط لتطوير مركبات الـ NEVS "المصنوعة في الصين" Made In China 2025 بحلول العام 2025، وقد دعمت الحكومة 10 مجالات رئيسية في البلاد ومنها قطاع المركبات العاملة على الطاقة المتجددة.
دروس علينا تعلمها
هناك شيء واحد مؤكد عن الصين، فهي تنفذ المشاريع والبرامج التجريبية بسرعة وبكفاءة، وهي أمور يمكن أن يحلم الغرب والدول الأخرى ومنها لبنان بها فقط، وخصوصا في مثل هذا الوقت القصير، وفي الوقت الذي نخسره في السياسة والمناقشات التي لا نهاية لها، والتي لا توصلنا إلى أي مكان، أثبتت الصين مرة أخرى أنها تستطيع إنجاز الأمور بسرعة، وتركت الجميع إلى الاقتتال الداخلي غير المنتج على حساب البيئة.
وإن عملية تحول مجموعة من الحافلات لمدينة على يد شركة BYD إلى الطاقة الكهربائية هو أمر نود أن نراه يحدث في كل مكان عاجلا وليس آجلا، ولكن من الأفضل أن يكون عاجلا.
المصادر:
CleanTechnica، Bloomberg،South China Morning Post ووكالات.