خاص "غدي نيوز" - سوزان أبو سعيد ضو
أظهرت دراسة نشرت يوم الخميس 15 حزيران (يونيو) 2017، في دورية PLOS Pathogens العلمية، أن تحورات جينية في فيروس مسبب لنوع من إنفلونزا الطيور قد يحوله إلى عدوى خطيرة ربما تصيب البشر.
وتستهدف سلالة انفلونزا الطيور المعروفة باسمH7N9 الطيور، ولكنها انتقلت إلى 779 شخصا في مناطق انتشار متصلة بأسواق الدواجن في الصين في العام 2013، بحيث يخشى من عبور الفيروس لحاجز الأنواع من الدواجن إلى البشر وتحوله إلى وباء.
وهذه القدرة الحيوانية المنشأ لافتة للنظر، حيث يحتفظ الفيروس بخصوصية التصاقه بمستقبلات في خلايا الطيور، ويحتاج الفيروس إلى الحصول على مستقبلات لخلايا النوع البشري لنقل الفيروس بشكل فعال بين البشر.
الدراسة
وفي هذه الدراسة، حدد باحثون من هولندا والولايات المتحدة البروتينات من نوع H7 تحتاج ثلاث طفرات في الأحماض الأمينية لتغيير خصوصيته من مستقبلات لدى الدواجن لمستقبلات بشرية، وأكد الباحثون أنه على الرغم من أن هذا العمل لا يسمح لهم بتقييم ما إذا كانت هذه الطفرات من شأنها أن تؤدي إلى انتقال فعال في "النمس" ferret model، (وهو النموذج المفضل لدى العلماء في هذا النوع من التجارب بين عدة أنواع من الثدييات الصغيرة لدراسة انتقال إنفلونزا الطيور للإنسان)، إلا أن هذه المعرفة تساعد في المراقبة، وأشاروا إلى أنه إذا لوحظت هذه الطفرات الحمضية الأمينية خلال الانتقاء الطبيعي في البشر، يمكن اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب.
وقال العالم في البيولوجيا من "معهد سكريبس للأبحاث" The Scripps Research Institute والمشارك في الدراسة جيم بولسون Jim Paulson "كعلماء، نحن مهتمون بكيفية عمل الفيروس"، وأضاف: "اننا نحاول فهم الفيروس حتى نتمكن من الاستعداد"، وقد تعامل الفريق البحثي مع بروتينات تمكن الفيروس من الولوج إلى الخلايا وهو ما يحدد أي الأنواع يمكنه إصابتها بالمرض، وقال بولسون: "لذلك لا ندرس الفيروس كله بل مجرد قطعة - مجرد جزء - يمكننا بعد ذلك دراسة خصائصه".
وأضاف بولسون: "إن الطفرات الجينية الإضافية قد تكون ضرورية لكي يصبح هذا الفيروس أكثر عدوى لدى البشر، فكل ما قمنا به هو أننا بحثنا في إحدى الخصائص التي نحن على يقين على أنها مهمة"، وأشار إلى أنه "إذا قمنا بتغيير خاصية واحدة لا يعني ذلك أن تلك الخواص وحدها كافية للسماح للفيروس بالإنتقال والإنتشار".
العمل سيستمر
ولفت بولسون إلى أنه تقدم مع الفريق البحثي بطلب إلى "المعاهد الوطنية للصحة" المعروفة اختصارا بـ NIH لإمكانية دراسة هذه الخاصية بالإنتشار في حيوانات المختبر، إلا أن الحكم أتى بوقف التجارب الممولة فيدراليا من قبل البيت الأبيض في العام 2014، خوفا من انتشار الوباء، لكنه أكد على أنه سيستخدم نوعا مخففا من هذه الإنفلونزا weakened strain of flu وانتقالها بين حيوانات النمس في المختبر، وأنه سيتقدم من NIH بطلب للدراسة خصوصا مع سياسة تعديل لهذا الحكم.
من جهة ثانية أكد باحثون آخرون، مثل رون فوشييهRon Fouchier من "مركز إيراسموس الطبي" Erasmus Medical Center في هولندا، الذي يتلقى تمويلا من معاهد الصحة الوطنية، وجادلوا علنا بالحاجة إلى تعديل H7N9 في المختبر لمعرفة ما قد يكون هذا الفيروس قادرا على تحقيقه بالضبط، وهم يعتقدون أن مثل هذه البحوث ضرورية لفهم التهديد الذي يمكن أن يحدثه حقا.
