لا يريد وزير البيئة الجديد ناظم الخوري الخروج إلى الإعلام (بيئيا) الا مع مشروع عملي. وهو منذ توليه حقيبة البيئة عكف على دراسة الملفات جيدا قبل الإدلاء بأي تصريح (بيئي). كما دعا موظفي الوزارة إلى مناقشة خطة العمل التي كان قد وضعها الوزير رحال، لاعتقاده ان "الحكم استمرار"، وان الموظف العامل في وزارة البيئة اذا شارك في القرار يمكن ان يشارك بشكل أفضل في التنفيذ. وقد تم تبني معظم خطة الوزارة السابقة مع بعض التعديلات بالإضافة الى متابعة بعض مشاريع القوانين والمراسيم والقرارات التي أعدت سابقا.
بعد تلقي ملاحظات الموظفين على الخطة المقترحة عاد الوزير ونشرها على موقع الوزارة لمناقشتها مع من يرغب من الرأي العام او المختصين. كما جمع حولها أيضا حلقة استشارية من العديد من المختصين والوجوه البيئية، طلب منهم رأيهم، وأن يشكلوا حلقة استشارية دائمة للوزارة في عهده. ولان بعض الآراء في اللقاء التشاوري المذكور ركزت على ضرورة وجود إستراتيجية بيئية، قرر ان يبدأ دراسة كيفية بدء الإعداد لها.
اما الموضوع الأول والملح الذي طلب الإعداد له فهو موضوع المقالع والكسارات. فبعد ان اتخذ قرارا بعدم إعطاء أي تراخيص جديدة منذ تسلمه حقيبة البيئة، طلب من فريق عمل الوزارة المختص، مع بعض المستشارين، إعادة درس وتقييم هذا الملف، وإعادة النظر بالشروط والمواصفات والمعايير، على قاعدة جديدة تحت عنوان: ما يحتاج الى قرارات وزارية يتم تغييره وما يحتاج الى مراسيم يتم طلب تعديلها، وما يحتاج الى قوانين يتم الإعداد لها.
تقول المصادر المتابعة للملف في الوزارة ان الهم الآن هو في كيفية توضيح التشريعات والمفاهيم، ولا سيما إمكانيات التلاعب بالقرارات والتراخيص. فالتشريعات والقرارات المطلوبة هي لتوضيح ما معنى الترخيص بـ "فقاشة" بحص؟ ما هو حجمها وجهة استعمالها وكيفية الترخيص لها ومراقبة عملها. اذ من المعروف ان الكثير من "رخص الفقاشات" الصغيرة، شغلت كسارات كبيرة!
كما يتم العمل على توضيح مفاهيم وتراخيص مثل "الغربال" وأخرى مثل رخصة "نقل الستوكاج" او "استصلاح الأراضي"... والتي تعني جميعها الترخيص بطريقة ملتوية لعمل مقالع وكسارات ومرامل من دون ان يتم التدقيق في المناطق المصنفة او في التراخيص نفسها التي تتطلبها مثل هذه الاستثمارات ومن دون ان يدخل الى الخزينة الضرائب والرسوم الحقيقية التي يفترض ان يدفعها القطاع.
الا ان التحدي الأساسي أمام الوزير الجديد، هو في شقين أساسيين يتعلقان بهذا الملف: الاطار التشريعي والتنظيمي والمخطط التوجيهي لتحديد الأماكن المسموح الاستثمار فيها. ومعيار النجاح في ادارة هذا الملف هو في مدى الالتزام بضرورة اقرار قانون بدل المراسيم التنظيمية، ومدى الالتزام بفكرة حصر الاستثمار في مشاعات الدولة وفي أملاك مصرف لبنان، لكي تكون الخزينة هي المستفيد الاكبر من هذا القطاع.
فأي خيار سيتخذ وزير البيئة الجديد ناظم الخوري بعد ان حصل فلتان كبير في نهاية عهد الوزير السابق؟
نهاية المهل
أقر مجلس الوزراء في آخر جلسة عقدت في قصر بعبدا العام 2009 ، مشروع تعديل مرسوم تنظيم المقالع والكسارات. وهو التعديل الثالث منذ العام 2002، والقرار رقم 57 منذ العام 1932، بينها 33 قرارا لمجلس الوزراء منذ العام 1991 لمحاولة تنظيم هذا القطاع!
