"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
ما يزال ملف الكلاب الشاردة يؤرق المواطنين، سواء الناشطين في مجال الرفق بالحيوان وحمايتها، أو أولئك الذين تساورهم مخاوف وهواجس حيال الكلاب الأليفة والشاردة، فضلا عن حوادث قتل وتسميم للكلاب.
في المقابل، بدأت مبادرات عدة في بعض البلديات والمناطق لإيجاد حلول لهذه المشكلة، وإن افتقرت في كثير من الأحيان إلى الشمولية، ذلك أن خصوصية كل منطقة تتطلب معالجة وفقا لحجم هذه الظاهرة وتداعياتها، بالمقابل فإن هناك حلولا كثيرة متبعة عالميا لهذه المشكلة، ومن الممكن تطبيقها محليا.
من هنا، آثرنا في موقعناghadinews.net ، التواصل مع الخبراء والمعنيين بهذا الملف، بهدف معرفة السبل الأفضل والأكثر رحمة للحد من ظاهرة الكلاب الشاردة، خصوصا وأن مواجهة الأمر في بعض الأحيان اعتمدت أساليب وحشية غير إنسانية.
بزال: قانون الرفق بالحيوان
وفي هذا المجال، وفي سياق متابعتنا لهذا الملف من مختلف جوانبه، التقينا رئيس مصلحة الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة الدكتور باسل بزال، وقال لـ ghadinews.net: "تنظم الوزارة لقاءات في مناطق عدة، وتتركز حول التوعية بالطرق المثلى للتعامل مع ظاهرة الكلاب الشاردة، فضلا عن التثقيف حول قانون الرفق بالحيوان الذي شاركت وزارة الزراعة بإعداده، وكان هناك لقاء في حارة حريك والعديد من البلدات في لبنان، وأي بلدية تطلب منا تقديم محاضرات، فإننا متطوعون لشرح هذا القانون وسبل تطبيقه وشرح بنوده وهذا دورنا وواجبنا"، وأضاف: "لا تناقض بين الإنسانية في التعامل مع الحيوان والرحمة والرفق به، والاهتمام بالانسان".
وأشار إلى أنه "على الرغم من أولوياتنا مثل علاج الأمراض الحيوانية والتوعية على الأمراض الإنتقالية ومؤخرا حول داء السعار (الكلَب)، ما يزال الإقبال على هذه الندوات خجولا جدا، مثلا في بلدة تنورين لم يصل العدد إلى خمسة أشخاص، على الرغم من تسجيل حالة كلب هناك، وخصوصا المناطق النائية، فلا يكون التجاوب من المواطنين كما هو مأمول ومخطط!".
المحافظة الحيوانات الموجودة
ولفت بزال إلى أنه "من المعروف أن الحيوانات الشاردة في نطاق معين، تكوّن مجموعة مترابطة، فلا تسمح بدخول حيوانات أخرى إلى نطاقها الحيوي، فهذا هو القانون البيئي، شئنا أو أبينا، ومن كافة أنواع الحيوانات المتواجدة في هذه المنطقة البيئية، أو ما يسمى نظام بيئي Ecosystem، لذا للمحافظة على بيئتنا فعلينا المحافظة الحيوانات الموجودة".
ورأى أن "إزالة عدد من الكلاب من منطقة معينة كما حصل في منطقة الغبيري يسمح بأن تأتي حيوانات من مناطق أخرى لتحل مكانها، ما قد يؤثر سلبا لناحية الأمراض، أو شراسة بعضها وغير ذلك من المشاكل".
وأضاف بزال: "هنا يجب التعامل مع هذه الكلاب الشاردة الموجودة بتحصينها ضد داء الكلب وأمراض أخرى، وإعطائها إشارات لتمييزها عن غيرها من الحيوانات غير الملقحة، (طوق، أو شرم في الأذن أو Microship)"، وتابع: "هذا اللقاح يعطى سنويا وهناك نوع يعطى كل 3 سنوات، ومن ضمن البروتوكول المتبع عالميا، فهناك عملية تعقيم للإناث وتعرف علميا (تعقيم Sterilization أو خصي للذكور Castration)، للحد من تكاثرها، وعلى الرغم من أن خصي الذكر أسهل وأقل كلفة، ولكن علميا، فالأفضل والمتبع عادة هو تعقيم الإنثى، فعندما تطلب الأنثى التزاوج، وفي حال تعقيم الذكور فقد تنتقل من منطقتها إلى منطقة أخرى، لتتكاثر وتعود لتنجب في منطقتها، وعملية تعقيم الإناث فعالة وتحد من التكاثر، بينما الذكور تحافظ على منطقتها وتمنع دخول ذكور أخرى، وبهذا نحد من تكاثر الحيوانات الضالة".
