"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
المجتمعات الراقية والدول المتحضرة هي تلك التي تراعي حقوق الإنسان والحيوان، وتحترم نظم الطبيعة وقوانينها، وتتبى ممارسات واعية حيال البيئة والمحافظة عليها، وهذا نتاج تراكم ثقافات ترسخت في ظل أنظمة ديموقراطية، ومن هنا، فإن إنقاذ حيوان أليف على سبيل المثال، ليس مجرد عمل إنساني منفصل عن مجموع هذه القيم.
ما يثلج صدورنا في لبنان، أنه رغم الممارسات المشينة بحق الكائنات الحية، برية وأليفة، نجد أن ثمة جنودا مجهولين لا ينقذون هذه الكائنات فحسب، وإنما يرسخون في مجتمعنا قيم الخير والعدالة والجمال، ونحن في ghadinews.net لا ننشر موضوعات وصورا لممارسات فظيعة بحق الكلاب الضالة، تسميما وقتلا وتعنيفا، بحثا عن سبق صحفي، وإنما لنوصل رسالة إلى أولي الأمر ليكونوا حازمين في تطبيق القوانين ومعاقبة الجناة، ونتابع في جانب آخر، وبشغف مبادرات رائعة تؤكد حضورنا الإنساني بأروع تجلياته.
جنود مجهولون
ويهمنا في هذا المجال، التنويه بجهود مواطنين، هم رسل محبة، وليسوا فقط مجرد ناشطين في مجال الرفق بالحيوان، وهم قدموا منذ يوم الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2018، نموذجا استثنائيا في هذا المجال، عندما تناوبوا لأيام ثلاثة متواصلة ليلا نهارا على متابعة حالة كلبة مع جرائها الثمانية، في محيط "المعهد الفني الصناعي" في منطقة بئر حسن - بيروت، وفي محاولة للإمساك بها وإنقاذها، وظلت تتهرب من منقذيها طوال الأيام الماضية، خوفا منهم من جهة، وعلى جرائها باستدراجهم بعيدا عنهم من جهة ثانية، وقد يكون السبب غريزة الأمومة بالحفاظ على الجراء أو نتيجة لما قد تعرضت له من أذى، وقدم الناشطون طعاما خاصا بالجراء من حليب، لأن الأم، على الرغم من غريزتها الأمومية، تفادت الإقتراب منهم، وتمكنوا مساء أمس بعد سهر وتعب وجهد من الإمساك بها، وكان قد تناوب شباب وشابات على مراقبتها، وبالتعاون مع جمعية Beta للرفق بالحيوانات تم نقلها صباح يوم 15 كانون الثاني (يناير) إلى ملجأ للحيوانات تديره الناشطة في مجال الرفق بالحيوانات الدكتورة دانا أبو الحسن في بلدة أرصون في المتن الأعلى.
"لم شمل العائلة"
ويضم المعهد في بئر حسن 1500 طالبا من كافة الإختصاصات، وحاول الناشطون خلال نهاية الأسبوع وقبل عودة الطلاب الإمساك بها، ولكن يبدو أن الكلبة تعرضت للتعنيف مرارا، لذا كانت تهرب كلما أحست بوجود أي شخص قريب، وتتحاشى الإقتراب من صغارها، وقد نفق أحدها، وكان عددهم تسعة، كونه الأضعف، على الرغم من محاولة الناشطين إنقاذه إلا أن كافة جهودهم باءت بالفشل، وهو أمر طبيعي مع هذا العدد من الجراء، لذا كان تركيزهم على "لم شمل العائلة"، وإرسالها إلى مكان تلقى به العناية الكافية، وتم الإتصال مع الجمعيات العاملة في هذا المجال، ولوجود عدد كبير من الكلاب لديها، لم تستطع توفير مكان لها، لذا تم الإتصال مع الناشطة في مجال الرفق بالحيوان الدكتورة دانا أبو الحسن التي وافقت على أن تضم هذه العائلة إلى مجموعة لديها مكونة من 137 كلبا تعتني بهم في ملجأ في بلدة أرصون.