وافق مجلس الوزراء على مشروع المرسوم الذي عرضته وزارة البيئة والرامي الى تعديل المرسوم رقم 8803 تاريخ 4/10/2002 المعدل بالمرسوم رقم 16456 تاريخ 27/2/2006 (تنظيم المقالع والكسارات) على أن تعتمد الخريطة المرفقة بالمرسوم رقم 8803/2002، بعد أن تضاف الى الخريطة المرفقة بالمرسوم رقم 8803/2002 المواقع التالية (أ): عين ابل، مجدلزون، عرمتى، العيشية، فاريا، كفور العربي، فنيدق، مشمش، القاع، رأس بعلبك، عين بورضاي وطاريا. كما تمت الموافقة على أن تشطب من الخريطة المقترحة المواقع التي تعتبرها "غير العلمية" التالية (ب): بصفور، الكفور، سردة، ترشيش (جبل لبنان)، المتين، وطى الجوز، الحواكير، البساتين، النبي شيت، قوسايا، التويتة ترشيش (البقاع)، بر الياس ومدوخا. تعطى مهلة سنة قابلة للتجديد لسنة واحدة للمقالع والكسارات الواقعة خارج نطاق المواقع الملحوظة في البندين (أ و ب) التي تتوافر فيها الشروط البيئية المنصوص عليها في المرسوم رقم 8803/2002 ليتسنى لها تسوية أوضاعها والانتقال، إذا شاءت، الى المواقع الملحوظة بهذا المرسوم، مع تأكيد عدم توجب أي حق بالتعويض عنها جراء توقفها نهائيا عن العمل فور انتهاء مهلة التمديد.
كما تقرر تمديد المهلة الإدارية لمدة شهرين ابتداء من تاريخ صدور هذا القرار فقط للمقالع والكسارات التي أفادت من المهلة الادارية قبل تاريخ 31/12/2008 ليصار خلال هذه المهلة الى تسوية أوضاعها وفقا للمرسوم رقم 8803/2002 وتعديلاته.
كما تقرر استطلاع رأي مجلس شورى الدولة في شأن النتائج القانونية والمالية التي قد تترتب لأصحاب المقالع والكسارات المرخصة سابقا في حال تطبيق المرسوم رقم 8803/2002 والمواقع المحددة بموجب الخريطة المرفقة به والمقررة بموجب هذا القرار.
وكما كان متوقعا قبل نحو سنتين، فإن الخلفية التي صيغ من أجلها هذا القرار، ليس من أجل إيجاد حل نهائي تنظيمي، بل إعطاء مهلة سنتين للمقالع والكسارات غير الشرعية، ومحاولة تحسين شروط الاستثمار وتخفيف الأضرار واستيفاء بعض الرسوم، بانتظار ظروف أفضل وحل أمثل. انتهت المهلة منذ اكثر من ثلاثة اشهر، وحصلت عمليات تسلم وتسليم بين الوزير رحال والوزير الجديد ناظم الخوري، وقد تريث الاخير كما اسلفنا في اعطاء أي رخص جديدة قبل دراسة واعادة تقييم الملف. فهل حان الوقت للخروج بحل امثل. وما هو؟
غياب الاستراتيجية
لم ترق المقترحات لادارة هذا الملف حتى تاريخه الى المستوى الاستراتيجي، إذ لم تنطلق من تحديد الحاجة الى هذا القطاع ولم تربط تلك الحاجة بالاستعمالات كلها، ولا بخطط واستراتيجية التنمية المستدامة التي كان يفترض أن تضعها وزارة البيئة. كما ضربت هذه التعديلات عرض الحائط كل الطروحات التي تقدم بها بعض البيئيين المتخصصين في الملف منذ سنوات (ولا سيما دراسة حزب البيئة اللبناني في نيسان (ابريل) 2006)، الذين اقترحوا إصدار مشروع قانون للتنظيم بدل المراسيم، وحصر الاستثمار في منطقة مركزية واحدة لحصر الأضرار (التي لا بد منها) ولتسهيل عملية المراقبة والمحاسبة، وتسهيل عملية إعادة التأهيل في ما بعد، وإيجاد شبكة طرق خاصة، وحصر الاستثمار في أملاك الدولة أو المشاعات، لمنع الصفقات المشبوهة التي رافقت هذا الملف، وحصر الافادة الكبرى من عائدات هذا القطاع بخزينة الدولة. واعتماد معايير بيئية وفنية، لا معايير سياسية ومناطقية وطائفية ومصلحية.
