خاص "غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
يؤكد الباحث في الجيوفيزياء Geophysics من جامعة ليدز University of Leeds البروفسور جون ماوند Jon Mound، في مقالة نشرها موقع The Conversation أن المجال المغناطيسي للأرض انقلب مرات عدة في السابق، وقال: "المجال المغناطيسي للأرض يحيط كوكبنا مثل حقل عبارة عن قوة غير مرئية، ويعمل على حماية الحياة من الإشعاع الشمسي الضار عن طريق حرف مسار الجسيمات المشحونة بعيدا، وبعيدا عن كونه ثابتا، فإن هذا المجال يتغير باستمرار".
وأضاف أن "تاريخ كوكبنا شهد على الأقل مئات عدة من الانعكاسات المغناطيسية العالمية، حيث بادل قطبا الشمال والجنوب المغناطيسيان الأماكن"، وتساءل: "لذلك عند حصول الإنعكاس القادم، فكيف سيكون تأثير هذا على الحياة على الأرض؟".
أقطاب عدة؟
وقال أنه "خلال انعكاس القطبين، فإن المجال المغناطيسي لن يكون صفرا، لكنه سيكون أضعف ويكون بوضع معقد نوعا ما، ومن الممكن انخفاضه إلى 10 بالمئة من حيث قوته الحالية، وقد تكون الأقطاب في خط الإستواء، أو من الممكن وجود أقطاب عدة شمالية وجنوبية".
وقال ماوند: "تحدث الإنعكاسات المغناطيسية بالمعدل عدة مرات خلال مليون سنة، إلا أن الفترة بين الإنعكاسات مختلفة، وقد تكون الفترة بينها عشرات الملايين من السنين"، ويعطي مثلا عن "الإنعكاس الكلي وهو Brunhes-Matuyama الذي حدث قبل حوالي 780 ألف سنة، فضلا عن انعكاس جزئي وهو (حدث لاسشامب) the Laschamp event وحدث قبل 41 ألف عام، وأنه استمر حوالي 1000 عام، مع بقاء القطبين منعكسين فترة 250 سنة".
مشاكل في الكهرباء أم انقراض؟
وأشار ماوند إلى أن "تأثير تغير المجال المغناطيسي للأرض، قد ينجم عنه ضعف في غلاف الأرض الواقي من الأشعة الشمسية، مع ارتفاع نسبتها على الأرض، وإن حدث اليوم، فوجود الجزيئات المشحونة سيؤثر على عمل الأقمار الصناعية، الطيران، والبنية التحتية للكهرباء"، وأعطى مثلا آخر ممثلا بـ Halloween storm العاصفة التي حدثت في العام 2003، وأدت إلى انقطاع في الكهرباء، وإعادة تسيير الطائرات في مسارات جديدة خوفا من انقطاع الإتصال بها ومخاطر الإشعاع، فضلا عن مشاكل في الإتصالات خصوصا في الأقمار الصناعية، ويؤكد أن هذه العاصفة قليلة بالمقارنة مع (حادثة كارينغتون) Carrington event التي حدثت في العام 1859 وأدت إلى ظهور الشفق القطبي aurora جنوبا وصولا إلى الكاريبي".
وقال إن "تأثير عاصفة كبرى مثل ما سبق على البنية التحتية الإلكترونية اليوم ليس معروفا تماما، بالطبع فأي وقت نقضيه دون كهرباء والتدفئة وتكييف الهواء والـ GPS أو الإنترنت سيكون لها تأثير كبير، فإن انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية تبلغ عشرات المليارات من الدولارات يوميا".
وتابع ماوند: "من حيث الحياة على الأرض والأثر المباشر لانعكاس القطبين على الأنواع، فلا يمكننا التنبؤ بشكل نهائي ما سيحدث، خصوصا وأن البشر لم يكونوا موجودين في وقت الانعكاس الكامل الماضي، وقد حاولت العديد من الدراسات ربط الانعكاسات الماضية مع الانقراض الجماعي، ما يشير إلى بعض الانتكاسات والثورات البركانية الموسعة يمكن أن تكون مدفوعة بسبب مشترك، ومع ذلك، لا يوجد دليل على أي نشاط بركاني كارثي وشيك، ولذا فمن غير المرجح أن نتعامل مع تأثير الإنعكاس الكهرومغناطيسي إذا حصل، في وقت قريب نسبيا".
وأشار ماوند إلى أن "ما نعرفه أن العديد من الأنواع الحيوانية لديها شكل ما من الحواس المغناطيسية التي تمكنها من الشعور بالمجال المغناطيسي للأرض، وقد تستخدم ذلك للمساعدة في التنقل لمسافات طويلة أثناء الهجرة، ولكن من غير الواضح ما هو تأثير انعكاس القطبين على مثل هذه الأنواع، لكن ما هو واضح هو أن البشر في وقت مبكر تمكنوا من العيش خلال (حدث لاسشامب) وأنواع عديدة من الأحياء نجت من مئات الانتكاسات والإنعكاسات الكاملة كما يتضح في السجل الجيولوجي للأرض".
هل يمكن التنبؤ بموعد الإنعكاس المقبل؟
وقال ماوند: "الحقيقة البسيطة مفادها أننا تأخرنا من أجل الانعكاس الكامل للقطبين، وحقيقة أن مجال الأرض يتناقص حاليا بمعدل 5 بالمئة لكل قرن، قد أدى إلى اقتراحات بأن المجال قد ينعكس في غضون الألفي سنة القادمة، ولكن تحديد موعد محدد - على الأقل حتى الآن - سيكون صعبا".
وأضاف: "ينشأ المجال المغناطيسي للأرض داخل النواة السائلة في كوكبنا، من التماوج البطيء للحديد المنصهر، ومثل الجو والمحيطات، فإن الطريقة التي يتحرك بها تحكمها قوانين الفيزياء، ولذلك ينبغي أن نكون قادرين على التنبؤ (بطقس النواة) من خلال تتبع هذه الحركة، تماما كما يمكننا التنبؤ بالطقس الحقيقي بالنظر إلى الغلاف الجوي والمحيطات، ويمكن بعد ذلك تشبيه الإنعكاس لنوع معين من العاصفة في نواة الأرض، حيث ديناميكيات ومجالها المغناطيسي يصبحان خارج السيطرة (على الأقل لفترة قصيرة)، قبل أن تستقر مرة أخرى".
وأشار ماوند إلى أنه "من الصعوبة التنبؤ بالطقس بعد بضعة أيام، وهو أمر معروف على نطاق واسع، على الرغم من أننا نعيش في (الجو) ونلاحظه مباشرة، ومع ذلك، فإن التنبؤ بنواة الأرض هو احتمال أكثر صعوبة، وذلك أساسا بسبب وجود هذه النواة على عمق 3 آلاف كيلومتر من الصخور بحيث تكون ملاحظاتنا ضئيلة وغير مباشرة، ومع ذلك، نحن لسنا عميانا تماما، ونعلم تكوين كثير من المواد داخل النواة وأنه مادة سائلة، كما أن شبكة عالمية من المراصد الأرضية والسواتل (المحطات الفضائية) المدارية تقيس كيف يتغير المجال المغناطيسي، ما يعطينا نظرة ثاقبة على كيفية تحرك النواة السائلة".
وختم ماوند: "أما الاكتشاف الأخير لـ (تيار نفاث) jet-stream داخل النواة، قد ساهم بتسليط الضوء على براعتنا المتطورة وزيادة قدرتنا على قياس واستنتاج ديناميات النواة، إلى جانب المحاكاة العددية numerical simulations والتجارب المختبرية لدراسة ديناميات السوائل داخل كوكبنا، لذا فإن فهمنا يتطور بمعدل سريع، واحتمال أن نكون قادرين على التنبؤ بجوهر الأرض ربما ليس بعيدا عن متناولنا".