وتناوب الناشطون من كافة المناطق على حراسة هذه الجراء، موفرين لها الطعام والأغطية للمحافظة على الجراء الصغيرة دافئة بغياب الأم، وحاولوا إغراء الأم بالطعام، ولكنها لم تأكل إلا القليل، وكان جل اهتمامها أن تحصل على جرائها، وبالفعل تمكنت من نقل إثنين منها، وبعد أن تمت محاصرتها، استقدمت جمعية Beta إحدى ناشطاتها كارين أوهانيان، التي تمكنت من الإمساك بالأم بطريقة محترفة، وجمعوها بجرائها وتم نقل العائلة إلى "موطنها" الجديد في الملجأ.
ربيز: نموذج رائع
وقالت الناشطة في مجال الرفق بالحيوان، والمستشارة في مجال الأزياء fashion consultant ومسؤولة في العلاقات العامة باولا ربيز لـ ghadinews.net: "أمام النموذج المتمثل بتسميم الحيوانات وإطلاق النار عليها، نجد هذا النموذج الرائع من ناشطين من كافة المناطق والمذاهب والخلفيات الثقافية والعلمية المختلفة، يبذلون كافة الجهود لإنقاذ الحيوانات، وخلال الأيام التي قضاها البعض منا لمحاولة الإمساك بهذه الكلبة وجرائها، تم إنقاذ العديد من الكلاب والقطط، وتم تبني العديد منها، وأحتفظ في بيتي بقطة كانت على وشك الولادة، تخلص منها أصحابها قرب الجامعة الأميركية في بيروت، بعد أن علموا بأنها حامل، وقد أنجبت لدي، وهي بحالة جيدة مع جرائها".
وأضافت: "في مجموعة الناشطين التي تجمعت إثر مجزرة تسميم الكلاب في الغبيري، فإننا كناشطين من كافة المناطق وهدفنا واحد، ألا وهو إنقاذ هذه الكلبة مع جرائها، إنها قصة ناجحة success story، أفرحتنا جميعا، خصوصا من تابع هذه القضية وسهر وبقي قرب هؤلاء الصغار"، ونوهت بـ "مساعدة الجمعيات مثل Animals Lebanon، وBeta في عدد من الحالات، والناشطين بالأموال والمواصلات والتعب والجهد"، مؤكدة على "التعاون مع الجميع لمصلحة هذه المخلوقات البريئة".
مرعي: إفلاس في العاطفة والرحمة
وطالبت الناشطة في مجال الرفق بالحيوان ريتا مرعي عبر ghadinews.net "بتنفيذ القانون (على الكبير والصغير)، فهذه الحالة، تظهر التناقض، فبينما نسهر الليل ونقضي النهار ونحن نحاول إنقاذ حالات، وليس لدينا لا القدرات المادية ولا وسيلة للتنقل، يتجه بعض الأشخاص لتسميم هذه الأرواح البريئة، معتقدين أنها لا تتألم، هذا إفلاس في العاطفة والرحمة، ولكن عندما يطبق القانون، ويجد الناس أن هناك ثمة عقوبة، سيرتدع الآخرون". وأضافت: "نحتاج لمساعدة كل الأشخاص بالتأكيد، والأهم أن تساهم البلديات التي شهدنا أمثلة إيجابية من بعضها، فنحن كناشطين نجد لدينا حالات كثيرة ولا يمكننا متابعتها بالتبني والعلاجات، ونستعين بالجمعيات ضمن قدراتها، ولكن يمكن للبلديات أو اتحادات البلديات المساهمة بقطعة أرض لإيواء هذه الكلاب، ومتابعتها وتوفير العلاجات لها، فضلا عن أهمية التعقيم لمنع تكاثرها، ونتمنى دعمنا من قبل الأطباء البيطريين بأسعار مخفضة، فضلا عن العمليات الجراحية وكافة التدخلات العلاجية ومنها التعقيم، ولا ننسى دور الوزارات المعنية بالمساهمة بهذه العلاجات والتوعية في المناهج المدرسية، وندرس كناشطين خطوات عدة، منها تأسيس هيئة جامعة لتنظيم وتوحيد قوانا لنتمكن من مساعدة أكبر عدد من الحيوانات وبشكل أكثر شمولية".
