كثيرة هي الزراعات البديلة التي اعتمدها مزارعو المتن الاعلى بمبادرات فردية، كي لا يكونوا أسرى مواسم محددة وأهمها التفاح، لكن زراعة الكستناء وحدها شكلت تجربة ناجحة انطلقت من بلدة ترشيش – قضاء بعبدا في أعالي المتن وانتشرت في معظم قراه حتى باتت ترشيش المصدر الوحيد للحصول على نصوب الكستناء من مختلف المناطق اللبنانية، يكفي أن نذكر أن إنتاج ترشيش وحدها من الكستناء وصل العام الماضي الى "100 طن في السنة" على ما أشار رئيس البلدية ورئيس "تعاونية ترشيش الزراعية" غابي سمعان، لكن هذا الرقم يبدو أقل بكثير من حجم الاستهلاك المحلي، إذ يؤكد سمعان أن "لبنان يستورد 6 آلاف طن في السنة"، ما يعني أن ثمة مجالات واعدة لزراعة الكستناء أبعد بكثير من حدود ترشيش والمتن الأعلى.
ثمار الكستناء هي الآن في طور النضوج، وينتظر المزارعون تساقطها من الاشجار لبيدأوا جمعها وتوضيبها قبل بيعها في الأسواق المحلية. وأقصى ما يطمح إليه المزارعون هو عدم الاعتماد على موسم التفاح، واعتماد الكستناء سبيلاً لمواجهة الأزمات المتفاقمة، خصوصاً مع توالي مشكلات تصريف إنتاج التفاح وبعض الأشجار الجبلية المثمرة في ترشيش وكفرسلوان وجوار الحوز وبعض قرى المتن الأعلى، كي لا يكون مصيرهم مرتبطاً بموسم واحد، بما يقلل من حجم الخسائر أو الكوارث التي تعترضهم، خصوصا وأن موسم التفاح هذه السنة تراجع بنسبة 75 بالمئة بسبب ظروف مناخية.
جدوى اقتصادية
بدأت زراعة الكستناء في المتن الاعلى منذ العام 2000، وهي شجرة لا يمكن أن تعيش في التربة الكلسية، وتحتاج إلى تربة رملية، فضلاً عن أن شجرة الكستناء تعمر لعدة قرون.
لكن الكستناء معروفة منذ سنوات طويلة في أعالي المتن، غير أن زراعتها ظلت مقتصرة على عدد قليل جداً من الأشجار، إذ لم يكن ثمة من يعلم أن هناك جدوى اقتصادية من زراعتها، لكن وجود أشجار معمرة دفعت رئيس "تعاونية ترشيش الزراعية" غابي سمعان، لتطوير زراعة الكستناء في البلدة، فــ "عمدت التعاونية إلى حث الناس على زراعتها، وتمكنت وقتذاك من إحضار نحو 40 ألف غرسة من خلال هيئات محلية ودولية عدة ومنها المديرية العامة للتعاونيات، وزارة الشؤون الاجتماعية والبعثة البابوية وكاريتاس وغيرها"، خصوصا بعد عودة ابنائها الذين عانوا التهجير خلال الحرب، وكان لا بد من تحصين العودة باعادة الحياة القطاع الزراعي.
وأشار سمعان، إلى أن "أشجار الكستناء عمرها الآن نحو اثنتي عشر سنة، وبدأت مرحلة الإنتاج الأولى قبل سنوات عدة"، ولفت إلى أن "القطاع الزراعي هو الأساس في البلدة، لأن ترشيش لا تعتمد على قطاع السياحة ومرافق أخرى كالتجارة والصناعة"، ولفت إلى أن "التعاونية انشأت براداً حديثا لتوضيب الانتاج الزراعي من خضار وتفاح وخصصنا غرفة مستقلة لحفظ وتوضيب الكستناء"، لافتاً الى أن "البراد ليس لترشيش وحسب، وإنما للمناطق المجاورة في المتن الأعلى والمتن الشمالي والبقاع، خصوصاً وأن موقع البلدة يتوسط هذه المناطق الثلاث"، وأوضح أن "هذه الشجرة لا تنبت في أي مكان لأنها بحاجة إلى أرض رملية، ومناطق تعلو 1000 متر وما فوق عن سطح البحر وهذا متوفر في ترشيش التي تعلو نحو 1500 متر"، مشيرا إلى أنه "بعد دراسات عدة مع بعض المهندسين المحليين والدوليين، وجدنا أن الكستناء من الأشجار المهمة التي يمكن أن نخلق من خلالها تنوعاً زراعياً، يؤمن مردوداً مادياً مهماً".