وقال فوشييه الذي أثارت تجاربه الجينية مع فيروس انفلونزا الطيور احتجاجا عاما في العام 2011: "إن بقية العالم يسير قدما في هذا النوع من التجارب بالفعل، لذا فإن الولايات المتحدة يمكن أن تنضم أو لا تنضم إلى هذه الأبحاث، والامر متروك لهم، ولكن العمل سيستمر".
بالمقابل، فإن أحد العلماء الذين انتقدوا تطوير مسببات الأمراض الوبائية المحتملة عمدا هو عالم الأحياء في "جامعة ستانفورد" ديفيد ريلمان، وقال: "إذا أراد عالم اختبار تأثير هذه الطفرات التي تم التعرف عليها مؤخرا في سلالة المختبر الضعيفة من الإنفلونزا، سأكون أكثر قبولا لهذا النوع من التجارب"، وأضاف: "لكن إذا أراد الباحثون إجراء هذه التغيرات الجينية في الفيروس H7N9 الفعلي، سأكون مترددا جدا".
المراقبة المكثفة
وقال علماء غير مشاركين مباشرة في هذه الدراسة أن نتائجها كانت مهمة، ولكن لا ينبغي أن تتسبب بقلق ومخاوف.
وقالت المختصة في المناعة التنفسية respiratory immunology في "إمبيريال كولدج" Imperial College London في لندن فيونا كوليFiona Culley: "ستساعدنا هذه الدراسة على مراقبة المخاطر التي تشكلها انفلونزا الطيور بطريقة أكثر وضوحا، كما أن زيادة معرفتنا بالتغيرات الخطيرة التي قد تحدث في فيروسات انفلونزا الطيور تساعدنا في مراقبة الوضع بصورة أكثر شمولية".
وأشارت إلى أنه "في حين أن بعض الطفرات الفردية قد شوهدت بشكل طبيعي، لم تحدث مجموعة الطفرات معا"، وأضافت: "إن فرص أن تحدث الثلاث طفرات معا منخفضة نسبيا".
وقالت الأخصائية في علم الفيروسات virologist والإنفلونزا في "إمبريال كوليدج" أيضا ويندي باركلي Wendy Barclay، إن "نتائج الدراسة كانت مهمة في إظهار سبب ضرورة بقاء إنفلونزا الطيور H7N9 تحت المراقبة المكثفة"، وأضافت: "هذه الدراسات تبقي فيروس H7N9 على قائمة الفيروسات التي يجب الإهتمام بها، فكلما زاد عدد المصابين، كلما زادت فرص حدوث مجموعة مميتة من الطفرات".
مخاوف وهواجس
ويشعر مسؤولو الصحة العامة بالقلق ازاء فيروسH7N9 ، لأنه من المعروف أنه اصاب اكثر من 1500 شخص توفي 40 بالمئة منهم، إلا أنه على عكس السلالات الأخرى التي تصيب البشر بشكل أكثر شيوعا، فهذا الفيروس القاتل لا ينتشر بسهولة بين الناس.
وفي وقت سابق من هذا العام، حذرت "منظمة الصحة العالمية" WHO من أن كل سلالات الفيروس تحتاج إلى مراقبة مستمرة لأن قدرتها على تحوير جيناتها باستمرار يجعلها "تهديدا مستمرا وخطيرا للصحة العامة".
وليس لفيروس H7N9القدرة على الانتقال من شخص لآخر بشكل مستدام، ولكن ثمة مخاوف من تحوره في أي وقت.
وقد سجلت الصين 37 حالة وفاة بشرية نتيجة الإصابة بفيروس H7N9 فى أيار (مايو)، مقابل 24 حالة وفاة فى نيسان (أبريل) الماضي، ويبقى الخوف بأن تحور الفيروس الجيني قد يمكّنه من الانتشار بسهولة أكبر، ما يعني أنه سوف ينتشر في كافة أنحاء العالم وقد تترتب نتيجة لذلك خسائر فادحة في الأرواح، خصوصا وأن أجهزة المناعة لدى الناس لم تتعرض في أي وقت مضى لهذا النوع من الانفلونزا من قبل.
وقد أدت الأوبئة السابقة الناجمة عن فيروسات الأنفلونزا الجديدة التي تنتقل من الحيوانات أو الطيور إلى الناس إلى قتل الملايين.
المصادر: PLOS، NPR