أنور عقل ضو
إلى متى سيبقى إعلامنا بعيداً من العلم؟ وإلى متى سيظل زملاء ناشطون أسرى ترهات وأقاويل، غير قادرين على الانفصال عن موروث الضيعة والقصص الشعبية، وتناولها كـ "حقائق علمية"؟ وإلى متى تظل عشرات المواقع الإلكترونية تتنافس على سوق وترويج أخبار تثير الريبة لدى المواطن، وتهدم كل ما بناه خبراء لبنانيون بالتعب والسهر؟
الأسئلة تتوالى من حرقة وألم، ليس بسبب أن ضبعا قتل عمداً فحسب، وإنما لأننا محكومون بالوهم، وأسرى جهلنا في ما لا نعرف، وضحية "بطولات" وهمية وكذب وافتراء وتجنّ.
أزمة ثقافة ووعي
إذا ما نظرنا إلى ما يسوقه إعلامنا اللاهث وراء زيادة نسبة المشاهدة، نجد أن هذا الإعلام عينه يسوق لسياسة التسطيح، بدليل أن حزمة البرامج لكل قناة، لا نجد فيها ما يغني ثقافة المواطن من هزال السياسة إلى فساد الأخلاق وتدهور القيم، ولا تشذ وسائل الإعلام الأخرى عن هذه "القاعدة" باستثناء بعض الإعلام المقروء الذي وإن سقط في هفوات أحيانا، ما يزال محافظا على رصانة الصحافة اللبنانية وعراقتها.
إننا نعيش أزمة ثقافة ووعي، بدليل أننا غير قادرين على مواجهة ملفات عالقة في مختلف قطاعات الحياة، من النفايات إلى الكهرباء إلى تلوث الأنهر والشواطىء، وغير قادرين كمواطنين ومجتمع وأحزاب على تصويب سياسات لا تخدم إلا مصالح فئة متحكمة بمقدرات الدولة، فئة متجذرة في تربة الفساد، لا يمكن اجتثاثها بين ليلة وضحاها، فمسار الاصلاح طويل وشاق.
لزوم السبق الصحفي!
ما لفت انتباهنا اليوم، أنه بعد أقل من يومين على قتل ضبع في عكار (راجع ghadinews.net)، طالعتنا وسائل إعلام بـ "خبرية" تثير السخرية بقدر ما تثير السخط، عن أن "المواطن (ص. ش) من بلدة حاصبيا نجا من هجوم ضبع عليه صباح اليوم الأربعاء 28 حزيران (يونيو) في بستانه الكائن في مجري الحاصباني، ولما كان لا يحمل سلاحاً ليقتله، فما كان منه الا التقاط رقبته وضرب رأسه عدة مرات بالارض حتى تمكن من قتله".
الخبر انتشر بسرعة على مواقع إعلامية عدة، وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، وثمة من ألف "سيناريو" عن "العراك" بين المواطن والضبع، القليل من "الفلفل والبهار" لزوم السبق الصحفي، وعلى الطريقة "الدونكيشوتية"!
الضبع كائن يتسم بالجبن
منذ نحو عشرين سنة، وما نزال نطرح الصوت ونؤكد المرة تلو المرة، الضبع اللبناني المخطط يخاف الانسان، ولا يهاجمه حتى ولو كان في حالة جوع شديد، وأن الضبع كائن يتسم بالجبن، وهو بحجم كلب عادي، ويكبر حجمه عندما يستشعر الخطر بسبب أنه ينفض وبره، وما يرويه أجدادنا عن أن الضبع يبول لـ "يسبع" الإنسان ويقوده إلى جحره ليلتهمه مجرد ترهات، فالضبع يبول من الخوف إن باغته إنسان ويلوذ بالفرار.
كما أن الضبع المخطط لا يفترس حيوانا وإنسانا، والصيد ليس من طباعه لأنه يقتات على الجيف والنفايات، حتى الضباع المولودة في الأسر يمكن إطلاقها في الطبيعة، لأنها غير مفترسة، وليست بحاجة لاقتناص الفرائس، ووظيفها في الطبيعة محددة، وإن افتقدت الطعام من جيف وبقايا الحيوانات النافقة، تقترب من الأحياء السكنية بحثا عن غذاء وسط أكوام القمامة.
التوازن البيئي
لقد أمضى الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية – قسم العلوم البروفسور منير أبي سعيد سنوات طويلة في دراسة الضبع اللبناني المخطط، وحاز على درجة الدكتوراه من أهم جامعات بريطانيا عن موضوع الضبع المخطط، وثمة شرائط فيديو يظهر فيها أبي سعيد وهو ممسك بساق ضبع، والأخير يحاول التفلت منه والفرار، ولم نجد أن الضبع "حاول افتراسه"!
وقد تصدى أبي سعيد في دراسته الموثقة لكل موروثنا الشعبي عن الضبع، وبين أن الضبع المخطط لا يمت بصلة إلى الضبع الأفريقي المنقط، الذي يشاهده المواطن على قنوات عالمية متخصصة، وتختلط عليهم الأمور بين هذين النوعين.
نحن بحاجة إلى الضبع لدوره في تنظيف الطبيعة، وانقراضه يعني أننا سنكون عرضة للأوبئة والأمراض والنفايات، وأننا فقدنا حلقة مهمة من التوازن البيئي ومن المنظومة الطبيعية التي تتكون منها بيئتنا، وأبعد من ذلك خسارة الضبع تعني تلقائيا ازدياد أعداد الخنازير البرية، وهذه مشكلة تواجه مختلف المناطق، حتى أن أراض زراعية بارت بسبب كثرة الخنازير البرية، هذا مع العلم أن الضبع لا يصطاد الخنازير، وإنما يتسلل إلى وجارها ويلتهم صغارها، فهو أعجز من أن يواجه خنزيرا بريا.
إن عرض ضباع مقتولة وتشويه الحقائق العلمية يعتبر بمثابة دعوة لقتل هذا الحيوان، ولا بد من حملة توعية لإنقاذ الضبع اللبناني، بالتوازي مع التشدد في محاسبة من يعتدي على ضبع قتلا وتعذيبا.
نرجو من القراء الأعزاء النظر إلى الصورة التي تجمع ما بين الضبع المخطط اللبناني والضبع المنقط الأفريقي.