زراعة النصوب
ونجاح التجربة، أكسب مزارعي ترشيش خبرة في استنبات نصوب وأغراس الكستناء، وهي تؤمن مردوداً ماديا يرفد المزارعين بما يمكنهم من مواجهة الازمة الاقتصادية، ويقول المزارع سامي صدقة "نبيع غرسة الكستناء التي يتجاوز عمرها الاربع سنوات بـ 20 الف ليرة، والثلاث سنوات بـ 12 الف ليرة".
وما تجدر الاشارة اليه هو أن نصوب الكستناء لا تنبت وتنمو الا في ترشيش، فهي "بحاجة الى شتاء قاس وثلوج وفي الوقت عينه الى صيف حار"، يقول صدقة، ويضيف: "كان يمكن أن تكون الاسعار اقل بكثير لكن نحن نؤمن البذور المؤصلة من فرنسا وايطاليا"، لافتاً إلى "اننا بدأنا هذا العام تأمين كميات كبيرة من الاغراس الى منطقتي حاصبيا وراشيا، وفي السنوات الماضية قمنا بتأمين كميات كبيرة الى كسروان وغيرها من المناطق اللبنانية"، وتوقع أن "يزداد الطلب على اغراس الكستناء في السنوات المقبلة بسبب اهميتها الاقتصادية".
المزارع يوسف صدقة أشار إلى أن "الكستناء تصنف من الأشجار الحرجية وتزرع في كانون الاول وحتى في شباط وآذار من كل عام"، ونوّه إلى أنه "توجد بعض أشجار الكستناء في ترشيش منذ 60 عاماً يتعدى ارتفاعها الخمسة عشر متراً"، ولفت إلى أن "زراعتها في السابق كانت تتم على نطاق ضيق، بينما الآن فإننا نعول عليها كشجرة مثمرة، يمكن أن يكون لها مردود للمزارع أكثر من زراعات أخرى"، ورأى أن "تعميم زراعة الكستناء مع بداية العودة إلى البلدة جاءت نتيجة خبرة سابقة، لأن تربة ترشيش الرملية ملائمة جداً لها"، وتطرق إلى أن "زراعة التفاح تشهد أحياناً كساداً وصعوبات في تصريف الإنتاج، عدا عن تأثرها بالعوامل الطبيعية، بينما الكستناء تعتبر من الأشجار الحرجية المقاومة للظروف الطبيعية الصعبة".
تسويق الإنتاج
وأشار المزارع محمد سعيفان إلى "اننا بدأنا قبل عشر سنوات بتسويق كميات قليلة من الانتاج"، ولفت إلى أن "هناك أكثر من عشرين آلاف غرسة كستناء جديدة زرعت خلال السنوات الماضية"، وأكد أن "الكستناء من إنتاج ترشيش لها مذاق طيب وحلوها كثير".
واشار إلى أن "بعض المزارعين بدأوا يسوقون كميات قليلة من الانتاج ويباع الكيلو الواحد بما يتراوح بين 5000 و 6000 ليرة وهذا مؤشر مهم في مقارنة مع التفاح حيث نبيع الصندوق الواحد بمثل هذا السعر"، وأكد أن "الأغراس التي تقدم لنا كهبة قليلة جداً ونضطر إلى شراء كميات كبيرة من أغراس الكستناء الأغلى ثمنا"، لافتا إلى أنه "في المراحل الأولى كل أنواع الزراعات تحتاج إلى رعاية، ولكن مع الوقت تصبح شجرة الكستناء مثل أي شجرة حرجية لديها القدرة على المقاومة، فلا تتطلب رعاية كبيرة باستثناء آفة السوس التي نعالجها بالمبيدات".
انتشار الزراعة في المنطقة
أما في باقي قرى المتن الأعلى، فبدأت تنتشر زراعة الكستناء على نطاق واسع بالتزامن مع بلدة ترشيش، بعد أن اطلع المزارعون على الجدوى الاقتصادية، من خلال تسويق الكستناء في السوق المحلية، ومنافسة الكستناء التركية التي تغرق الأسواق اللبنانية.
المزارع سمير زيدان أشار إلى "اننا كنا نظن في البداية أن زراعة الكستناء تتطلب وجود شجرة خاصة بين كل مجموعة من عشر أشجار كستناء مثمرة، وهذه الشجرة هي ذكر الكستناء التي تتدلى منها عناقيد تحمل حب اللقاح، الذي ينتقل إلى الثمار عبر الهواء أو النحل"، وقال: "تبين لنا في ما بعد أنه مع انتشار زراعة الكستناء على نطاق واسع في المنطقة ما عدنا بحاجة الى زراعة أغراس خاصة لتلقيح الاشجار المثمرة"، وتوقع أن "تتطور زراعة الكستناء قريباً، لا سيما أن زراعتها تنتشر بسرعة بين المزارعين".