تتجه العائلات التونسية خلال نهاية أشهر الشتاء وبداية فصل الربيع إلى مجموعة من العيون الطبيعية الساخنة المياه. ويؤمن كثيرون في مساهمتها الفعالة في الشفاء من عدد من الأمراض الجلدية والتنفسية، وهي وإن لم تساعد على الشفاء - كما يقول الزوار - فهي لن تضر أحدا، ويكفي القادمين تخليص الأبدان من بقايا برودة الشتاء.
في الواقع لكل منطقة تونسية عيونها المميزة. ففي الشمال يؤم التونسيون عيون حمام بورقيبة (في ولاية محافظة باجة) الواقعة على بعد 100 كم شمال تونس العاصمة، وفي منطقة بنزرت تتجه العائلات إلى حمام الأربعين، وفي اعتقادهم أن من يمضي مدة أربعين يوما يشفى من الكثير من العلل والأمراض. ولعيون منطقة قربص (60 كم شمال شرقي تونس) صيت وباع في هذا الميدان، وبها عين «العتروس» و«عين الصبية»، وهذان النبعان ينبعان من جبال معروفة بصفاء مياهها الساخنة مما يجعلها قبلة للتونسيين، خاصة أن البعض منها يصب في البحر، مما يجعل الاستحمام والاستجمام ضرب عصفورين بحجر واحد.
أما في الجنوب فإن منطقة الحامة في ولاية قابس، الواقعة على بعد 400 كم جنوب العاصمة، تعتبر من أهم المحطات الاستشفائية لسكان تلك المنطقة ولغيرها من المناطق، ويأتيها زوار من ليبيا والجزائر أيضا.
ويعد الاستشفاء بالمياه إحدى أهم الخدمات التي تسهم في تنويع المنتوج السياحي التونسي، ذلك أن تونس تتمتع بمخزون مياه معدنية موزع على كامل ترابها في شكل عيون وينابيع وحفريات تتجاوز 100 نبع، 30 منها مياهها باردة درجة حرارتها أقل من 25 درجة مئوية، و65 نبعا للمياه الساخنة تصل درجة حرارتها إلى 45 درجة، وهي تشفي من أمراض جلدية متنوعة. ويجري استغلال 18 نبع مياه معدنية باردة في مشاريع تعليب مياه، و50 نبع مياه ساخنة في مشاريع محطات استشفائية وحمامات معدنية.
عن هذه العيون والينابيع يقول حامد الذوادي (50 سنة) إن قدومه إلى حمام الأربعين، وهو حمام تقليدي في الهواء الطلق بمنطقة منزل بورقيبة "يأتي نتيجة النتائج الصحية الإيجابية التي سجلها طوال سنوات من التمتع بالمياه المعدنية التي خبرها أجدادنا، وهي لا تزال تتدفق من جبال الشمال العالية".
ومن جهة أخرى، مكنت التجهيزات المتطورة المتوافرة في بعض مراكز العلاج بالمياه المعدنية من تنويع طرق استعمال المياه المعدنية، حسب الحالات المرضية. ومن أهم هذه الطرق العلاج بالصدمات والتدليك الياباني والتغليف الكلي أو الجزئي بالطحالب البحرية أو بالزيوت المستخرجة من الأعشاب أو بالأوحال المعدنية، علاوة على العلاج بالاستنشاق وبالضغط الهوائي وحمام الأنف والأرجل والتدليك بالثلج المعدني وغيرها من التقنيات العلاجية الأخرى.
ويعتبر حمام بورقيبة (شمال غربي تونس) أحد أهم المراكز الاستشفائية في تونس، إذ إنه يعتمد على أحدث تقنيات الاستشفاء بالمياه المعدنية في العالم، ويسهم في استقطاب نسبة كبيرة من السياح الأجانب والتونسيين لما يوفره من طرق علاجية متطورة باعتماد مزايا العلاج بالمياه المعدنية والأعشاب والطحالب البحرية.
وتصل مدة العلاج لجميع الأمراض إلى 21 يوما، وتتيح التقنيات العلاجية المتوافرة باعتماد المياه المعدنية كمادة أولية الحد من مضاعفات أمراض العظام لمدة ستة أشهر على الأقل ومن أمراض الجهاز التنفسي لمدة سنة كاملة.
وتستغل أربع محطات استشفائية 50 مركز علاج بالمياه الطبيعية و30 حماما تقليديا، كما نجد في تونس 50 مركز نقاهة ومثلها من مراكز العلاج بمياه البحر. وجرى الشروع بداية هذا العام في تنفيذ برنامج يستمر أربع سنوات لتأهيل المحطات الاستشفائية والحمامات التقليدية التي يتوافد عليها سنويا أكثر من 3 ملايين تونسي (بينهم مليونان ونصف مليون في جهة قابس وحدها) و10 آلاف سائح.
وأكد فرج الدواس، المدير العام للديوان التونسي للمياه المعدنية، في تصريحات سابقة أنه يأمل في أن توفر 10 مشاريع جديدة في القطاع 6 آلاف موطن شغل. وأوضح أن الكلفة الإجمالية لهذه المشاريع التي دخل بعضها حيز الإنجاز تفوق 100 مليون دينار تونسي (نحو 70 مليون دولار أميركي). وذكر أن للديوان ملفا متكاملا لمشروع مدينة استشفائية كاملة في منطقة «الخبايات» بحامة قابس.
وأضاف الدواس أن مشروع منطقة قابس تبلغ كلفة إنجازه 400 مليون دينار تونسي (نحو 280 مليون دولار) وسيوفر 5 آلاف موطن شغل. وينتظر توسيع مهام ديوان المياه المعدنية لتشمل كذلك قطاع الاستشفاء بمياه البحر، وهو ما سيعزز مهمة تأطير ومراقبة المراكز الاستشفائية لضمان الجودة الكاملة واحترام المواصفات العالمية.
وأضاف أن محطات الاستشفاء بالمياه المعدنية تستقبل سنويا نحو 3.3 مليون زائر، وأكثر من 170 ألف زائر في محطات المعالجة بمياه البحر.