تشير توقعات الخبراء إلى أن الولايات المتحدة الاميركية تواجه خطر أسوأ موجة جفاف شهدتها على مدار أكثر من 50 عاماً، حيث تعرضت المحاصيل على امتداد البلاد خلال شهر تموز (يوليو) الماضي، الذي يفترض أنها تكون أكثر اخضراراً خلاله، للذبول والجدب، حيث يتوقع أن تتراجع قدرتها الانتاجية بنسبة تقل35 بالمئة عن المعدل. وخلال فترات الجفاف هذه تشتد الحاجة لتعديل النباتات وراثياً لتستهلك كميات أقل من المياه. لكن التكلفة والوقت اللازمين لعرض النباتات المعدلة وراثيا في السوق جعلت الكثيرين يبحثون عن أسرع الحلول.
حلول مختصرة
وربما تكمن إحدى هذه الحلول المختصرة في الميكروب النباتي المؤلف من تشكيلة من البكتيريا والفطريات والفيروسات التي تعيش في الجهاز الجذري لكل نبات. فالنباتات التي تعيش في البيئات المتطرفة، مثل سفوح جبال إيفرست أو صحراء ولاية يوتاه، تستخدم الميكروب النباتي من أجل تحمل الظروف القاسية. يقول راسل رودريغيز من جامعة واشنطن في سيات: "النباتات لا تستطيع أن تفعل ذلك من تلقاء نفسها".
في مقابل التغذية، فإن الكائنات الحية الدقيقة تساعد النباتات على امتصاص النيتروجين من التربة وحمايتها من الحرارة و الجفاف والكائنات المسببة للأمراض. وفي عام 2002، كان رودريغيز وزملاؤه يدرسون عشب يسمى "ديشانثيليام لانوغينيسوم"، والذي ينمو عند درجة حرارة 70 درجة مئوية في الينابيع الحارة بمنطقة "يلوستون".
وعندما قام فريق الباحثين بتعقيم بذور الحشائش لإزالة الفطريات التي تنمو داخل النباتات، المعروفة أيضاً باسم النباتات الطفيلية الداخلية، فإن الأعشاب أصبحت عاجزة عن النمو في ظروف درجات الحرارة المرتفعة.
اختبار الفكرة
وأوضحت "نيوساينتست" أن ذلك قد أعطى فريق الباحثين فكرة، مفادها أنه ربما يكون نقل الميكروب من النباتات ذات القدرة على تحمل الجفاف إلى نباتات طبيعية من شأنه أن يساعدها على استخدام كميات مياه أقل. ومن أجل اختبار هذه الفكرة، قام رودريغيز وزملاؤه بنزع الأبواغ (خلايا التكاثر اللاجنسي) من النباتات الطفيلية الداخلية من عشب "ديشانثيليام لانوغينيسوم" وغرسوها في حبوب القمح التي تنمو طبيعياً في درجة حرارة تصل إلى 38 درجة سيليزية، ومن خلال هذه الأبواغ، يمكن أن ينمو القمح عند درجة حرارة 70 درجة مئوية ويكون بحاجة إلى كمية أقل من المياه بنسبة 50 بالمئة.
ولفتت "نيوساينتست" إلى أن الميكروبات النباتية المختلفة يمكن أن تضفي عناصر قوة على عدد من المحاصيل. وقام رودريغيز أيضاً بعزل نبات الفراولة وأعشاب الكثبان العاشقة للأملاح، التي تنمو فوق المرتفعات عند درجة حرارة منخفضة تصل إلى 5 درجات مئوية. كما تمكنت نباتات الأرز التي تم رشها بهذه الفطريات من تحمل الأملاح والبرودة، ونمت أيضاً بحجم أكبر بخمس مرات، واحتاجت نصف كمية المياه التي تحتاجها النباتات الأخرى.
وجاءت النتائج فورية بعد 24 ساعة من رش هذه النباتات بالفطر، حيث تفرع عدد أكبر من الجذور فيها مقارنة بمثيلاتها التي لم تخضع لهذا النوع من المعالجة. وبذلك وجد الباحثون أنهم أمام جينات قادرة على مقاومة الضغط وتحمل الجفاف، الأمر الذي يشير إلى أن النباتات الفطرية الداخلية يمكن أن تساعد المحاصيل على تحمل الجفاف الذي يجتاح مناطق من الولايات المتحدة.
تحفيز الاستقلاب
ويعتقد رودريغيز أن الفطريات يمكن أن تحفز عملية الاستقلاب في النباتات، على الرغم من أن هذه الآلية الدقيقة لا تزال غير واضحة.
ويقول: "لدى النباتات القدرة على القيام بكل هذه الأمور، لكنها لا تستطيع أداء دورها دون مساعدة الفطريات".
وفي الوقت الذي تتضمن هذه العملية محاولات التعديل الوراثي للنباتات لكي تصبح أكثر قدرة على تحمل الجفاف، وتحفيز المسارات الأيضية محاولة في كل مرة، وهي عملية مكلفة، فإن الفطريات يبدو أنها تنشطها جميعاً في عملية واحدة