"غدي نيوز" – أنور عقل ضــــو

ليس ثمة كثيرون يعرفون "زهرة الملح"، ولعل هذا المصطلح المجازي يضفي التباسا كأن يُظنَّ أن الحديث عن زهرة لها شكل ولون ورائحة، فيما "زهرة الملح" نوع نادر من الملح الخالص، يعرف تحت مسميات كثيرة في العالم، غالي الثمن، يحتوي على الكثير من المعادن بينها 84 نوعا نادرا، فضلا عن أنه يعتبر ثرورة اقتصادية وصحية في آن.
وما يعنينا في هذا السياق أن لبنان بدأ استخراج "زهرة الملح" من البحر، في تجربة جديرة بالاهتمام والمتابعة، أطلقتها "جمعية اليد الخضراء" في مدينة عاليه، ضمن مشروعها البيئي – التنموي الهادف إلى تأمين زراعات بديلة وموارد طبيعية والافادة منها وتشغيل اليد العاملة، ما يؤكد أن ثمة ثروات كثيرة في لبنان لا نقوم باستغلالها على غرار النباتات والأزهار الطبية والعطرية وتأمين ديمومة إنتاجها.  
وحسب رئيس الجمعية زاهر رضوان فإن "زهرة الملح هي روح الملح ومن أجود أنواعه، وتستخرج مرتين في السنة عند هدوء البحر بشكل كامل، وهذا يحصل مرتين في السنة وتتخلله هبوب رياح شمالية جافة، في هذه الفترة تظهر زهرة الملح على سطح الماء وتكون رقيقة جدا على شكل كريستالات لامعة جدا".
تتميز "زهرة الملح" Sea Salt Flower بدقتها وصعوبة استخراجها، ويرى رضوان أن "جمعها يفترض أن تكون الرياح شمالية جافة لا تعترضها رياح جنوبية رطبة نظرا لان فترة استخراجها لا تتعدى الأيام المعدودة، لانه مع الرياح الجنوبية يكبر حجم كريستال زهرة الملح الى حد يفقدها خاصيتها لتعود وتذوب".
وعن خصائها يقول "تتميز بتركيبتها فهي قليلة الصوديوم وكثيرة البوتاسيوم ومن خصائصها الجيدة انه باستعمالها بكميات قليلة تضفي طعما مميزا يوازي استخدام كميات كبيرة من الملح، وتتميز بنكهة خاصة، وهي معروفة في العالم على نطاق واسع ولكن انتاجيتها قليلة ويتراوح سعر الكيلو بين 40 و 200 دولار، حسب نوعيتها وحجمها ودرجة لمعانها، وكلما كانت الحبيبات رقيقة وصغيرة كلما كانت ذات قيمة اعلى".

الغذاء البطيء

وعن خوض الجمعية لهذه التجربة، يقول رضوان: "من خلال عضويتنا في منظمة Slow Food International التي تدعم الغذاء البطيء النقيض لوجبات الطعام السريعة وتعتني بالطعام الصحي ودعم الاكلات التقليدية والزراعات الاصيلة على صعيد العالم، ومن خلال مشاركتنا في مؤتمرها الدولي في تورينو – ايطاليا 2006 تعرفنا على زهرة الملح وعلى منتجيها وكيفية استخراجها. بعدها بدأنا اعداد دراسات علمية ميدانية في لبنان استمرت سنة كاملة، وكنا دائما على اتصال مع الجهات الايطالية والمنتجين الايطاليين، وفي العام 2010 وفي هولندا شاركنا في دراسة ميدانية حول طرق استخراج زهرة الملح، ونظرا لعدم وجود تمويل قمنا بتدريب بعض العائلات العاملة في مجال استخراج الملح في لبنان على كيفية استخراج زهرة الملح البحري، وتمكنا كخطوة أولى من استخراج 500 كيلوغرام".

غياب الدعم

ورأى أن "المشكلة القائمة والتي تواجهنا تتمثل في أن من يعملون في استخراج الملح هم قلة، إضافة إلى غياب الدعم الكافي لهذا القطاع، فضلا عن دقة وصعوبة استخراجه والوقت المبذول في هذا العمل ، ويمكن في اقصى الجهود ألا يتجاوز انتاجنا الخمسة أطنان من النوع الجيد في السنة الواحدة".
واضاف: "هدف الجمعية ليس زهرة الملح فحسب، وانما حماية الازهار والاعشاب اللبنانية البرية، ومن خلال مشغلنا البيئي المتخصص برفع قيمة الاعشاب وادخالها في حياتنا اليومية بطريقة عالية محفزة المجتمع على حماية تلك الاعشاب، قمنا بمزج النخب الاول من زهرة الملح مع خلطات عدة من الاعشاب البرية المحصودة بشكل بيئي ومستدام، لننتج عشر خلطات للاستعمال اليومي في المطبخ اللبناني الغني واضفاء النكهات المميزة لاعشابنا على المطبخ اللبناني فضلا عن حث المواطنين على المحافظة البيئة".

