"غدي نيوز"
يؤكد معارضو استخدام توربينات الرياح بشدة أنها وسيلة مزعجة وغير فعالة وتشوه صورة المناظر الطبيعية ووسيلة مكلفة للغاية، ولذا فمن الحماقة أن نعتمد عليها.
وكان من الغريب أن ينتقد هؤلاء كفاءة التوربينات نظرا لأن الوقود المستخدم – وهو الرياح – مجاني.
وبالرغم من أن الكهرباء المولدة من الرياح قد تكون حاليا أكثر تكلفة من تلك المولدة من بعض أنواع الوقود الأحفوري، إلا أن التكاليف تنخفض بسرعة كبيرة. أما بشأن ما يقال عن أنها تعد منظرا قبيحا، فهذه مجرد مسألة رأي.
لكن موجة جديدة من تقنيات التوربينات تتطلع إلى إنهاء مثل هذا النقاش إلى الأبد، من خلال جعل طاقة الرياح أرخص وأكثر مرونة وأقل تأثيرا على الريف، في كثير من الحالات.
البعض لا يريد أن يتركها لآليات السوق، لكن أولئك الذين يفكرون في ذلك يمكن أن يحدثوا ثورة في طاقة الرياح.
سرعة الرياح
وتعد عدسات الرياح أحد أبسط الأفكار التي يجري العمل على تطويرها. ويقود يوجي أوهيا، من جامعة كيوشو اليابانية، فريقا يعمل على تصميم هيكل مخروطي الشكل يوضع حول ريش التوربينات لتوليد ضغط أقل وتسريع سرعة الرياح.
ويقول أوهيا إن توربينات عدسات الرياح تنتج من ضعفي إلى ثلاثة أضعاف الطاقة التي تولدها التوربينات التقليدية، مع الحد من الضوضاء إلى حد كبير – وهو ما قد يزيل عقبة أمام استخدام التوربينات بصورة أكثر انتشارا في المناطق المأهولة بالسكان.
ويضيف أوهيا أن التوربينات المدمجة التي تنتج ما يتراوح بين 1 كيلووات و3 كيلووات تأتي ضمن "المرحلة النهائية للتوزيع العالمي"، في حين يجري اختبار اثنين من التوربينات الأكبر بقوة 100 كيلووات منذ عام 2011. والمرحلة التالية هي بناء نسخة قادرة على توليد 300 كيلووات.
لكن لم يكن الجميع مقتنعا بهذا الطرح. ويشكك الدكتور غوردون إيدج بمؤسسة "رينيوابل يو كيه" في كمية المواد الإضافية اللازمة لكل من العدسة وهيكل التوربينات. ويضيف: "طرحت هذه الفكرة من قبل لكنها لم ترتق إلى المستوى المأمول".
خطة
تعمل شركة "شيرويند" الأميركية على تجربة فكرة أكثر جنونا. وأثناء البحث عن كيفية الحد من الضوضاء والاهتزازات الناجمة عن التوربينات التقليدية لوزارة الطاقة الأميركية، قال الدكتور داريوش ألي إنه كان يجب أن يكون هناك طريقة أفضل لتسخير طاقة الرياح.
في عام 2009، كان داريوش وفريقه يعملون على تصميم نظام لجمع الرياح على مسافة أقرب بكثير إلى الأرض. ونجح نظام "إنفيلوكس" على التقاط الرياح بسرعات منخفضة تصل إلى 2 كيلو متر في الساعة، وزيادة سرعتها قبل تمريرها من خلال توربين صغير. وتمكن هذا التصميم من التقاط الرياح على سرعة منخفضة بحيث "يجعل طاقة الرياح قابلة للتطبيق في معظم أنحاء العالم" علاوة على أن هذا النظام كان أصغر وأبسط وأرخص وأكثر هدوءا من التوربينات التقليدية، حسب كارلا شولز، التي تعمل لحساب شركة شيرويند.
في الواقع، تدعي الشركة أن تكلفة الكهرباء التي يولدها نظام "إنفيلوكس" أقل ثلاث مرات من تلك التي تولدها توربينات مماثلة وموجودة بالفعل.
التحليق عاليا
وبدلا من التركيز على الأرض، تتطلع العديد من الشركات إلى السماء. ويقول إيدج: "هناك مزايا واضحة للتحليق عاليا"، حيث تكون الرياح أقوى وأكثر اتساقا.
وتوصل بحث أجرته جامعة العلوم التطبيقية في تورينو الإيطالية إلى أن سرعة الرياح على ارتفاع 800 متر تتجاوز ضعف سرعة الرياح على ارتفاع 10 أمتار، في حين كانت الطاقة، إذا ما قيست بالوات لكل الدقيقة، عشرة أضعاف.
وتعد شركة "إنيركايت" إحدى الشركات الرائدة في مجال التوربينات الطائرة. وصمم فريق تابع للشركة جناحا من ألياف الكربون "يتم التحكم فيه للطيران في رياح متعامدة على ارتفاعات متغيرة، ومشدودة بقوة بحبال ويتم قيادتها من خلال كرات على الأرض"، على حد قول الكسندر بورمان، أحد مؤسسي الشركة. ثم يتم لف الجناح وتبدأ العملية مرة أخرى.
ويقول بورمان إن طائرة شراعية بقوة 100 كيلووات تنتج نفس كمية الكهرباء التي ينتجها توربين بقوة تتراوح بين 200 كيلووات و300 كيلووات، وهو ما يعني طاقة أرخص.
ويضيف بورمان إن صيانة هذا التصميم منخفضة التكلفة ويمكن القيام بها على الأرض كما يمكن نقله بسهولة. ومثل كل مولدات الرياح الطائرة، فإن هذا النظام يستخدم مواد أقل بكثير من التوربينات المحمولة على أبراج.
وعلى نطاق صغير، تكون الطائرات الشراعية مناسبة بصورة أكبر للمجتمعات النائية التي قد تعتمد على توليد الديزل للوفاء ببعض أو كل احتياجاتها من الطاقة، لكنها على المدى الطويل قد "تكون قابلة للإنتاج على مستوى المنفعة"، كما يقول بورمان.
ويعمل مركز أبحاث "كايت جين" الإيطالي على تطوير تصميم مشابه، في حين يتجه آخرون إلى استخدام تكنولوجيا المنطاد الهوائي لحمل التوربينات على مسافة مئات الأمتار في السماء.
وتستخدم شركة "ألتا آيروس للطاقة"، ومقرها الولايات المتحدة، قوقعة مليئة بالهليوم، يوجد بداخلها توربين خفيف الوزن. ويمكن رفع وخفض التوربين للحصول على أقصى سرعة ممكنة للرياح، كما أنه مثبت في الأرض بثلاثة حبال، ينقل إحداها الطاقة المتولدة إلى الأرض.
وتقول الشركة إن التصميم الجديد ينتج طاقة تبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف توربينات الرياح التقليدية، وبتكلفة تركيب ونقل أقل بحوالي 90 في المئة.
وتطور شركة LTA لطاقة الرياح الكندية فكرة مشابهة، لكنها تعتمد على مركبة هوائية تحتوي على غاز الهيدروجين.
كما ينضم مشروع غوغل السري "غوغل إكس" إلى المنافسة، بعد شراء غوغل لشركة طاقة الرياح "مكاني" عام 2013. ويتضمن الابتكار الذي تقدمه غوغل طائرة شراعية مصنوعة من ألياف الكربون، ومثبتة في الأرض، تطير في دوائر على ارتفاع يصل إلى 350 مترا، وتحمل ثمانية توربينات صغيرة تنتج 600 كيلووات من الطاقة. وتقول مكاني إنه بإمكان الطائرة الشراعية إنتاج طاقة تفوق التوربينات التقليدية بحوالي 50 في المئة.
ولأن تغير الظروف المناخية من أكبر سلبيات طاقة الرياح، يصعب تجاهل المحاولة للوصول بالمولدات إلى أعلى ارتفاع ممكن. لكن جان ماثيسون، من هيئة الكربون البريطانية، يرى أن هناك "الكثير من التساؤلات والمخاطر حول طاقة الرياح".
وقال: "تحتاج هذه الشركات إلى إجراء المزيد من الاختبارات للحصول على نتائج موثقة. ومع ارتفاع تكلفة الاختبارات، سيكون من الصعب تدشين هذه التكنولوجيا في السوق". ويرى أن تكنولوجيا التوربينات الطائرة تحتاج لعشر سنوات على الأقل قبل نشرها في الأسواق.
تقلب البحار
وتجري عمليات تطوير التوربينات العائمة على الشواطئ بشكل أسرع. وهناك توربينات تجريبية على شواطئ النرويج، والبرتغال، واليابان، في حين يعكف عدد من الشركات على تطوير تكنولوجيا قد تغير في مسار توليد الطاقة من الرياح.
وبالنسبة للبلاد التي تنحدر شواطئها بشكل مفاجئ، كسواحل اليابان وغرب الولايات المتحدة، وفرنسا، فلا يمكن الاعتماد فيها على المولدات المثبتة في البحر.
لذا، فإن التوربينات العائمة ليست مصدرا لطاقة الرياح في مناطق جديدة فحسب، لكن بها بعض المميزات التي تفوق التوبينات الثابتة. ويمكن بناء وتركيب التوربيعات العائمة على الشاطئ، ثم إطلاقها في المياه. وحال حاجتها إلى إصلاح، يمكن سحبها مجددا، مما يجعل الصيانة أسهل وأقل تكلفة. وكما قال إيدج "يمكنها تقليل التكلفة بشكل كبير".
وحتما ستساعد التوربينات البعيدة على الشاطئ على إدراك إمكانياتها الكاملة. ولزيادة طاقة الرياح المتولدة من التوربينات على الشاطئ، تحتاج إلى توربينات أكبر، وهو أمر يلقى الكثير من المعارضة كونها تشوه المظهر العام وتحدث الكثير من الضوضاء. وبالفعل، يجري تشغيل بعض التوربينات بأقل من كفاءتها لخفض مستوى الضوضاء.
ولكن التوربينات البعيدة عن الشاطئ لا ضوابط عليها، فالرياح الأقوى، بمساعدة التوربينات الأكبر، تولد المزيد من الطاقة، مما يقلل من سعر الوحدة الكهربائية التي تولدها.
ويقول ماثيسون: "تحتاج طاقة الرياح إلى بلوغ ارتفاعات أكبر لكي تحدث فرقا. ولا يمكن بلوغ ارتفاعات أكبر إلا بعيدا عن الشواطئ".
وقد يختلف مطورو التوربينات الطائرة مع هذا الرأي. لكن مع ظهور هذه الخيارات التكنولوجية الجديدة، يضعف ادعاء صعوبة استغلال طاقة الرياح.
الـ "بي بي سي"