كما لم يلحظ المشروع موضوع تأهيل المواقع المشوهة التي تتجاوز مساحتها أربعة آلاف هكتار. ولا عرفنا كيف ستقدر الرسوم المتوجب تحصيلها، حسب المرسوم الذي أقر. ولا لحظ المرسوم كيفية إلزام المشوهين بإعادة تأهيل المواقع على نفقتهم بالرغم من حصول وزارة البيئة على هبة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 316167 يورو لتنفيذ مشروع إعادة تأهيل مواقع المقالع في لبنان، التي قبلت بمرسوم رقم 14685 منذ تاريخ 20/6/2005 !
الأسباب الموجبة لقانون جديد؟
بالرغم من أن المرسوم رقم 8803/2002 وتعديلاته قد لحظ معظم النقاط والشروط الواجب توفرها لتنظيم القطاع. الا ان الحاجة ظلت ملحة لاستصدار قانون لتنظيم المقالع والكسارات ومحافر الرمل. وذلك للأسباب التالية:
1-ان القوانين القديمة التي تلحظ الموضوع عديدة ومتناقضة أحياناً ولا يمكن إلغاؤها بمرسوم، فهي تتطلب قانونا.
2-ان المرسوم رقم 8803/2002 وتعديلاته قابل للطعن لأسباب معظمها شكلية تعود الى ضرورة احترام ما نصّت عليه القوانين السابقة في ما يعود للإجراءات الواجب اتباعها (كقانون التنظيم المدني على سبيل المثال).
3-ان المرسوم رقم 8803/2002 لم يشمل خطة التأهيل وإعادة التأهيل للمقالع المقفلة نهائياً وسياسة استعمال المقالع بعد اقفالها خاصة تلك التي كانت قد استثمرت قبل صدور المرسوم المذكور او حتى قبل إنشاء وزارة البيئة.
4-لم يشمل المرسوم الموارد المالية أو آلية التمويل المحتملة (إنشاء صندوق تعاضدي لتوفير المصادر المالية اللازمة لتغطية نفقات خطة إعادة تأهيل مواقع المقالع القديمة المهجورة والمتوقفة عن العمل).
5-درس إمكانية استيفاء رسوم دراسة الملفات المقدمة الى وزارة البيئة اسوة بما يعمل به من قبل وزارة الصناعة لدى استلامها للملفات المقدمة اليها والمتعلقة بالترخيص للمؤسسات الصناعية المصنفة.
6- فرض عقوبات يسمح بها القانون لم تكن مأخوذة بعين الاعتبار كون الإطار التشريعي الذي كان يعمل به هو مرسوم لا قانون.
7-فصل كل تشابك ممكن مع الإدارات المعنية بهذا الملف ومنها نذكر وزارة الداخلية والبلديات ووزارة الطاقة والمياه الخ...
8-إضافة تسميات وتعابير جديدة لم تكن ملحوظة في المرسوم رقم 88.3/2002 ومنها إعادة تأهيل المواقع الكسارات الصغيرة الخ...
ويمكن ان يضاف الى الأسباب الموجبة التي يقترحها مشروع القانون الذي بدأ الاعداد له في عهد الوزير رحال: التغيير في نوعية الضريبة من الرسوم على الأمتار المربعة التي تسببت بتشويه المواقع الى الرسوم على الأمتار المكعبة المستخرجة والتي تؤمن مداخيل إضافية. بالإضافة الى حصر الاستثمار في مشاعات الدولة او في الأملاك التي يملكها مصرف لبنان وإيجاد آلية لتأجير هذه الأراضي واستصلاحها وتشجيرها.
المشاعات وأملاك مصرف لبنان
لطالما رفضت فكرة حصر الاستثمار في الاملاك العامة على انواعها: املاك الدولة العمومية والخصوصية والمشاعات وأملاك مصرف لبنان وتلك الاميرية... بحجة انها لا تكفي للاستثمار. وكانت هذه الحجة بين الحجج الرئيسية لاحد وزراء البيئة الذين كان لهم مصلحة في السماح بالاستثمار في الاملاك الخاصة، كونه كما قيل، ساهم في شراء ارض في إحدى المناطق مع بعض الشركاء، قبل أن يضرب قلمه الذهبي لتعديل المخطط التوجيهي، للاستثمار!
وكانت حجته العلنية ان المنطقة المصنفة في السلسلة الشرقية لا تكفي لسد حاجة البلاد من البحص، ولا توجد فيها امكانية لاستثمار المرامل.
