وجودهم بركة... فلنرد لهم الدين راحة مجللة بالكرامة والسلام

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Thursday, June 28, 2012

بِرُّ الوالدين والإحسان في "اليوم الوطني للمسنين"
... وجودهم بركة... فلنرد لهم الدين راحة مجللة بالكرامة والسلام

 "غدي نيوز" – صفا ليون حجار

في كلّ منزلٍ نجدهم حاضرين بأجسادهم وأفكارهم وعواطفهم، ومع صور الذكريات تنتقل أعْينهم، تستحث الذاكرة لتتوهج هنيهات بعد ضعفٍ وإعياء، فتبدو قوية، لتعود وتركُنُ مستسلمة لثقل السنين الطويلة.
نلمحُ في وجوههم، الفرح لأبسط الأمور عندما نكون إلى جانبهم، قريبين منهم، نبدد مواجعهم، فقد كانوا يوماً لا يدخرون جهداً لبذل مثل هذه الأشياء لنا، متمنّين سعادتنا وتوفيقنا وطول العمر، وكم طمأن دعاؤهم هواجسنا، ومدنا بالقوة والتفاؤل.
أياديهم ناعمة، طرية، كم حملتنا وهدْهدتنا، أطعمتنا وسقتنا، لكن أتُرانا اليوم نتتبّعُ العروق في تلك الأيدي الملائكية، نُقبّلها عرفاناً وإكباراً، أمْ نشيحُ بوجوهنا عنها انشغالاً بالأعمال وهموم البيت والأولاد والسفر والسهرات؟
أتُرانا ننسى اليد التي مَسحتْ دموعنا مرّاتٍ ومرات، واليوم أصبحت ترتعش ولا تستطيع أن تمسك أصغر الأشياء؟ أترانا نرحلُ مع أحلامنا، ونتركهم ؟
مَنْ منّا يستطيع أن ينسى الصوت الذي أمضى الليالي يدندن له أغنيةً طفولية، والعيون التي سهرتْ كي ينام؟ ومن يستطيع أن ينسى من أمضى شبابه في سبيل تأمين العيش الكريم لعائلته؟
قال الله تعالى : "وقضى ربُّكَ ألا تعبدوا إلا إيّاهُ، وبالوالدين إحساناً، إما يبلُغَنَّ عندك الكبَر، أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أفًّ ولا تنهرهما، وقُلْ لهما قولاً كريماً، واخْفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة، وقُلْ ربَّ إرْحمهما، كما ربّياني صغيراً"....
بِرُّ الوالدين والإحسان إليهما وضرورة رعايتهما في كل مراحل العمر، هو واجب الأبناء عليهم، وخاصةً حين يتقدّما في السن، فيصبحا أكثر حاجة للرعاية والعناية والشعور بالطمأنينة والأمان.
فماذا نقدّمُ لكبار السن من أمهات وآباء وأجداد وجدّات في مرحلة من أصعب مراحل العمر؟ وهلْ يكفي الإنسان حين تتقدّم به السنّ، ويُمسي بحاجة إلى العون أن يجد جداراً يسنده، أو عكازاً يستندُ عليه؟ أو سريراً في إحدى دور الراحة؟ ولماذا تصبح دور المسنّين أحياناً، البيت الحقيقي لآباء وأمهات تخلّت عنهم أسَرهم؟ أليس الأوْلى أن تتمّ رعايتهم من قبَل أبنائهم وبناتهم؟

وجودهم "بركة"

أليسَ وجودهم "بركة" في بيوتنا ومنفعة وأهمية لنا أصبحنا نفتقر إليهما؟ وماذا ينتظر المسن حين يتقدّمُ به العمر من أولاده؟
أسئلة نوردها في اليوم الوطني للمسنّ، كي نلقي الضوء على هذه المرحلة من مراحل عمر الإنسان وعن دور الأبناء في رعاية أهلهم ، كما نلتقي عدداً من المسنّين ونستطلع آرائهم ونتقرب إليهم من خاصرة الوجع والمعاناة.
يقال "من زرع حصد"، بمعنى إن التربية الصحيحة للأبناء في الصغر، لها مردودها الفعلي في مرحلة الشباب. هذا كان رأي العم "أبو الياس"، الذي أضاف بأن "التربية الصالحة للأولاد تلعب دوراً كبيراً في شخصيتهم، وتنمّي فيهم روح حب الأسرة والإرتباط الفعلي بين أفراد العائلة"، وبالتالي  فهو لا يجد أنهم سيتخلّوا يوماً عن الأهل في شيخوختهم .
وعن رأيه في دور المسنّين، أكّد بأن "لهذه الدور وجهان، وجه حسن والآخر سيّء، فأحياناً يضطر أحد الوالدين لظروف عدّة أن يبقى وحيداً في منزل العائلة، ولايلقى حينها منْ يهتمّ به ويقوم بالخدمات الأساسية ومهمّات البيت، عندها يصبح تواجده في دار للمسنين ضرورة وحاجة"، ولكن بشرط أساسي،كما أكّد العم أبو الياس، وهو "زيارته مرة أو مرتين في الأسبوع أو إحضاره إلى المنزل كلما سنحتْ الفرصة... أما الوجه السيء، فهو تخلّي الأبناء في بعض الحالات كلياً عن أهلهم بعد إيداعهم في المأوى أو عدم زيارتهم والسؤال عنهم، وهذا يصيبهم باليأس والإحباط والحزن الشديد، وأحياناً المرض الذي يؤدي بحياة بعضهم إلى الموت".
إذاً  هل بيت الأسرة هو المكان الأنسب للمسن والذي يرتبط به إرتباطاً عاطفياً يصعب عليه الإبتعاد عنه، أثاث البيت، حجارته، الصور المعلقة على الجدران، غرفة النوم والحي والجيران، كلها أشياء صغيرة ربما، لكنها تعني الكثير بالنسبة للمسنّ.
عن هذا الامر، قالت لنا السيدة "أم عبدالله": "نعم، إن بيت الأسرة التي ربّتْ الأم والأب فيه أولادهما، هو المنزل الذي يتمنّيا قضاء باقي أيام حياتهما في كنفه وحتى اللحظة الأخيرة، وأنا أصرّ على هذا، وقدْ أوصيتُ جميعَ أبنائي أن لا يأخذوني إلى دار المسنّين مهما حصل"...
واعتبرت "أم عبدلله" إن "الأبناء مهما بلغوا من العطف والرحمة، تظلُّ قدرتهم قاصرة على الوفاء بحق والديهم"، ومع هذا، فهي وزوجها يأملان منهم "توفير الرعاية المستطاعة والكريمة لهما"،  كما أكّدتْ أيضاً على إن "التربية الصالحة تثمر أبناء أوفياء"، وهي ربّتْ أولادها على "مبدأ حب العائلة واحترام الأهل والمساعدة والمسامحة والعطف"، وتتوقّع منهم كل "حنان واهتمام".

