"غدي نيوز"
ينتشر الجينز بين الناس بغض النظر عن أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية، ويلبسه الأغنياء كما يلبسه الفقراء. وتشير تقديرات اليونيسكو إلى إنتاج ملياري سروال جينز سنويا على المستوى العالمي، وتدخل في عملية إنتاجه وصبغه نحو 1600 مادة كيماوية، معظمها ضار بالبيئة، وتتم صباغته في 15 خطوة متسلسلة تستخدم فيها بعض أنواع الأصباغ الممنوعة صحيا، إذ تشير معظم الدراسات البيئية العالمية إلى أن إنتاج سروال الجينز، سواء في عملية زراعة القطن أو في عملية إنتاجه وصبغه، ثقيل على عاتق البيئة.
فالقطن أكثر النباتات عطشا في البيئة، وتتسبب زراعته في تصحير مناطق كبيرة في البلدان المنتجة له. ويستهلك إنتاج سروال الجينز الواحد 12 ألف ليتر من الماء (من ضمنها الماء المستخدم في سقاية القطن وفي إنتاج النسيج). كما تستخدم كمية تقدر بـ 500 غرام من المواد الكيماوية في صناعة السروال، الذي لا يزيد وزنه بأي حال عن نصف كيلوغرام. هذا ناهيك بالطاقة الكبيرة المستهلكة في الإنتاج، وكمية الغازات الضارة التي تنطلق إلى الجو.
صحيفة "دي فيلت" الألمانية الواسعة الانتشار نقلت عن الباحث الإسباني ميغيل سانشيز قوله إن فريق عمله، من شركة "كلاريانت" الإسبانية في برشلونة، نجح في تطوير طريقة إنتاج جديدة يمكن أن تخفض ضرر سروال الجينز على البيئة بنسبة 92 بالمئة.
وتحدث سانشيز عن الطريقة في اجتماع موسع أجرته شركة ACS الأميركية المتخصصة في إنتاج الأنسجة. ويفترض أن الطريقة تعد بخفض استهلاك الماء بنسبة 90 بالمئة، وتقليل الماء الناتج عرضيا عن عملية الصناعة إلى الصفر، وخفض الطاقة المستخدمة بنسبة 30 بالمئة، وتقليص نفايات القطن الناجمة عن الإنتاج بنسبة 87 بالمئة.
ومعروف أن الفضلات القطنية يجري حرقها عادة، وهي طريقة تثقل بدورها الجو بالغازات الضارة بالبيئة.
تتم عملية تلوين الجينز عبر 15 خطوة متتالية تستخدم فيها الألوان والمواد الكيميائية، إضافة إلى كميات كبيرة من الماء، لكن سانشيز يعد باختصار العملية في خطوة تلوينية واحدة. وأشار الباحث إلى أن الألوان المستخدمة في العملية الجديدة لا تحتوي على مواد كيماوية غير طبيعية، كما أنها غير ضارة بالبيئة أو بصحة الإنسان.
وكانت دراسة لمعهد البيئة في هامبورغ كشفت عن أكثر من 1600 مادة كيماوية وصبغية تستخدم في تلوين قطع الملابس، ويمكن لمعظم هذه المواد، عند تركزها بكميات كبيرة، أن تسبب التسمم، والعقم، والسرطان، ومختلف أنواع الحساسيات.
والمهم أيضا هو أن عدد هذه المواد يزيد عند تلوين الملابس، سواء كانت سراويل أو سراويل داخلية أو حمالات صدر، وتحوم الشبهات الصحية حول اللون الأسود أكثر من غيره. وكشف ميخائيل بونغارت، من معهد هامبورغ، أن 16 مادة كيماوية تدخل في صناعة وتلوين الأنسجة، هي فعلا من المواد التي تقف فوق الشبهات، بينما المواد الأخرى كلها "مشبوهة". وتوصلت فحوصات بونغارت المختبرية على حمالات صدر النساء إلى وجود 400 مادة كيميائية دخلت في صناعتها وتلوينها.
إلى نفس النتيجة توصلت أبحاث شركة "فريدل بارتنر" النمساوية، حيث كشفت الفحوصات المختبرية عن 1980 مادة دخلت في إنتاج بعض أنواع حمالات الصدر، منها 18 في المئة فقط مادة بريئة من إلحاق الأضرار الصحية والبيئية بالإنسان.
أطلق سانشيز على الطريقة البيئية اسم الدنيم المتقدم (Advanced Denim) ، والإشارة واضحة في التسمية إلى القطن المنتج في منطقة "نيم" الفرنسية الذي يختصر بـ "دنيم" (Surge de Nimes). وهو نوع من القطن تنتج منه خيوط قطن متينة، وتستخدمه شركة "ليفي شتراوس" في إنتاج سراويل الجينز الشهيرة.
والمشكلة هي أن معظم المواد الكيماوية والصبغية التي تدخل في صناعة الأنسجة لم تخضع للفحوصات المختبرية المعمقة حتى الآن. والدليل، هو أن بعض هذه المواد ممنوعة في مجالات صناعية أخرى، لكنها غير ممنوعة في صناعة الأنسجة. منها مادة الرصاص التي تم تخليص بنزين السيارات منها، وبينتاكلوربينول (تستخدم في صيانة الخشب) الممنوعة في أعمال البناء، وتريبوتاليزين التي منع استخدامها في طلاء أجساد السفن، وهي مواد تدخل في صناعة الأنسجة.
وبالنسبة إلى طريقة "دنيم" التي تحدث عنها الباحث الإسباني سانشيز، وقال إنها ستعيد لسروال الجينز سمعته البيئية المفقودة. فحسب تقديرات الباحث الإسباني سانشيز فإن استخدام الطريقة الجديدة في صناعة ربع الإنتاج العالمي السنوي لسراويل الجينز سيقتصد نحو 11 مليون متر مكعب من الماء العذب، ويقلل ماء الصرف الناتج عن العملية بمقدار 8,3 مليون متر مكعب. هذا إضافة إلى الاقتصاد بطاقة تبلغ 220 مليون كيلووات ساعة، وهو ما يعادل استهلاك 55 ألف عائلة ألمانية من الطاقة على مدار السنة.
وتحدث الباحث الإسباني عن اهتمام عالمي أبدته شركات إنتاج الملابس بطريقة الإنتاج الجديدة للجينز "الأخضر".