ناشط: طاقة إيجابية
وقال أحد المشاركين في عملية إنقاذ الكلبة وهو من تابع القضية خلال الفترة كلها، وقد عمل إلى نقلها إلى أرصون ورفض ذكر اسمه: "اجتمع هؤلاء الناشطون بعد حادثة الغبيري التي لا يمكننا وصفها إلا بالمجزرة، وتداعوا من كافة المناطق، ومن جهتي، لا يهمني أن أظهر بصورتي الشخصية، بل يهمني الإضاءة على هذه القضية الهامة، فالحيوان روح كالإنسان والأشجار وكافة المخلوقات، صحيح أن اهتمامنا بالدرجة الأولى بالإنسان، ولكن هذا لا يعني أننا لا نهتم بالحيوان والطبيعة ككل، ومعاملة الحيوان بالحسنى تنعكس طاقة إيجابية على كل ما حولنا".
وأضاف: "قد يعتبر البعض أن اهتمامنا بالحيوان تلبية لحاجة عاطفية ونفسية، ولكن من يعنف الحيوان ويقتله بصورة همجية بالتأكيد يعاني من خلل نفسي كبير، فكلنا لدينا حاجة نفسية للحنان والمحبة والرحمة ممن حولنا، من أشخاص وحيوان وطبيعة، وهذا سينعكس على كافة المجتمع".
وختم قائلا: "نحن بصدد تنظيم وتأطير جهودنا، وتحويلها إلى خطوات مدروسة عديدة، لنحاول إنقاذ أكبر عدد من الحيوانات، وبالتالي ترسيخ الطاقة الإيجابية والرحمة في المجتمع".
أبو الحسن: الملاذ الآمن
وقالت الناشطة في مجال الرفق بالحيوان الدكتورة في مجال الطب النسائي والتوليد دانا أبو الحسن ردا على سؤال حول سبب اتصال الناشطين بها، وهي تملك ملجأ للحيوانات الضالة اسمه "الملاذ الآمن" Safe Haven: "الكلبة الأم كانت تعاني من صدمة traumatized، ورعب وخوف من الناس، وكانت مختبئة تحت حاوية، فأنا أعلم كيفية التعامل مع مثل هذه الحالات، فالحنان أهبه لهذه الحيوانات وكأنها أطفالي، وشعر الناشطون بالأمان فأنا لا اتاجر بهذه الحيوانات، بل أتابعها بالعناية بإطعامها وتلقيحها وعلاجها".
أما عن هدفها في المجتمع فهو "إرسال رسالة لبلدي لبنان بأكمله، بأنه ليس من الضروري أن تكون محبا للحيوانات، ولكن من الضروري أن تكون إنسانا ولا تؤذي مخلوقا خلقه الله، فإذا رأيت حيوانا على الطريق، حاول الإتصال بالناشطين والجمعيات، ليعتنوا به، فلا تؤذه أو تطلق عليه النار، أو تدهسه بسيارتك، أو تضربه بالحجارة، بل اتركه، واتصلوا بالجهات التي يمكنها الإعتناء به، فقط كفوا شركم عنه، فالحيوان لا يؤذي إلا من آذاه، ولا يستشرس إلا نتيجة أذى الناس، فكما نتألم يتألمون، ولكن الفرق، أن الحيوان يتألم بصمت ولوحده، بل ينعزل عن الجميع، بعكس البشر فكل العالم يضج إن أصاب أي شخص ألما".
ونضم صوتنا في ghadinews.net و"جمعية غدي" للمساعدة في إنجاز هيكلية متكاملة للتعامل مع هذا الملف بصورة شاملة ورحيمة، فضلا عن دعم الناشطين والجمعيات من قبل أولي الأمر والجهات المعنية ونقابة الأطباء البيطريين، ليتمكنوا من العمل في هذا المجال بصورة يمكنهم المحافظة فيه على هذه الحيوانات وعلى إنسانيتنا في التعامل معها.
روابط الفيديو الأول والثاني:
https://www.facebook.com/ghadinews/videos/1874712299206745/
https://www.facebook.com/ghadinews/videos/1874722699205705/