"غدي نيوز"
تمثل كارثة نهر الليطاني نموذجا يكاد يختصر ما هو قائم في سائر مؤسسات ومرافق الدولة، بعد أن تحول مصدرا للتلوث والأمراض ومصبا للصرف الصحي والصناعي، فالنهر الأطول في لبنان يئن من وجع ولا من يسمع، وأقصى ما تحقق أن نواب البقاع الذين شاركوا في جولة ميدانية لرصد التلوث أمس الأول أزكمتهم الروائح "فسدوا أنوفهم"، وتعرفوا على نوعية الروائح وكيف يعيش أبناء القرى والبلدات المنتشرة على جانبي النهر، وهذا في حد ذاته "إنجاز"، إذ نادرا ما نشاهد مسؤولين يشاركون الناس همومهم.
في ما نشهد من تلوث وروائح لا يمكن احتمالها بعد أن "تخمرت" في فضاء الإهمال والفوضى (الكوستابرافا ومطار بيروت نموذجا)، نتأكد أن الحكومات السابقة لم تبادر لمنع الكارثة، وحال حكومة تصريف الأعمال ليس بأفضل، ولن تكون الحكومة المقبلة استثناء إذا ما نظرنا إلى ما يعطل إعلانها من باب الاستئثار والتحاصص، حتى لنظن أن آلية تشكيلها مرتبطة بفكر تجاري أكثر منه بفكر سياسي أو بتوجهات ترسخ منطق الدولة، وهذا ما يلخص أزمة التأليف وتكاد تختصر باقتسام الحصص، لا ببرامج وتوجهات لتسيير شؤون البلاد بما يؤمن إمكانية تجاوز أزمات عالقة.
لا يمكن معالجة تلوث نهر الليطاني قبل معالجة التلوث السياسي وهو أشد وأخطر، لأن أزماتنا البيئية والاقتصادية والاجتماعية والصحية... الخ، هي نتاج سوء إدارة وفوضى واستهتار ومحاصصة وتغطية لفاسدين ومفسدين، وهي أيضا نتاج نظام طائفي يقصي أصحاب الكفاءة ويأتي بالأزلام والتابعين، خصوصا وأن أزمة نهر الليطاني تطورت أكثر من خاصرة المحسوبيات، إذ لم تعد المشكلة مقتصرة على التلوث فحسب، وإنما بانتشار المباني غير الشرعية وغير المرخصة والتي تنبت كالفطر على جانبيه، ولا من يسأل أو يحاسب، واستمرار الآبار تحفر من دون رخص، ما يجعل النهر بما فيه وبما حواليه رمزا للفوضى المستشرية في لبنان.
وسط كل ذلك، نتوقع أن يحبط التلوث السياسي كل ما تخطط له "المصلحة الوطنية لنهر الليطاني"، وهي بدأت إجراءات واسعة لوقف التعديات على النهر وحرمه، في سياق خطة تهدف إلى تعزيز الحكومة وتأمين السبل الأنجع لإدارة هذا المرفق الوطني.
دائما نعالج نتائج التلوث ولا نجروء على التصويب أسباب، نعالج أعراض المرض ولا نتطلع إلى موطن الداء، فأزمات لبنان هي نتاج تلوث السياسة، وبإرادة واعية من مختلف القوى السياسية، وهي أيضا نتاج نظام طائفي لم يكن يوما إلا مجلبة لفساد وتلوث وكوارث!