بين الخشن واللامع

ويشرح رضوان أنه "مع خلط زهرة الملح بكميات من الاعشاب يمكن لهذا المزيج ان يعطي النكهة الكاملة على العشبة لقيمته واضفاء قيمة غذائية عالية مع طعم مميز".
ونبه المواطنين إلى أن "البعض بدأ يعمد الى استخدام الملح الخشن على أنه زهرة الملح وهذا غش وتزوير"، لافتا إلى أن "زهرة الملح تتميز بنقاء لونها الابيض الكريستالي وبذلك يمكن للمواطنين التعرف عليها قدر الامكان".
في مشغل الجمعية في عاليه تعمل فريال ابو زكي المسؤولة عن التعبئة والتوضيب ومعها خمس سيدات على خلط "زهرة الملح" مع أنواع محددة من الاعشاب والأزهار العطرية، فيما يقوم سليم تابت المسؤول عن خطوط الانتاج مع عدد من الشباب على إعداد عبوات خاصة لتوضيب الخلطات.

التجارة العادلة

ويقول رضوان "مشغل جمعية اليد الخضراء قائم على اسس تراعي كافة معايير التجارة العادلة"، ويلفت إلى "اننا نسوق الانتاج تحت شعار CASA VERDE"، مؤكدا "اننا لسنا مؤسسة تجارية فنحن جمعية أهلية نسعى في الوقت عينه إلى تأمين مصادر تمويل لتأمين ديمومة مشغلنا البيئي وإعداد دراسات في سياق أهدافنا البيية والتنموية".
وتعرف زهرة الملح أيضا بـ "كريمة الملح" او "شمبانيا ملح البحر" او "المحيط في ذرة ملح" وتعرف بـ  Fleur de selبالفرنسية، flower of salt بالانجليزية، flor de sal بالاسبانية والبرتغالية، وهي مادة "تحصد" باليد من سطح ملح البحر، وعلى يد النساء في معظم الاحيان، وبطريقة حرفية مختصة، بحيث لا يسمح بتلوثه بالمادة الطينية عند التحضير وقبل ان تغرق الكريستالات الثمينة في عمق المسطحات، وفي ظروف مناخية خاصة تلعب فيها الرياح والشمس والأمواج أدوارا أساسية في تكوين هذا الملح الثمين.
وتشير المتخصصة في مجال العلوم البيولوجية سوزان أبو سعيد الى أنه "في وقت قصير جدا تتكون هذه الكريستالات الحساسة وبطريقة طبيعية وتجمع عند الغروب من على سطح المحلول الملحي، والتي لرقتها يمكن ان تسحق باليد. وتقليديا فقد كانت تُجمع من ساحل منطقة Brittany وبالذات من بلدة  Guérandeوالتي تصنع أفضل وأجود أنواع هذا الملح".
وأضافت: "ينتج هذا الملح بكميات مهمة في البرتغال وبطرق تقليدية قديمة تتميز بمعايير جودة عالمية متبعة، وهو منتج يستخدم كنوع من التوابل يستخدم من الذواقة والخبراء في المطابخ العالمية المهمة. وكذلك في اسبانيا يصنع بكميات هامة ويوزع في أنحاء العالم".
ولفتت إلى أن "كندا تصنع كميات منه في منطقة جزيرة Vancouver الواقعة في المحيط الهادي. وتصنع البرازيل كميات انما ليس بالمعايير العالمية المتبعة في اوروبا، حيث يضاف اليه اليود طبقا للقانون البرازيلي المعد للملح المخصص للاستهلاك البشري. وبسبب ندرته وكلفة تصنيعه و"حصاده" فهو من اجود أنواع الملح إنما الأغلى ثمنا".

الزهرة البيضاء

وقالت أبو سعيد: "زهرة الملح بيضاء بعكس ملح البحر الذي يميل الى اللون الرمادي والزهري الباهت نتيجة وجود نوع من الطحالب  Dunaliella salinaتعطيه هذين اللونين، ويباع هذا الملح في عبوات محكمة الإغلاق، وتحتوي مادة زهرة الملح على معادن بتركيبة معقدة بشكل اكبر بكثير من الملح العادي، ومع نسب رطوبة تتراوح بين 5 الى 10 بالمئة. ففي حين يفقد ملح الطعام معظم تكوينه المعدني المعقد في عملية التصنيع فإن زهرة الملح تظل محافظة على خواصها الخاصة لأنها لا تتعرض للعمليات الكيميائية من تكرير وتبييض وغيرها. وتحتوي على ما مجموعه 84 معدنا نادرا وبتركيز يماثل تركيزها في سوائل الجسم المختلفة وفي الدم. ونتيجة لتكوينه الكريستالي فهو يحتوي على غازات عالقة بين ذرات الكريستال، وعند ذوبانها يكون لها رائحة بنفسج خفيفة تعطيها ميزة فريدة إضافية. وله نكهة لذيذة حساسة مع ميل للحلاوة".
وأشارت أبو سعيد إلى أن "معظم الأشخاص يرشون زهرة الملح كمطيب خلال تقديم الطعام حيث تضفي مزيجا من النكهة النادرة والمظهر الفريد وحتى الملمس المميز. ومن استعمالاتها الغريبة رشه على حبات الكراميل او سلع حلوى اخرى مثل الكريم بروليه حيث يظهر الطعم الحلو ويضاعفه ويناقضه في ذات الوقت وهناك طهاة مختصون بصنع الحلويات لا يستعملون غير زهرة الملح في وصفاتهم".