خاص - "غدي نيوز"
في النصف الثاني من القرن الماضي تنبه العالم إلى خطر فقدان الأنواع والإخلال بالنظم البيئية نباتية وحيوانية، وأدرك العلماء أن البشرية تدفع ثمن حضارة توسعت وازدهرت وتطورت لكن على حساب الموارد الطبيعية وكائناتها واستدامتها، فضلا عن تهديد التنوع الحيوي وما يمثل من أهمية قصوى لاستمرار الحياة على الكوكب.
ولأن الإنسان يعيش ويتفاعل ضمن منظومات بيئية هو في النهاية جزء منها، فهذا يعني أن أي خلل ناجم عن فقدان أنواع من الكائنات (طيور، كائنات بحرية، نبات، حيوان) سيرتد سلبا عليه، وثمة أمثلة كثيرة في هذا المجال، ففي لبنان على سبيل المثال، تضرر القطاع الزراعي وبارت أراض كثيرة بسبب تراجع أعداد الذئب الرمادي والضبع المخطط، ما ساهم في انتشار الخنازير البرية على نحو لم يكن بالإمكان السيطرة عليه بسبب غياب الأعداء الطبيعيين، وأدى ذلك إلى تخريب الخنازير البرية أراض زراعية، ولا سيما في جبل لبنان والجنوب.
هذا مثال لا أكثر، لكن في المحصلة، وجب التذكير بأن انقراض أنواع من الطيور نتيجة الصيد الجائر تسبب في انتشار آفة طاولت أشجار الصنوبر من "حرج بيروت" إلى جبل لبنان ومنطقة جزين، فضلا عن أن قتل الطيور المهاجرة تسبب في انتشار القوارض وتهديد القطاع الزراعي، علما أن المزارعين في هذه الحالة ومع انتشار الآفات والحشرات يعمدون إلى استخدام المبيدات الحشرية الشديدة السمية بكميات مضاعفة، ما يؤثر على الصحة العامة نتيجة تلوث الهواء والمياه الجوفية.
وما يواجه لبنان يواجه كافة دول العالم وإن بنسب متفاوتة، مع التوسع العمراني وتجريف الغابات واستنزاف الموارد بعيدا من تكريس وتعزيز مفهوم الاستدامة، فضلا عن دخول عنصر خطير متمثل بتغير المناخ ما يفرض تحديات كبيرة لحماية الكوكب الأزرق.
أرقام مخيفة
إذا ما أخذنا قاعدة البيانات التي أعدها في هذا المجال "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة" IUCN، نجد أن ثمة أرقاما مخيفة تؤكد أن العالم دخل مرحلة خطيرة لا تهدد التنوع البيولوجي فحسب، وإنما تطاول كافة أشكال الحياة على الأرض، حتى أن العلماء أجمعوا على أن الأرض دخلت مرحلة انقراض جديدة أو عصر جيولوجي جديد من صنع الإنسان.
وتكفي الإطلال على بعض الدراسات لنتأكد من حجم التهديدات التي تواجه التنوع الحيوي، ففي دراسة شملت 25 بلدا، تبين أن هناك 421 مليون نوع من الطيور تختفي عبر سماء القارة الأوروبية منذ عام 1980، مشيرة إلى انخفاض عدد عصافير المنزل وحدها بنحو الثلث، مع عدد أقل من 147 مليون طائر، بنسبة 62 بالمئة، وهذه الأرقام تعتبر مصدر قلق البيئيين كون نتائجها ستكون خطيرة جدا على التنوع البيولجي في القارة العجوز، لا سيما وأن للطيور دورا مهما في مكافحة الحشرات الضارة.
كما أن معظم الدراسات الحديثة خلصت إلى أن التنوع البيولوجي العالمي يشهد تراجعا غير مسبوق، ما يعني أننا نتجه نحو كارثة، خصوصا وأن الحكومات وغيرها لا تستجيب بالمستوى المطلوب لمواجهة تبعات خسارة هذا الإرث الكوني من التنوع.
القائمة الحمراء
في هذا السياق، جاءت " القائمة الحمراء " Red List للأنواع المهددة بالانقراض لتكون بمثابة لائحة تُصنِّفُ وتدرسُ حالة حفظ الأنواع النباتية والحيوانية، وقد أنشئت في عام 1963، ويصدرها "الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة" IUCN، باعتباره السلطة الرسمية القائمة على حفظ الأنواع في العالم، ويهدف الإتحاد إلى إعادة تقييم كل فئة من الأنواع كل 5 سنوات إذا أمكن، أو كل عشر سنوات على الأقل.
وتصنف الأنواع إلى غير محصن ومعرض للخطر، بحسب معايير الـ IUCN وتأتي هذه القائمة مفصلة على النحو الآتي:
-الأنواع المنقرضة (EX).
-الأنواع المنقرضة من الحياة البرية (EW) وهي الأنواع التي تتواجد فقط في الأسر أو التربية الداخلية، أو تتواجد في تجمعات غير طبيعية، أو بعيدا عن التوزيع الطبيعي الأصلي لهذه الفئة.
-الأنواع المهددة بالإنقراض بشكل حرج (CR) وهي الأنواع المعرضة بشدة كبيرة جدا لخطورة الانقراض من الطبيعة.
-الأنواع المهددة بالإنقراض (EN) وهي الأنواع المعرضة بشكل كبير لخطورة الانقراض من الطبيعة.
-الأنواع المعرضة للانقراض (VU) وهي الأنواع المعرضة لخطورة الانقراض من الطبيعة.
-الأنواع القريبة من التهديد (NT) وهي الأنواع التي لا تتأهل كي تصنف ضمن الفئات المذكورة سابقا ولكنها من المرجح أن تصل إلى إحدى هذه الفئات في المستقبل القريب.
-الأنواع ذات الأهمية القليلة (LC) وهي الأنواع المنتشرة والمتوفرة في الطبيعة.
-الأنواع التي لا تتوفر عنها معلومات كافية (DD) لا عن توزيعها في الطبيعة أو تعرضها للتهديدات.
-الأنواع التي لم تقيم (NE) وهي الأنواع التي لم يتم تقييمها بعد.
التنبه إلى الأخطار
ثمة الكثير من الكائنات باتت مهددة على نحو كبير، وثمة كائنات أخرى انقرضت فعلا وبات وجود بعض الأنواع نادرا، فيما الخطر ما يزا سيفا وفي مختلف مناطق العالم، أحراجا وغابات بحارا ومحيطات، في آسيا كما في أفريقيا وأوروبا والأميركيتين وأوقيانيا، من هنا تمثل القائمة الحمراء أهمية استثنائية كونها تعتبر بمثابة مؤشر يساعد في التنبه إلى الأخطار، بالاستناد إلى قاعدة بيانات علمية خاضعة للتحديث، وتاليا العمل على مواجهتها والحد من تبعاتها، كي لا نخسر كل هذا الإرث الكوني من التنوع.