دور المسنين

لكن ماذا بالنسبة لدور المسنّين؟ كثيرون يرفضون ظاهرة "دار المسن"، هذه الظاهرة المنتشرة كثيراً، والمثيرة للجدل بصورة واضحة، وربما تثير الإستنكار في أغلب المجتمعات... ويرفضونها ، ربما لأنهم يعتبرون أنها شكل من أشكال العقوق للوالدين وهذا الرأي مرتبط بالقيم الإجتماعية الموروثة في مجتمعاتنا.
وهذا ما أكّده "السيد رامز" الذي رفض فكرة بيت الراحة كما سمّاه، رفضاً تاماً مهما كانت الظروف، ولوْ اضطر للبقاء بمفرده في المنزل وفضّل أن يأتي الأولاد بمن يعتني بأحد الوالدين في البيت، بدلا من أن يعيش في إحدى تلك الدور.
وأيضاً عن رعاية الوالدين في مراحل التقدم في العمر، وعما إذا كانت حق على الأبناء وجزءا من رد الجميل لهما، أجابت السيدة "أم عزيز" بقولها: "حتى أيامنا هذه، يوجد الكثير من الأبناء الذين يعاملون آباءهم وأمهاتهم أفضل معاملة، وهذا واجب وحق عليهم تجاه من تعبوا وسهروا وضحّوا في سبيلهم. وأنا أؤكد أن أولادي إكتسبوا هذه المبادىء منذ طفولتهم، إذ شهدوا على معاملة والدهم ووالدتهم لأجدادهم من محبة وحنان وعطف، واليوم نلقى منهم أنا وزوجي كل رعاية واهتمام".
ويبقى غياب الإهتمام المباشر من الأهل والأقارب والأصدقاء، هو الحل الوحيد للمسن للإقامة في مكان يجمع كثيرين من نفس العمر للمشاركة في حياة وحوار يقتل الملل والإهمال. وهذا كان رأي أحد المسنّين "العم سمير" الذي فضّل فكرة الدار، خاصة في بعض الظروف، فهذا يساعده على متابعة حياة كريمة لم يستطع أبناؤه لأسباب عدة تأمينها له. وأشادَ "بدوْر معظم  بيوت الرحمة هذه الأيام، والتي أصبحت تؤمن خدمات عدة ورعاية صحية وحتّى ترفيهية"، وقال: "لا نستطيع أن ننكر فضل هذه الدور وأهميتها بالنسبة للبعض منا نحن المسنّين الذين لا خلف لهم ولا سند، خاصة وإن الحياة أضحت صعبة في ظل الظروف الإقتصادية والإجتماعية".
صحيحٌ إن شمسهم شارفتْ على المغيب، لكنها ما زالت تلوّن الفضاء الرحب بحُمرة شفقها. وصحيح أنهم كشجرة تساقطت أوراقها، لكن الأرض ما زالت تشهد على أثر ضرب الجذور في أعماقها.
و "الفروع لا تعيش بلا جذورها"، لنهتم إذاً بكل مُسنّ إبتداءً من والدينا وأجدادنا، بعد أن ترجّلوا عن صهوة الشباب والقوة وأصبحوا بحاجة إلى من يكرّمهم ويأخذ بيدهم في زمن ضعفهم.
آباؤنا وأجدادنا، أصحاب أصدق عاطفة في الكون وأطيب قلوب نابضة بالمحبة والحنان وأدفأ حضن نلوذ إليه... لن ننساكُم...و"اللّهمّ إرزقنا برَّ آبائنا ورضاهم ...".
 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن