خاص "غدي نيوز" –سوزان أبو سعيد ضو -

       من المعروف أن الطيور تبيض وتفق لتخرج صغارها إلى الحياة، وأن الثدييات تلد وترضع صغارها، ولكن أن يكون ثمة حيوان ثديي يبيض ويرضع، فهو من الغرائب التي يحفل بها كوكبنا الأزرق.

العائلة الأحادية

وليس البلاتيبوس Platypus أو طائر " خلد الماء " الذي يعيش في أستراليا، وينتمي للعائلة "الأحادية" Monotreme، الحيوان الثدي الوحيد الذي يبيض ويرضع، بل هناك آكلة النمل الشوكية Spiny anteaters أو echidnas، وتنتمي أيضا إلى العائلة الأحادية، وتعيش في أستراليا وغينيا الجديدة وهناك أربعة أنواع منها، ولكنها بالإضافة إلى كونها تبيض وترضع، فإن جسمها يحتوي فتحة واحدة للتكاثر والبول والخروج.

ويقال أن آكلات النمل الشوكية هذه تفرعت من البلاتيبوس ما بين 19 و48 مليون سنة لتستوطن الأرض، بينما بقي البلاتيبوس برمائي amphibious، وهذه الحيوانات من أقرباء الثدييات المعروفة وإن كانت تعتبر من المستحاثات الحية living fossils.

مزيج من الغرائب

ويعتبر "خلد الماء" مزيجا من الغرائب، فله فم بطة، وذيل سمور "قندس"، وأطراف مكففة كأقدام الإوز، كما أنه يفز نوعا من السم القاتل، لكن اللغز الأكثر غرابة والذي ظل سرا لمدة 200 سنة أخرى، فهو إفرازه الحليب.

       وقد أظهرت دراسة حديثة، لباحثين من منظمة "كومنويلث للدراسات الصناعية والعلمية" the Commonwealth Scientific and Industrial Research Organisation  المعروفة اختصارا بـ CSIRO وجامعة "دايكين" Deakin في أستراليا أن ثمة بروتين خاص في حليب هذا الطائر يمكن أن يساعد على حل مشكلة مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية المستعصية، والتي تفتك بالكثير من الناس حول العالم.

بروتين فريد بشكله

       وقالت العالمة في CSIRO ومؤلفة الدراسة الرئيسية البروفسورة جانيت نيومان Janet Newman ، أن "(خلد الماء) حيوان غريب في الأصل، ولذلك من الطبيعي أن تكون له كيمياء غريبة أيضا"، وأضافت: "ينتمي خلد الماء إلى العائلة الأحادية، وهي مجموعة صغيرة من الثدييات تضع البيض وتنتج الحليب لإطعام صغارها" وأشارت إلى أنه "بعد دراسة مكونات حليب هذه الحيوانات، تمكنا من تمييز بروتين جديد فريد من نوعه ، له خصائص مضادة للبكتيريا مع إمكانية لإنقاذ  الكثير من الأرواح".

وقد وجدت الدراسة، التي نشرت في دورية Structural Biology Communications  العلمية ، أن الطريقة التي تغذي بها أمهات خلد الماء صغارهن وتفقس من البيض  على نحو غير عادي لثديات قد أدى إلى تطوير خصائص مضادة للبكتيريا في حليبهن.

كما أنه لا يوجد لدى إناث خلد الماء حلمات، بل يفرز الحليب على البطن حيث يرضع الصغار، وهذا يعني أن الحليب يكون معرضا للبيئة المحيطة وملوثا بشكل كبير بالبكتيريا المحلية.

وقد أدت العمليات التطورية إلى احتواء الحليب على بروتين خاص يحمي أطفال هذه الحيوانات من هذه البكتيريا ولذلك طور مقاومة مهمة ضدها.

شعر شيرلي تمبل المجعّد

وقالت الدكتورة جولي شارب  DrHYPERLINK "http://www.deakin.edu.au/about-deakin/people/julie-sharp" Julie Sharp من جامعة "ديكين": "كنا مهتمين بفحص بنية البروتين وخصائصه لمعرفة أي جزء من البروتين الذي يتمتع بهذه الخاصية بالضبط".

       وباستخدام البيولوجيا الجزيئية وآلة Synchrotron تمكن العلماء من إنتاج البروتين باستخدام جينات البلاتيبوس، ومن التعرف على بنيته الثلاثية الأبعاد الفريدة unique 3D fold بتجعدها، وقد أسموه "شيرلي تمبل" Shirley Temple تشبيها لشعر الممثلة المميز بتجعده ولونه الذهبي.

