"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
لا يمكن أن تمر جريمة قتل ابن آوى في بلدة بريح الشوفية مرور الكرام، كونها تتخطى قتل حيوان بعينه إلى سائر النظم الإيكولوجية، وهي جريمة مستمرة تحت ستار واهٍ من المعتقدات الشعبية السائدة، بمعنى أن ثمة ضرورة لحماية هذا التنوع والذود عنه، لما يشكل من ضرورة على مستوى البيئة الطبيعية، كون الإنسان جزءا منها ويتأثر بها.
وفي هذا المجال، نشرت صفحة "بريح القرية" على موقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك"، خبرا لم يتجاوز السطرين، جاء فيه أن الحيوان المقتول ذئب (وتبين في ما بعد أنه ابن آوى)، وتم قتله بالقرب من منزل شخص من المنطقة، الساعة السادسة من مساء 26 آذار (مارس)، ولكن ما لفت انتباهنا هو التعليقات التي جاء بعضها ليؤكد أن ثمة جهلا في موضوع حماية الأنواع المهددة، ما يؤكد ضرورة توعية الناس لجهة أهمية هذه الحيوانات بيئيا.
للأسف أن البعض أثنى على هذا العمل، واعتبره "بطوليا" وأشاد به، وساق ترهات من أن هذا الحيوان "هاجم" طفلا وامرأة، وقيل بأنه عض شخصا آخر من المنطقة لذا تم قتله، محذرين الناس من هذا النوع من الحيوانات، بينما انبرى كثيرون إلى لوم قاتل هذا الحيوان كون الذئاب معرضة للإنقراض، ووصل الأمر بأحدهم إلى تبرؤ أهل بلدة بريح من هذا الفعل.
تدابير وقائية
ومن المعلوم، أنه إذا كان هذا "الذئب" قد عض أحدهم، فالخوف أن يكون مسعورا، لذا يجب القيام بتدابير وقائية، وتحويل المصابين إلى أقرب مستشفى تعالج داء السعار، وعليهم أخذ التلقيح المناسب وبأقرب وقت، والتأكد من خلو الحيوان من هذا الداء القاتل حتى لا تتكرر قصة وفاة ابن شكا الشاب إيلي نافعة، كما يجب تلقيح الكلاب الشاردة في محيط القرية، بهدف حماية الحيوانات والأهالي، خصوصا وأن أعراض هذا المرض لا تظهر إلا بعد حوالي عشرة أيام أو أسبوعين، وفقا لمكان الإصابة، ولكن ما شاع حول اصطياد هذا الحيوان وقربه من البيوت، فذلك يعود لوجود النفايات وبقايا الطعام التي يقتات عليها.
هاني: منظومة بيئية متكاملة
وللإضاءة على هذه الأمر، تواصلنا مع مدير محمية أرز الشوف للمدى الحيوي نزار هاني، وقال لـ ghadinews.net: "رسالتنا في المحمية محاولة المحافظة على هذه الحيوانات فهي جزء من النظام الإيكولوجي (البيئي)، لنحافظ على طبيعتنا وعلى مائنا وهوائنا النظيفين وتنوعنا البيولوجي الذي يعتبر جزءا من تراثنا الطبيعي، فالحيوانات بشكل عام والذئاب بشكل خاص لا تؤذي أو تهاجم الإنسان، فعلينا الحفاظ عليها وعدم التعامل معها بعدائية، وهذا التهويل والتخويف الذي شهدناه على الصفحة بأنها تأكلنا وتهدد أولادنا ومزارعنا، ليس كلاما غير دقيق فحسب، بل إن هذه الحيوانات جزء من منظومة بيئية متكاملة، وإن كانت الذئاب والثعالب وابن آوى والضباع تقترب من البيوت، فذلك لأننا نرمي بنفاياتنا بشكل عشوائي وخصوصا فضلات مزارع الدجاج والنافق منها في القرى والأماكن القريبة من المناطق السكنية".
وأضاف: "ولكن هذه الحيوانات يجب أن تكون ضمن نظامها الطبيعي الخاص بها، وهي لا تقترب من البيوت عادة، ولم تحصل مرة واحدة حادثة عرضت الناس للخطر، والدليل أن هذه المحمية والقرى المحيطة بها لم تشهد حادثة من هذا النوع في نطاقها".
وأشار هاني إلى أن "الذئاب من الحيوانات المتوسطة الحجم، وهي موجودة على رأس هرم الحيوانات اللاحمة، وبالتالي إذا كانت بأعداد مقبولة، فهي تؤمن الطعام لحيوانات أخرى، فضلا عن تقليل أعداد الخنازير البرية، والتي تشكل خطرا كبيرا على الزراعة في لبنان، فهي الحيوانات الوحيدة القادرة على اصطياد وقتل والتغذي على (الخنوّص) أي الخنزير الصغير، وبالتالي يتوفر الطعام من لحوم للحيوانات الأخرى وللطيور الجارحة، وبهذا نتمكن من إعادة التوازن إلى النظام الإيكولوجي الموجود لدينا، ويخفض من أعداد الثعالب وإبن آوى التي ازدادت أعدادها بكميات كبيرة لعدم وجود منافس لها وهي الذئاب والضباع، خصوصا بوجود النفايات المتراكمة في الوديان وقرب المنازل، فعلينا المحافظة على هذه الحيوانات التي هي جزء من تراثنا الطبيعي والنظم البيئية التي بالمحافظة عليها نتمكن من المحافظة على حياتنا وعلى مقومات الحياة للإنسان".
الذئاب تعالج البيئة
وأشار إلى قصة النجاح في متنزه "يلوستون" Yellowstone في الولايات المتحدة الأميركية، وقال: "هي أكبر محمية في العالم، وقد صوروا فيلما وثائقيا تناول عملية إطلاق الذئاب في المتنزه، وبأن الذئاب ساهمت في معالجة البيئة، وإعادة تجدد الأنهر في المتنزه، حيث ساهمت بإبعاد الغزلان في بعض الأماكن، وكبرت الأشجار ما ساهم بتغذية المياه الجوفية، وعادت حياة النهر وغزارته إلى طبيعتها، وما أحوجنا في لبنان لإعادة تغذية المياه الجوفية، وتستطيع الذئاب أن تلعب هذا الدور الحيوي".
وقال هاني: "نعمل في محمية أرز الشوف على المحافظة على الذئاب، وهي جزء هام من عملنا، فضلا عن عملنا على حيوان لاحم آخر وهو حيوان الكراكال، وهو حيوان لاحم صياد، يساعد على استعادة النظم الإيكولوجية عافيتها".
أما عن الحيوان المقتول، فلفت هاني إلى أنه "ابن آوى أو المعروف باللغة العامية (واوي)، ولكن ظنه الكثيرون ذئبا نظرا لحجمه الكبير، وله دور مهم في الطبيعة لجهة التخلص من الجيّف والفضلات، وصادف وجوده قرب البيوت ربما لانتشار النفايات وبقايا الطعام والجيف التي يقتات عليها".