"غدي نيوز"
بيروت – وزارة الزراعة،
في إطار التزامها الراسخ بحماية الموارد الطبيعية وتعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المدني البيئي، وقّعت وزارة الزراعة اللبنانية وجمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) مذكرة تفاهم جديدة في مقر الوزارة، تهدف إلى تعزيز الجهود الوطنية لمكافحة الصيد غير المشروع والاتجار بالحياة البرية، بما يتماشى مع التزامات لبنان البيئية الإقليمية والدولية.
وتُعد هذه المذكرة محطة استراتيجية متقدمة على طريق الإدارة المستدامة للتنوع البيولوجي، ونموذجاً تكاملياً يجمع بين العمل المؤسساتي الرسمي والمبادرات المجتمعية المتخصصة.
حضور بيئي وطني ودولي واسع
شهد توقيع المذكرة مشاركة نوعية من شخصيات بيئية بارزة على الصعيدين الوطني والدولي، يتقدّمهم السيد أسعد سرحال، مؤسس ورئيس جمعية "حماة الحمى" الدولية والمدير العام لجمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL)، الشريك الرسمي لمنظمة BirdLife International في لبنان. كما شارك السيد أكسل هيرشفيلد، رئيس منظمة CABS الدولية المعنية بمكافحة الصيد غير المشروع، والسيد كمال أبو عاصي، منسق تنفيذ المشاريع في محمية أرز الشوف .
وحضر أيضًا السيد فادي غانم ، رئيس اللجنة الوطنية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) في لبنان، و المهندس مالك غندور، رئيس منتدى البيئة اللبناني، و الدكتور عدنان ملكي، المنسق الوطني لبرنامج المنح الصغيرة في لبنان - مرفق العالمي للبيئة، والسيد أدونيس الخطيب، رئيس مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام (MESHC)، إضافة إلى السيدة شيرين بو رافول، رئيسة وحدة مكافحة الصيد غير المشروع وممثلة منظمة CABS في لبنان، التي قدّمت عرضًا حول الجهود الميدانية الرامية إلى الحد من الاتجار بالحياة البرية.
خطوات عملية ومبادرات ميدانية واعدة
تخلّل اللقاء عرض لتجربة وحدة مكافحة الصيد غير المشروع (APU)، وهي مبادرة ميدانية رائدة تنفذها SPNL بالشراكة مع منظمة CABS وبالتعاون مع الجهات الأمنية والقضاء البيئي. وقد أثمرت هذه المبادرة في تقليص الخروقات البيئية واستعادة مواقع عُرفت سابقًا كمناطق حرجة من حيث الانتهاكات.
وأجمع الحضور على أهمية اتفاقية CITES كإطار قانوني دولي ينظم الاتجار بالأنواع المهددة، وضرورة تطوير التشريعات المحلية وتفعيلها بالتوازي مع حملات التوعية والمشاركة المجتمعية الواسعة.
خارطة طريق متكاملة لحماية الطبيعة
أكد المدير العام لـ SPNL، السيد أسعد سرحال، أن مذكرة التفاهم الموقّعة تمثل خارطة طريق متكاملة لتنفيذ التزامات لبنان البيئية الدولية، وعلى رأسها اتفاقية "سايتس" واتفاقية "التنوع البيولوجي"، وغيرها من الاتفاقيات التي تعكس التزام الدولة بحماية التنوع البيولوجي واستدامة الموارد الطبيعية.
وأشار إلى أن SPNL ستتحمل كامل كلفة تنفيذ بنود المذكرة، انطلاقًا من دورها الريادي المستمر منذ أكثر من أربعين عامًا في حماية الطبيعة وتفعيل مفهوم "الحمى" كنهج مجتمعي مستدام.
وأضاف سرحال أن المذكرة تنطلق من رؤية عملية واضحة تعتمد الشراكة الفعلية مع الوزارات المعنية، وفي مقدمتها وزارة الزراعة، لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض، عبر برامج التوعية، والتدريب، وتمكين المجتمعات المحلية، وتفعيل تطبيق القانون، خصوصاً في ما يتعلق بتنظيم الصيد وإشراك الصيادين والنساء والمزارعين في حماية النظم البيئية.
وختم سرحال بالتشديد على أن حماية الطبيعة لم تعد ترفًا بيئيًا، بل أصبحت ضرورة وطنية ووجودية في وجه التهديدات المتصاعدة التي تطال الطيور والحيوانات والنباتات، مؤكدًا أن الجمعية تعمل على تأسيس مناطق صيد مسؤولة تستند إلى بيانات علمية، وتسهم في حماية الأنواع المهددة، وتأمين سبل عيش مستدامة للمجتمعات الريفية.
كلمة وزير الزراعة الدكتور نزار هاني
"البيئة مسؤولية سيادية والتنمية تبدأ من الحماية"
في كلمة جامعة وذات أبعاد استراتيجية، أكد معالي وزير الزراعة الدكتور نزار هاني أن الوزارة تؤدي دورًا أساسيًا ومحوريًا في حماية البيئة، لاسيما في ما يتعلق بإدارة الغابات وتنظيم الصيد البري والبحري، مشددًا على أن حماية البيئة لم تعد مسألة أخلاقية أو تطوعية، بل باتت مسؤولية سيادية تمسّ أمن لبنان البيئي والاقتصادي والاجتماعي.
وقال هاني:
"وزارة الزراعة مسؤولة عن جميع الغابات الواقعة خارج نطاق المحميات الرسمية، كما تضطلع بدور رئيسي في تنظيم قطاع الصيد البحري، الذي يشهد ممارسات جائرة وغير مرئية تتم في المياه اللبنانية، ولا تقل خطورة عن تلك التي تُرتكب على اليابسة."
وأضاف أن أكثر من مئة ألف عائلة لبنانية تعتاش من الصيد البحري، وغالبيتها تعيش تحت خط الفقر، ما يفرض علينا مقاربة متوازنة تحمي الأنواع البحرية وتراعي في الوقت عينه سبل عيش هذه المجتمعات.
ونوّه الوزير هاني بالتقدم المحرز في تأسيس شبكة من المحميات البحرية، التي ستشكّل نقطة تحول نحو إدارة رشيدة لهذا القطاع الحيوي، مؤكدًا أن لبنان طرف فاعل في معظم الاتفاقيات البيئية الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات CITES، الطيور المهاجرة، والتنوع البيولوجي.
وأشار إلى أن الوزارة تعمل بجدية على إصدار المراسيم التطبيقية للقانون رقم 47/2017 المتعلق بحماية الحيوانات والرفق بها، واعتبر أن توقيع هذه المذكرة مع SPNL يُعد ترجمة عملية للشراكة بين القطاع العام والقطاع الأهلي لتنفيذ الالتزامات البيئية على أرض الواقع.
كما أعلن الوزير عن سعي الوزارة إلى اعتماد تصنيف وطني للأنواع المهددة بالانقراض، يكون أساسًا لوضع سياسات علمية فعالة لحمايتها وتنظيم الاتجار بها، في إطار مشروع "بيوكوكنت" المموّل من الاتحاد الأوروبي، الذي يهدف إلى ربط المناطق المحمية عبر ممرات بيئية وزراعية تشكّل شرايين خضراء للتنوع الحيوي.
وختم الوزير نداءه بدعوة إلى توحيد الجهود قائلاً:
"نطمح أن يأتي اليوم الذي تزور فيه المنظمات الدولية لبنان للاحتفال بعبور الطيور المهاجرة بسلام، لا لتوثيق ممارسات الصيد العشوائي. إن حماية الطبيعة هي مسؤوليتنا جميعًا، وهذه المذكرة هي خطوة حقيقية في هذا الاتجاه."
نحو بيئة أكثر عدلاً واستدامة
تعكس مذكرة التفاهم الموقّعة بين وزارة الزراعة وSPNL نقلة نوعية في مسار العمل البيئي في لبنان، وترسّخ مفهوم الشراكة الفاعلة بين الدولة والمجتمع المدني من أجل بيئة أكثر عدلاً واستدامة، تحمي التنوع البيولوجي، وتصون الموارد الطبيعية، وتضمن للأجيال القادمة حقها في بيئة سليمة ومتوازنة.