       وتبين أن هذا الشكل ، إلى جانب ما يمكن أن يصنع منه ، هو الذي يلعب دورا في خصائص هذا البروتين المضادة للجراثيم.

وقالت نيومان: "تبين أن شكل أي شيء له علاقة وثيقة بكيفية عمله، وهذا ينطبق على البروتينات أو أي مواد أكبر من ذلك"، وأضافت:"ينثني هذا البروتين إلى شكل ثلاثي الأبعاد وبمجرد أن نرى ذلك الشكل ، يمكننا أن نخمن وظيفته".

وأشارت نيومان إلى أنه: "على الرغم من أننا حددنا هذا البروتين الغريب للغاية الموجود فقط في هذه الحيوانات، فإن هذا الاكتشاف يزيد من معرفتنا بهياكل البروتين بشكل عام، وسيساهم في اكتشافات أخرى تساعد في هذا المجال"، وقالت: "هذا الشكل غير عادي بشكل خاص، ويشير إلى أن البروتين قد يقتل البكتيريا بطريقة مختلفة عن معظم المواد المضادة للبكتيريا".

البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

فالعثور على طرق جديدة لقتل البكتيريا الضارة أمر مهم، حيث أن البكتيريا تبني مقاومة للعلاجات المضادة للميكروبات مع مرور الوقت، وتمرر تلك المقاومة إلى الجيل التالي، وتعرف سلالات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية هذه باسم Superbugs.

وقالت نيومان: "إنها أداة أخرى في صندوق الأدوات الخاصة لمكافحة العدوى البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية، نظراً لأن أدواتنا الأخرى أصبحت عديمة الفائدة"، وتخيلت نيومان أن البروتين قد يتطور يوما ما، وأن يستعمل على شكل مرهم موضعي للجروح التي يمكن أن تتلوث بسهولة.

كيفية "حلب" خلد الماء

تمكنت الدكتورة جولي شارب من الإمساك بخلد الماء في نهر في منطقة "غيبسلاند" Gippsland في ولاية "فكتوريا" Victoria الأسترالية، في فخ ملائم للبيئة وتمكنت من الحصول على الحليب لفحصه.

       وقالت: "نحقن الإناث المرضعات بهرمون الأوكسيتوسين Oxytocin الذي يجعلها تفرز الحليب ونجمعه في أنابيب صغيرة، بالإضافة إلى القليل من التدليك للحصول على كميات منه"، وأضافت: "عندما نجمع الحليب نجمع الأوساخ والتراب وأشياء أخرى أيضا، إنه ليس نظيفا حقا."

وقالت شارب: "في هذه البيئة القذرة ، خصوصا أن وليد خلد الماء والصغار ليس لديه أي نظام مناعة تقريبا، وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون من الصعب عليه البقاء على قيد الحياة"، وأضافت: "لكنه، يبقى على قيد الحياة بسبب تركيزات عالية من بروتين (شيرلي تمبل)".

وقالت: "ليس البروتين الوحيد المضاد للبكتيريا في الحليب ، و platypuses ليست الحيوان الوحيد الذي ينتجه، فالـEchidnas ، وهي أيضا monotremes ، تطعم صغارهم بنفس الطريقة ولديها ذات البروتين في حليبها".

وهدف شارب وفريقها الآن إلى تحديد فهم المزيد من المركبات المضادة للبكتيريا وغيرها من المركبات غير العادية في هذا النوع من الحليب.

وختمت شارب: "نعم، لقد أدركنا، إنه مضاد للميكروبات وأن له هذه التركيبة الغريبة، والآن يجب علينا العمل للإجابة على سؤال: هل هذا الحليب يقتل البكتيريا بطريقة مختلفة؟".

ويأتي عمل الفريق وهذا البحث كمتابعة لتقرير في العام 2014 حذرت فيه منظمة الصحة العالمية WHO من الخطر الذي تشكله مقاومة المضادات الحيوية.

وقالت "منظمة الصحة العالمية": "إن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب (فترة ما بعد المضادات الحيوية) حيث لن تتمكن الأدوية الشائعة من معالجة الإصابات البكتيرية الشائعة، وستصبح الأمراض القابلة للشفاء مميتة مرة أخرى".

ويبحث الفريق في CSIRO عن شركاء للتحقيق في الفوائد المحتملة لإنقاذ الحياة في أبحاث تتعلق بـ "خلد الماء"، وتطوير المزيد من المعرفة حول بنية هذا البروتين.

المصادر: Science Daily، ABC، news.sky، غدي نيوز، ووكالات.