فما هي حقيقة هذا الموضوع؟ ما هو حجم العقارات والمساحات في المناطق المصنفة؟ وما هي قدرتها على الإنتاج؟ وأي مخزون فيها؟ وهل تكفي حاجة البلاد من مادة البحص؟
حسب مديرية الشؤون العقارية، مصلحة المساحة في دائرة البقاع، وبعد مراجعة ارقام وأعداد العقارات الداخلة ضمن المواقع المقترحة لاستثمار المقالع والكسارات بموجب المرسوم 8803 الصادر بتاريخ 7/10/2002 ، تبين ان مساحتها الاجمالية تقدر بـ: 365,172 كلم2 ، وان مجموع مساحات الاراضي المصنفة هي: 82,88 كلم2 في عرسال و37,70 كلم2 في الطفيل، 457,3 في رعيت، 718,9 في عيتا الفخار... وهي في معظمها اما ملك الدولة او مشاعات أو ملك مصرف لبنان، أو لا معلومات حولها، كما افادتنا المصادر المعنية. مع العلم ان عدد العقارات التي تملكها الدولة في منطقة البقاع وحدها، والتي كان يمكن ان يتم الانتقاء من بينها للاستثمار، يتجاوز 29 ألف عقار!
وإذا اعتبرنا، انه وفق شروط الاستثمار المحددة في المرسوم التنظيمي للمقالع والكسارات، على طالب رخصة مقلع لحجر التزيين ان لا تقل مساحة المقلع عن 5000 متر مربع، وعشرة آلاف متر مربع لمحافر الرمل وعشرين ألف متر لمقالع الكسارات، يمكن الاستنتاج ان المنطقة المصنفة يمكن ان تستوعب 8600 استثمار كبير لمقالع وكسارات كبيرة.
مع العلم أن عدد المقالع والكسارات التي كانت تعمل في ذروة عمليات اعادة البناء والاعمار بعد الحرب، ولا سيما اثناء مشروعي توسيع المطار وسوليدير، كان 380 مقلعاً وكسارة، وكانت حاجة البلاد لمواد البحص قد قدرتها دراسة "دار الهندسة" بما يقارب 20 مليون طن سنوياً (ما يعادل تقريبا 13 مليون متر مكعب سنويا)، وان معدل القدرة الانتاجية لمقلع ذي حجم استثماري متوسط هو 63 ألفاً و360 متراً مكعباً في السنة، وان معدل عدد المقالع لتلبية الحاجة الوطنية المذكورة هو 210 مقالع.
وتبين الدراسة الاولية للمواقع، مقارنة مع دراسة "دار الهندسة"، ان مخزون منطقة عرسال التقريبي من البحص، حسب المساحة المذكورة سابقاً هو ثلاثة بليارات وثلاثمئة مليون متر مكعب، ومخزون منطقة الطفيل (التي يملك فيها مصرف لبنان مساحات كبيرة تقدر بما يتجاوز 40 مليون م2) هو بلياران وخمسمئة مليار متر مكعب على سبيل المثال لا الحصر!
وكان احد الخبراء قد كلف بإجراء دراسة وزارة البيئة حول الموارد والعائدات التي يمكن ان تحققها الخزينة من هذا القطاع لناحية رسوم الترخيص وبدل الاستثمار ورسوم المراقبة، والتي رفعت الى وزارة المالية لاقرارها، والتي كان يفرض ان تطال المقالع والكسارات ومحافير الرمل ومجابل الزفت، ومقالع الصخور لصناعة الموزاييك، ومقالع الحجر التزييني وحجر البناء ومقالع الصخور لصناعة الترابة...
وقد قدرت هذه الدراسة الحاجة السنوية من البحص بـ 13 مليوناً و333 ألف متر مكعب، أي 20 مليون طن، والمجموع السنوي العام للرسوم التي يفترض ان تجبى من قطاع مقالع الكسارات فقط هو ما يقارب 9 مليارات ليرة لبنانية. هذا من دون احتساب الارباح التي يمكن ان تؤمنها الخزينة من جراء تأجير الاراضي، كون معظم هذه المناطق المصنفة، كما اسلفنا، هي مشاعات او ملك الدولة.
ويقترح الفنيون المتابعون ان يستخدم قسم من الضرائب والرسوم التي يمكن ان تحصلها الدولة من عمل هذا القطاع لشق طرق خاصة لسير الشاحنات، او اعــــادة تأهيل سكة الحديد التي كانت تربط بيــــروت بضهر البيدر فالبقاع، والتي يمكن نقل الانتاج فيها بأقل كلفة وضرر ممكنين.
بتصرف عن جريدة "السفير" اللبنانية
الصور لـ "غدي نيوز