التوازن البيئي في نطاق معين
وأشار بزال إلى أنه "يوجد بالمعدل 3 إلى 4 كلاب في كل كيلومتر مربع، فمثلا في بلدية الغبيري، لا يوجد أكثر من 200 كلب، وتكلفة اللقاح حوالي 5-10 دولارات، ولنفترض أن عدد الإناث هو النصف، يمكن توفير التكلفة بالتعامل مع بيطري من المنطقة، والعملية تكلف عادة بين 50 إلى مئة دولار، ولكن عملية التعقيم تجري لمرة واحدة فقط، وتكون التكلفة الإضافية باللقاحات التي لا تكلف مبلغا كبيرا، أي أن العملية بأكملها لا تزيد عن 10 آلاف دولار، ولكن بالمقابل فالصورة التي نقلت عن منطقة الغبيري كانت باهظة التكاليف".
وتابع: "كما من الممكن حل المشكلة بأقل التكاليف المادية والمعنوية بملجأ في كل بلدية، فمع المشكلة في التمويل في الوزارة، لا يمكننا حل مشكلة الكلاب الشاردة في كل لبنان، فعملنا التوعية وكيفية التعامل في مثل هذه الحالات".
وأكد بزال أنه "بالمقابل، فإن هذه الكلاب الشاردة لها فائدة كبيرة، بيئية وصحية، فهي تمنع دخول أي حيوان آخر إلى المنطقة، وبالتالي تحرسها من الأمراض السارية وبما أنها محصنة من الأمراض تمنع انتقالها إلى المنطقة وبالتالي إلى البشر والحيوانات الأخرى الموجودة، كما أنها تنظف البيئة من الجيف والحيوانات الأخرى التي تتغذى عليها، فهي تسمح بالتوازن البيئي في نطاق معين تعيش فيه ولا تسمح بدخول أي حيوان آخر".
توعية مقتني الكلاب
وقدم بزال مثلا عن لندن "التي أبادت القطط في نطاقها، ما أدى إلى تكاثر الفئران والجرذان بصورة غير مسبوقة، لذا عادوا وأدخلوها"، وأكد أن "كل هذا نظام بيئي لا يمكننا أن نخربه بإبادة أي نوع منه، وإلا سيتسبب بتخريب لكافة أركان النظام البيئي".
وأشار إلى أن "هناك قرارات لتسجيل محال بيع الحيوانات وحدائق الحيوانات، والذين يتاجرون بإكثار هذه الحيوانات، وقد صدر خلال العام 2015، قرار بضرورة التعامل مع بيطري من قبل كل هؤلاء الأشخاص لأغراض متابعة الحيوانات الطبية والتلقيح، والمخيف فعلا هو استقدام الحيوانات من الخارج، لذا يمنع بالقانون إدخال أي حيوان يقل عمره عن 3 شهور، ولحماية الحيوانات الموجودة من الأمراض السارية لدى الحيوانات، وأيضا لنتأكد من حصوله على كافة اللقاحات وخصوصا لقاح الكلب، وأن يكون لديه شريحة تعريف Microship".
وأضاف أنه "لا سلطة لدينا لمن يقتني الحيوانات بفرض وضع (الشريحة)، لذا فتوعية المجتمع المدني على كيفية التعامل مع بيطري الذي تفرض أخلاقيات المهنة عليه، أن يعمل على توعية مقتني الكلاب على ضرورة التعامل مع الحيوان برفق، وكيفية التعامل معها، فلا يكفي الطعام والشراب، بل إن اقتناء الحيوان يتطلب مسؤولية، فإن لم يكن قادرا، فحرام شراؤه، فضلا عن مسؤوليته تجاهه بإعطائه التلقيحات الأساسية والضرورية".
تحمينا وتحافظ علينا
وقال: "نحن أوصياء كأطباء بيطريين، وليس لدى المقتني معرفة كافية بمتطلبات الحيوان، فهذا عمل البيطري، فضلا عن عملية التعقيم، وإلا فقد يصبح الحيوان الأليف عدائيا وشرسا".
وأهاب بالمواطنين والبلديات "التعامل مع موضوع الكلاب الشاردة بشكل إيجابي والعودة إلى وزارة الزراعة، لكن للأسف في الوزارة ينقصنا التمويل، ولكن نساهم بمجالاتنا وبدراسة الأثر الكامل لأي خطوة تخص حيال الكلاب الشاردة، فمردود أي حل إيجابي للبلدية ينعكس صورة رائعة عنها، باهتمامها بالناس فضلا عن الحيوانات، ولنقارن بين الصورة التي نقلت عن بلدية الغبيري، بالمقارنة صورة لبلدية الغبيري وهي تلقح وتعتني بالكلاب الشاردة".
وختم بزال: "العملية تتم على مراحل عدة: المراقبة، الإمساك بالحيوانات ضمن منطقة مسيجة، تحصينها وتعقيمها، لا سيما أن تكاثرها موسمي، حتى لا يتم قتلها كما شهدنا، فهذه الحيوانات تحمينا وتحافظ علينا من حيوانات دخيلة قد تجلب أخطارا تكاليفها تتجاوز قدرة أي بلدية على تحملها".