"غدي نيوز" بسام سامي ضو*
استغربت ككثيرين، تغريدتين لنائب ممانع وإعلامية "مقاوِمة" ينتقدان بل يسخران فيهما من فوزٍ فنّي - ثقافي راقٍ حقّقه بلد اسمه لبنان، يُفترض أنهما ينتميان إليه، بَطلتُه مواطنتهما المخرجة نادين لبكي التي نالت جائزة لجنة التحكيم في مهرجان "كان السينمائي" في دورته الـ 71، عن فيلمها "كفرناحوم" الذي يتناول معاناة أطفال الشوارع والعمالة المنزلية واللاجئين والعنف الأسري وزواج القاصرات.
فإذا بالإعلامية تحاول التعمية على صور لبكي التي احتلت مساحات واسعة في مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، بنشرها صورةً جمعت فيها حوالى 50 "مقاتلاً لبنانياً" سقطوا في بلدة القصير الحدودية مع سوريا، وتثير ظروف "استشهادهم" جدلاً وانقساماً مستمرّين بين الشركاء في الوطن.
وإذا بالنائب يتبرّم من استئثار لبكي باهتمام يرى أنه حقٌّ و"مجدٌ" لحزبه فقط، فيغرّد أن "وحده السلاح يحمينا"!
ولا أزال عاجزاً عن إيجاد أو فهم الرابط بين الحدث والتعليقين، مع يقيني بأن كلا المنتقدَين لم يطّلع على مضمون الفيلم الذي لا يهاجم فريقاً ولا ينتقد مقاومة ولا يدعو إلى تطبيع. وهنا مكمن الخطورة: هل المقصود تكريس مفاهيم خاصة لمجريات الحياة، وتعميمها وفرضها على الآخرين الذين يصبح ذمّهم مباحاً ومهاجمتهم واجباً، لمجرد عدم التزامهم هذه المفاهيم؟!
في عرفي أن الانتماء لوطن لا يعني فقط أن تحزن لحزن إخوتك فيه وتتضامن بصدقٍ معهم، بل أن تفخر أيضاً بما يحققه أيّ منهم من نجاح في شتى المجالات، فكيف إذا كان للأمر وهجه عالمياً؟ أم يجب أن تسقط قيمة جبران خليل جبران الأدبية مثلاً، وقيمة فيروز والأخوين رحباني الفنية، لأنهم ليسوا "مقاتلين أو شهداء"؟!
وفي مفهومي أن "المقاومة" ليست محصورة في أعمال قتالية، ولنا في التاريخ البعيد والقريب أمثلة عديدة عن "مقاومات" نجحت في تحقيق مبتغاها بوسائل متعددة. ثم إن النائب إياه لم يرَ حرجاً في تمايله رقصاً أو شبه دبكة خلال تجمّع انتخابي! أم أنّ ذلك هو فنّ "شدّ عصب" وتحشيد أصوات؟
وفي مفهومي أن "المقاومة" ليست حكراً على أحد، ولا هي تبدأ بحزب أو تذوي من دونه، وليست ماركة مسجلة لفئة دون سواها، ولها واجب تحرير الأرض، وليست لها "سلطة" تطويع الشعب.
تغريدة "الإعلامية المقاوِمة" ليست وليدة صدفة، ولا هي نابعة من تعكر مزاجها أو من غيرة تتسم بها بنات حواء، بدليل أن قوةً بحجم هذا النائب الممانع لم تتأخر في دعمها والانضمام إليها ليس فقط في التقليل من أهمية هذا الإنجاز الثقافي الراقي، بل في "تقريع" اللبنانيين الذين فرحوا وهللوا لهكذا حدثٍ لم نعرفه سوى مع المخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي وفيلمه "خارج الحياة" في العام 1991، وتأنيبهما إياهم عبر "تذكيرهم" بحضور السلاح بالقوة حتى في ساحات يُفترض أن يكون خارجها، لإيمانهما ومن يمثلون - وهذا رأيهم - أنهم هم وحدهم من يستحق التكريم، وهو ما لا نوافقهم عليه، وهذا حقّنا.
إنه الشعور بفائض القوة لدى من يتباهى بامتلاكه قوة لا يملكها الآخرون، ولا يريدون امتلاكها، يوظفها في فرض رأيه على من ليسوا مقتنعين به.
إنه الشعور بفائض القوة الذي سبق لأكثر من شريحة لبنانية أن انتشت به، ومارسته مراراً في السياسة والحرب والمجتمع، قبل أن تنقلب الموازين فتصبح القوة في يد آخرين ينتشون بها أيضاً.
ليس بريئاً تعليق الإعلامية ولا مؤازرة النائب الممانع لها... إنها رسالة جديدة تُقال بأسلوب غير مباشر: هذا لبنان الذي نريد، وهذه هي صورته المستقبلية، وهذه هي حدود الفرح ومفاهيم الحياة، فإن أعجبكم "الالتزام بها أهلاً وسهلاً، وإن لم يعجبكم، فتلك مشكلتكم". إنه ترهيب غير مباشر، يتمثّل في قمع حقّ الناس في القول وحرية الرأي والفرح والانطلاق في فضاءات التحرر والإبداع، ومن دون هذا الحق - الميزة، لن يقوم لبنان.
* صحافي لبناني - دبي