Friday, September 27, 2019
رحم الله الاستدامة والمستدامين!
"غدي نيوز" – قسم الشؤون البيئية
لا ينقص لبنان المزيد من الحملات والمبادرات البيئية، ينقصه فقط ترسيخ الوعي مقرونا بالممارسة، وبأفعال وإنجازات ترسم حدود الأمل، لا ينقص لبنان منصات إعلامية لفك شيفرة الهوس الشخصاني، خصوصا وأن ثمة داءً في لبنان أكثر ما تظهر أعراضه لدى منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، بدليل أن الواقع الاقتصادي وما نشهد من أزمات لم يحرك الشارع، ولا نحمِّل المجتمع المدني تبعات هذا التلكوء، فمعظم الجمهور مستلب وسط حركة اصطفاف طائفية، لكن في مكان ما ثمة عجز أفضى إلى تسلط الطوائف وانكفاء الناس عن المطالبة بحقوقها وقد انتظمت بالأمس في طوابير طويلة للحصول على صفيحة بنزين.
المجتمع البيئي عموما ليس بأفضل حال، لا بل هو صورة مصغرة عن واقع اجتماعي مأزوم، وحيال ذلك ما تزال تتوالد منظمات وجمعيات ومبادرات بيئية، فيما المطلوب تنظيم الموجود وتأطيره وفق رؤى قابلة للحياة، فالكثرة مضرة أحيانا، ولا تؤتي ثمارا ولا إنجازات، وهذا حالنا منذ ثلاثين سنة وأكثر، كسارات تقضم جبالا، ومرامل تنهش أحراجا، وتلوثا يدمر أنهرا وشاطئا، ومن حقنا أن نسأل كيف استبدت هذه الفوضى؟ ومن شرعنها؟ ومن أكثر المستفيدين منها؟
ثمة أسئلة من المبكر الإجابة عنها، لكن أن يتخطّى عدد الجمعيات البيئية رقما كبيرا يقدر بالمئات، فذلك لا يعتبر دليل صحة بالنسبة إلى بلد مثل لبنان، بمساحته وعدد سكانه، وتاليا أن تكون بيئيا فذلك يفترض أن تكون وطنيا، فالبيئة والطائفية لا يلتقيان، لأن البيئة هي مجموعة القيم والأفكار الإنسانية أبعد بكثير من توجهات حزب أو مجموعة طائفية حتى ولو رفعت البيئة شعارا، وهذا ما يقدم الدليل عن أن أحزاب السلطة لا تتوانى عن دعم مشاريع مدمرة للبيئة من مشاريع السدود إلى الكسارات والمرامل والمصانع الملوّثة وغيرها من ارتكابات وممارسات.
لبنان بحاجة إلى الأنسنة، ومن البيئة تحديدا، أي من فضائها، هواء وتربة وماء، بحرا وشاطئا وجبالا، والمطلوب اليوم العمل بعيدا من صخب الإعلام واستحضار الأهمية، ومن ليسوا بأهل ليتصدوا ويواجهوا، فالأجدى أن "يحلوا عن البيئة" كرمى لوجه الله، وليس كل من غرس "شتلة بندورة" صار بيئيا، فضلا عن أن البيئة باتت قابلة للتوظيف في منزلقات السياسة، ومطية تستخدم في تحسين المواقع وتحصينها، أما أن تنطلق مبادرة ما، أو تتشكل جمعية محملة بحب البيئة ظاهرا وبمضمون ملتبس، فكان الله بعون البيئة والبيئيين، ورحم الله الاستدامة والمستدامين.
| قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن |