"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
آثر مركز "إحياء" لتأهيل المدمنين على المخدرات أن تكون إطلالته الاعلامية الاولى في مركزه المستحدث في منطقة تتسم بطبيعة رائعة في بلدة سوق الغرب، في "اليوم العالمي لمكافحة الادمان على المخدرات" (26 حزيران - يونيو)، ذلك أن للمناسبة رمزية خاصة تفترض ملاقاتها بجرأة ومن قلب الوجع والمعاناة، بعيدا من المكابرة وغض الطرف عن مئات وآلاف المبتلين بالادمان وما يمثل من مشكلة وطنية متوارية الا في ما ينجم عنها من نتائج اجتماعية مدمرة، وأدرك المجلس البلدي في سوق الغرب أهمية المشروع، فكان تجاوبه سريعا لجهة تأمين مستوعابات النفايات ومصابيح الانارة.
ولعل القيمين على المركز من "الهيئة الصحية الاسلامية" أخطأوا في إطلاق تسمة "مركز"، فنحن أمام مجمع متكامل يضم ثلاثة أبنية مبنية باتساق هندسي يغلب عليه طابع القرية مع طرقات داخلية ومرافق تنبئ أن ثمة مشروعا نموذجيا ما يزال مشرعا على بناء مرافق جديدة، "هذه الاراضي ستكون مخصصة لبناء ملاعب وقاعة رياضية مغلقة"، يقول الدكتور علي درويش في جولة استطلاعية للمشروع وأقسامه الخارجية، قبل ان نصل إلى قاعة مخصصة للانشطة المختلفة، فوجدنا أحد عشر شابا تترواح أعمارهم بين العشرين والخمسين سنة، مستلقين على ظهورهم وهم في حالة استرخاء، يواكبهم معالج فيزيائي يستمع الى كل شخص بمفرده ويسدي إليه نصائحه. اثنان فقط آثرا البقاء بعيدا من "كادر" الكاميرا، لكنهم لم يحجموا عن الحديث وعرض تجربتهما.
وإلى الموقع ومرافقه استوقفتنا المنظومة العلاجية التي يسلكها المدمن ويشكل المركز مرحلتها الاخيرة، اذ ان رحلة العلاج الطويلة تبدأ من "دار الحوراء الطبي" في الضاحية الجنوبية فيعالجه طبيب مختص قبل الانتقال الى مركز جويا حيث يخضع للعلاج من الادمان، او ما يسمى بالسحب الآمن للمواد المخدرة ليتم تحويله الى سوق الغرب المحطة الاخيرة وهي مرحلة التأهيل النهائية قبل اعادته الى المجتمع.
غرف منسقة نظيفة أسرة موضبة باتقان، وكل بناء تتوسطه صالة كبيرة مزدانة جدرانها بلوحات خطتها أيدي المدمنين وهم في طور التدريب والتركيز واستعادة قدراتهم المسلوبة بفعل المخدر، وما استرعى انتباهنا ان المسؤولين عن المركز وبعد جلسة قصيرة تحدث خلالها الدكتور درويش، لم يمارسوا دورا رقابيا على المدمنين، وكان المجال متاحا للوقوف على تجاربهم بعيدا من املاءات وايحاءات كما يحصل في نشاطات ومراكز مشابهة، وما يثير الانتباه اننا لم نلحظ ان الموجودين هم من مدمني المخدرات، صحيح انهم يخضعون لعلاج في مرحلة نهائية، لكن لو صادفنا هؤلاء في موقع آخر لما علمنا انهم اكتووا بنار الادمان، حتى اختلط علينا الامر في معرفة المدمن من الموظف.
حسين موسى أحد الوافدين الجدد الى المركز بعد خضوعه لـ "السحب الآمن للمواد المخدِّرة" أشار إلى أنه خضع للعلاج في مركز آخر "ولم ألحظ تحسنا"، ولعل لهذا السبب أمكنه المقارنة بين نمطين من العلاج، لافتاً الى "انني اشعر بتحسن (مليون بالمية) بعد تسع سنوات من تعاطي المخدرات"، وعن فترة العلاج، قال: "يحددها الطبيب وسأكمل حتى النهاية لانني بدأت اشعر انني انسان آخر".
حسين معتوق القادم من تجربة إدمان استمرت عشرين سنة، أشار الى انه بدأ "بحشيشة الكيف ومن ثم الى الحبوب والهيرويين والكوكايين"، وقال: "بعد مرحلة سحب المواد المخدرة وصلت الى المركز وانا هنا منذ شهرين ونصف الشهر، وانجزت مرحلة كبيرة ومهمة وانتظر ان يقرر الاخوة هنا مدة العلاج"، وعرض لاهمية الانشطة "من رسم ورياضة وتبادل اعمال وتمارين"، وأكد أن "دوري بعد هذه الفترة سيكون منحصرا في توعية الشباب عن اخطار المخدرات انطلاقا من تجربتي لا بل أكثر من ذلك ساكون قادرا على مساعدة من ابتلوا بالمخدرات ايضا".
المعالج الفيزيائي بلال عبدالله لفت الى وجود أنشطة مختلفة في المركز، وقال: "نشاط الاسترخاء يأتي ضمن حصة مقسمة على مرحلتين: نشاط جسدي رياضي، وحركات تنفسية او حركة شد عضلات الجسم من خلال الاسترخاء لما لها من اثر فيزيولوجي على الجسد"، ولفت الى ان "المدمن كان يتعاطى السموم من اجل الشعور (بالسعادة) ونحن نساعده على الوصول الى هذا الشعور عن طريق هذه التقنيات بطريقة طبيعية ونساعد الجسم على افراز مادة (اندورفين) وهي المورفين الطبيعي الموجود في اجسادنا"، منوها الى "انني تمكنت من التواصل معهم بكافة ادوات التواصل المعروفة".
ح. ط. أشار الى انه بدأ "الادمان منذ اثنتي عشر سنة وكان عمري عشر سنوات وكانت البداية باستنشاق مادة التنر ومن ثم تطور الى الحصول على جرعات المورفين بواسطة الابر"، ولفت الى "انني خضعت لفترة تأهيل أولى في جويا الرعائي"، وقال: "اشكر الله انني وصلت الى هذه المرحلة وكان وزني 57 كلغ والآن استعدت عافيتي ووزني 85 كلغ"، وأضاف: "أريد او اوجه رسالة الى جميع الشباب بالا يفقدوا الامل، وتجربتي في المركز هنا اعتبرها مثالية ولا حواجز تفصل بيننا وبين من يشرفون علينا".
وما يميز ح. ط. أنه موضوعي في مقاربة وضعه حين قال: "لا افكر في كيفية ايجاد عمل الآن، لان كل اهتمامي يتركز على تخطي هذه المرحلة وبعدها سيكون المجال مفتوحا للحديث عن العمل والمستقبل".
عامر غازي أكد أن "العامل الديني هنا ساعدني كثيرا وهذا ما حرمت منه في مركز تأهيل لا يعنى بالبعد الايماني"، لافتا الى أن "أكثر ما أفادني هو موضوع الدعاء والصلاة"، وقال: "امضيت حتى الان ثلاثة اشهر ونصف الشهر وحاليا اغادر المركز لزيارة وتفقد الاهل، وعند انتهاء العلاج ساتزوج واشقائي سيساعدونني"، منوها الى انه "بعد الانتهاء من العلاج ومغادرة المركز ستكون هناك متابعة من قبل القيمين على المركز لحالتي بشكل مستمر"، وقال: "اريد ان انتهي من كل الماضي لابحث عن مستقبلي لان كل حياتي كانت جحيما وضياعا".
الدكتور علي درويش عرض لـ "غدي نيوز" لهذه التجربة، فقال: "كما لاحظتم الشباب ليسوا في حالة انهيار واحباط، لا بل على العكس بدأوا يستعيدون الثقة بانفسهم، لانهم قطعوا مرحلة العلاج الجسدي التي نسميها (الفطام)، ذلك اننا في المركز نشدد في العمل معهم ان كان في العلاج النفسي او حتى في الانشطة المتنوعة على اعادة الثقة واحساسهم بقيمتهم، من خلال الرسم وزراعة الازهار التي تتصدر الابنية".
واعتبر المركز "بداية ومرحلة تأسيسية والمهم انه لدينا تجاربنا القابلة للتطور ايضا"، لافتا الى "وجود اكثر من جمعية تعنى بمكافحة المخدرات في لبنان، لكننا ندعو لتكون فاعلية اكثر في هذا المجال"، وأكد "اننا بصدد توسيع نشاطنا مع نضوج وتطور تجربتنا وافتتاح فروع في اكثر من منطقة في لبنان"، وتمنى أن "تهتم الدولة اكثر بهذا الموضوع لكي تكون التكاليف اقل".
وعن كلفة العلاج، قال: "الاهل يتكفلون في غالب الاحيان ونحن نقدم حسومات لتأمين استمرارية العمل وعدم تحميلهم اعباء كبيرة".
مر على المركز حوالي 40 حالة حتى الآن، البعض لم يتمكن من الاستمرار والبعض الآخر آثر المضي حتى النهاية، والقدرة الاستيعابية للمركز تصل الى 58 سريرا، أما بعيدا من تقتيات العلاج واهميتها تبقى الاشارة الى ان الجو العائلي الطاغي يفضي الى نتيجة تؤكد نجاح المركز في مرحلة التأسيس، وفي لحظات قليلة يراودك شعور بانك جزء من هذه العائلة تحت ستار تجربة انسانية ترتقي بغير المدمن اولا الى مراتب يشعر معها أن كل مشاعره "تأنسنت" من خاصرة الوجع المشرعة على تحديات يسهل خوضها اذا ما تأمنت ظروف نجاحها.