"غدي نيوز"
الأرزة رمزٌ للبنان وشعارٌ يفتخر به أهله وأنشودة يتعلمها الكبار والصغار في آيات الكتب المقدسة وفي قصائد الشعراء والأدباء. أرادها اللبنانيون شامخة على علمه كما على جباله وقممه، وهي كذلك، ولكن... ماذا عن القمم التي لا تصل إليها هذه الشجرة العظيمة؟
فحيث لا يصل الأرز، لا تتعرّى جبال لبنان، بل ترتدي أيضاً أجمل الحلل المحاكة من مئات السنين... فشجرة اللزاّب المعمّرة هي التي تكسوها، صلبة، قويّة، تتحمل البرد القارس والحرّ الخانق والجفاف والثلوج وشتى أنواع التغيرات المناخية.
صامدة رغم التصحر
على مرّ السنوات، ومنذ أيام الإغريق... وما قبلهم، كانت غابات الأرز واللزاب تتداخل بعضها ببعض، حتى أن اليونانيين طلبوا في إحدى المراسلات القديمة خشباً من شجر "الأرز الزهري القلب"، وتبيّن مع المتخصصين أن هذا الخشب المطلوب هو من شجرة اللزاب لا من الأرز.
الدكتورة ماغدا خراط، المتخصصة في التنوع البيولوجي، شرحت الدور الكبير الذي تلعبه هذه الشجرة الصامدة، موضحة أنها "وكأنها اليوم متخفية خلف الأرز بسبب قيمته العاطفية الكبيرة بالنسبة للبنانيين، لكنها شجرة مميزة جداً إذ إنها تصل إلى مرتفعات لا تصل إليها الأرزة ". وتؤكد أن "بعضها يعيش أكثر من ثلاثة آلاف سنة"، لكنها تشير إلى عدم تحديد أعمارها حتى اليوم في لبنان حيث يتم تقديرها بمئات السنين.
وفي لبنان بحسب خرّاط 4 أنواع من اللزاب، وتضم جباله من الوسط اللبناني إلى الشمال عدداً كبيراً من هذه الأشجار، مشيرة إلى أن "الذي يتعرف عليها يدرك قيمتها: فهي الشجرة الوحيدة التي ما زالت موجودة في جرود عرسال مثلاً رغم التصحر الذي ضرب المنطقة".
تدقّ خرّاط ناقوس الخطر لجهة عدم تجدد غابات اللزاب اليوم: فهي تتكاثر خصوصاً من خلال بعض القوارض وطير الكيخن الذي يتخلص من بذور اللزاب بعد أكلها إثر تخمرها في أمعائه (رغم أن هذه الطريقة ليست الطريقة الوحيدة إنما سائر الطرق تبقى أكثر بطئًا). فبعض هذه البذور تكون فارغة، وبعضها الآخر يقضي عليه الرعي، وبعضها أيضاً تضربه حشرات مضرّة.
وتجدر الإشارة إلى أن نمو هذه الشجرة بطيء جداً، حيث أنها تحتاج إلى نحو 500 سنة لتأخذ شكلاً كاملاً لشجرة ناضجة.
تشير خراط إلى أن المجتمعات المحلية بدأت تعي أهمية هذه الشجرة، فأكبر نسبة نمو لشجر اللزاب تشهدها اليوم بلدة "ربيعة" البقاعية نتيجة جهود جمعية "مملكة اللزاب" فغابتها فيها أشجار لأن الناس تدرك قيمتها.
الشجرة "العظيمة"... معروضة للتبني؟
ومن "ربيعة" لـ"أرز الرب" يقال أن الأرز واللزاب كانا يغطيان المنطقة كلها، واليوم تسعى هذه الجمعية إلى إسترجاع ذلك عبر زراعة عدد كبير من الشجر في حملة سنوية تقوم بها، وفق المسؤولة في الجمعية جيمي كرم. تصف كرم هذه الشجرة بأنها "عظيمة"، معتبرة أن "الذي يتعرف عليها يعشقها فتصبح كولد من أولاده بسبب جمالها وصلابتها وقوتها".
وتشرح أننا بدأنا بالمشروع "لأننا كنا بحاجة إلى تثبيت وجودنا في بلدتنا التي لم يبق فيها إلا الشيوخ وكبار السنّ، أما الشباب فتوجهوا كلهم إلى المدن، لذلك أسسناها لكي نبقى في أرضنا"، مشيرة إلى أن "المرحلة الأولى كانت التوعية على أهمية عدم قطع اللزاب... فهذه الشجرة من الصعب نموها ومن المعقد زراعتها، إذ كل غرزة تكلّف حوالي الـ100$ لأننا نزرعها دون مساعدة طائر الكيخن". وتوضح "أننا قمنا بذلك بالتعاون مع أصدقاء الأرز، حيث زرعنا العام الماضي 50 شجرة وهذا العام 500".
وتقول: "فتحنا المجال أمام الناس ليتبنوا شجرة وذلك يساعدنا لكي يلتقي اللزاب بالأرز من جديد في جبالنا كما كانا في السابق قبل أن يبدأ التعدي الكبير عليهم بشكل كبير".
"لكل لزّابة تاريخ عمره مئات السنين، وكل جذع يقطع منها لا ينمو من جديد: فبعض أغصانها مقطوعة من 500 سنة والبعض الآخر من 200 وبعضها من 1000 سنة"، بحسب كرم التي تؤكد أن اللزاب موجود بشكل كبير في لبنان، فبلدنا ما زال يحوي أكبر غابة للزاب في الشرق الأوسط "لكن جهل الناس أدى إلى قطعها".
وعن المساعي لحمايتها، توضح خراط أن "كل الصمخيات في لبنان محمية في القانون"، أما كرم فتشدد على أن الجمعية تؤمن حراستها على نفقتها الخاصة خصوصاً قرابة عيد الميلاد لكي لا يقوم أحد بقطعها. وتؤكد أن الجمعية تسعى لتأمين حماية لها من قبل الدولة أو حتى إلى تحويل الغابة لمحمية ولكن "ليس لدينا الدعم الكافي حتى الآن".
وتنتقد الصيد العشوائي حيث يقوم الصيادون باصطياد طير الكيخن دون معرفة تأثير ذلك على الطبيعة في لبنان.
وتفتخر بشجرة بلدتها التي، وإذا وقعت بذرتها على الصخر، تشقه بحثاً عن الأرض الخصبة. أما تفادياً للقضاء عليها من قبل الماشية، فتوضح أن الجمعية تحمي صغار اللزاب بأقفاص خاصة. بدورها تشير خراط إلى عدم وجود محميات للزاب في لبنان، لكنها تشرح أن "بعض محميات الأرز تحوي أيضاً هذه الشجرة كإهدن وتنورين".
اللزاب بظلّه وانتاجه الغزير للأوكسيجين، وبإستقلاليته، وعمره، وصلابته، يتميّز عن سائر الأشجار، ويمكنه أن يعتبر أيضاً رمزاَ آخراَ للبنان الصامد والصلب والقوي رغم التصحر الذي يضرب "ربيع" المنطقة.
نقلا عن "النشرة"