"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
فراشة رائعة بألوانها الزاهية، أضفت على الخريف بعضا من معالم الجمال بين "ذهب" الأعشاب الصفراء، وكأنها بحضورها أعلنت قدوم ربيع جديد.
فراشة وثقتها عدسة الناشطة السيدة منى خليل التي نذرت حياتها لحماية السلاحف على شاطىء المنصوري في جنوب لبنان (قضاء صور) وحولته "حمى" لتبقى هذه الكائنات الرائعة بمنأى عن خطر الانقراض، وخصت خليل موقعنا ghadinews.net بعد الإتصال بها لإعداد تحقيق عن فراشة تتسم بفرادة جمالها.
زرقط: نوع من العث
بدورنا، ولأجل التعرف على هذا الكائن الرقيق، تواصلنا مع الباحث الدكتور حسين زرقط، وكنا قد تابعنا معه تحقيقا حول كتابه وهو أول مرجع علمي لكاتب عربي حول الفراشات، وعنوانه "الدليل الحقلي عن الفراشات في لبنان والشرق الأوسط"A Field Guide to the Butterflies of Lebanon and the Middle East، وبعد مشاهدته الصور قال لـ ghadinews.net: "هذه الحشرة معظم الناس يظنها فراشة Butterfly ولكنها نوع من (العث) Moth، وهناك بعض الفروق بينها، لا يميزها إلا الخبراء والمهتمين في هذا المجال، وفي كتابي السابق (الدليل الحقلي) لم أذكر سوى الفراشات وبعض أنواعها المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط، وللمقارنة، فبينما يبلغ عدد أنواع الفراشات في لبنان 165 نوعا، فإن أعداد أنواع العث تتراوح بين 600 و800 نوعا، وحول العالم هناك أكثر من 160 ألف نوع من العث، بالمقارنة هناك 19 ألف نوع من الفراشات"، ولفت زرقط إلى أن "التنوع الأكبر لهذه الحشرات من فراشات وعث متواجد في جنوب شرق آسيا وجنوب أميركا".
العثة المنقطة القرمزية
وعن الصورة التي التقطتها خليل، قال زرقط: "هي من نوع العث وهي (العثة المنقطة القرمزية) Crimson-speckled moth واسمها العلمي Utetheisa pulchella، وهي تتغذى على رحيق أزهار اللانتانا Lantana"، وأضاف: "مدى أجنحة هذه العثة يبلغ بين 29 و42 ميلليمترا، وهي نوع شائع في العالم القديم، بما في ذلك لبنان، تتواجد في مناطق متنوعة منها الأراضي الجافة، والمراعي، والمروج، والأشجار، والحدائق والمتنزهات، أما اليرقات فلديها نتوءات تشبه الثآليل، وألوانها تتنوع بين الرمادي إلى البني الداكن، مع خصل من الشعيرات الرمادية ومخططة بخطوط ظهرية وجانبية بيضاء، وهي تقضي الشتاء عادة كيرقة، أو كشرنقة خلال الشتاء المعتدل، وعادة ما تتكاثر بأجيال عدة في السنة، وتحدث عملية التشرنق على الأرض، في بقايا الأوراق، السماد (المواد المتحللة) compost، أو تحت الأغصان، وعادة ما تكون هذه الشرانق قريبة من النباتات المضيفة، أما الحشرات البالغة، على عكس معظم أنواع العث الأخرى التي تطير خلال الليل، فهي تطير خلال النهار والليل على حد سواء".
أما عن النباتات المضيفة، فأشار زرقط إلى أنها "تشمل النباتات المضيفة Myosotis (ميوزوتيس)، Echium (حشيشة الافعى)، Anchusa (لسان الثور)، Heliotropium (رقيب الشمس)، Lithospermum (شنجبار)، Solanum (أفانية)، Plantago (لسان الحمل)، ووجودها على نبتة Lantana بسبب كون هذا النبات غني بالرحيق، ولكنه ليس أحد النباتات المضيفة لهذا النوع، أما ألوان النوع الزاهية فتخدم الحشرات البالغة لردع المفترس aposematic، كما أنها سامة وغير مستساغة بسبب كميات كبيرة من القلويات Alkaloids التي تتغذى عليها في طور اليرقة".
وعما إذا كان هذا النوع يشكل آفة على المزروعات، أجاب زرقط: "تشير الدراسات إلى أن هذا النوع يشكل آفة على بعض النباتات المضيفة خصوصا لسان الثور Anchusa وحشيشة الأفعى Echium وتتسبب اليرقات بأضرار لأوراق هذه النباتات"، وأشار إلى أن "الحشرات البالغة لا يستسيغها المفترس من طيور وخفافيش وعناكب وحشرة (فرس النبي) وتعرف أيضا بالـ (سرعوف) Mantis، الزواحف والبرمائيات بسبب كميات كبيرة من السموم القلوية التي تناولتها كيرقات، وإن افترسها فإن رد الفعل غير السار الذي يعقب ذلك، سيعّلم المفترس تجنب عثة أخرى بنفس نمط الألوان أو ما شابه، وهذا من شأنه أن يوفر استراتيجية ناجحة للبقاء على قيد الحياة لهذا النوع، أي أن الحيوانات المفترسة ستتعلم تجنب هذا النوع كعنصر غذائي".
ولكن عند سؤاله كيف تتم السيطرة على أعدادها، أردف: "أعتقد أن الحيوانات المفترسة التي طورت طرقا للتعامل مع السموم ستكون قادرة على افتراسها، كما وأعتقد أن آلية أخرى للسيطرة على أعدادها هي الطفيليات التي تصيب العثة أثناء عملية تحولها إلى حشرة كاملة".
شاطئ المنصوري
بالعودة إلى مكان الصورة، فإن حمى شاطئ المنصوري المميز بتنوع بيولوجي فريد، والمعروف بخليج السلاحف، غني بحشرات وطيور وبرمائيات وحيوانات ويواجه تحديات كبيرة، إلا أن ما يميز الحمى أنه المقصد المعد لاستقبال نوعين من السلاحف البحرية لتعشش في هذا الشاطئ ومناطق قليلة من لبنان، لتعيد دورة حياتها بعد بلوغها، وهما: السلحفاة الضخمة الرأس Loggerhead sea turtle واسمها العلميCaretta caretta ، والسلحفاة البحرية الخضراء Green Turtle واسمها العلمي Chelonia mydasويعتبر هذين النوعين من الأنواع المهددة بالانقراض عالميا بحسب القائمة الحمراء العائدة للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة IUCN.
ويبدو أن ثمة اتجاها لإقامة مجمع سياحي قرب ملاذ هذه الكائنات الحية وغيرها، ومع هذا التوسع العمراني الذي إمتد الى الشواطىء التي تعشش فيها، وخصوصا شبكات الاضاءة التي ستقام في المنطقة، فإنها سوف تمنع السلاحف من العودة، وقد تضلل صغارها وهي تشق طريقها باتجاه البحر، فضلا عن الانقاض والنفايات التي تسمم الشواطىء وتغير طبيعتها، ولا سيما البلاستيك الذي تلتهمه معتقدة أنه طعامها المفضل وهو القناديل ما يتسبب بانسداد في أجهزتها الهضمية ونفوقها جوعا، ولا ننسى ما تواجهه من مخاطر أن تعلق بالشباك والأنقاض، واصطدامها بالقوارب والمراكب ما قد يقوّض أعداد هذه الكائنات المهددة بالإنقراض.
وقد تمكنت خليل من منع العديد من المشاريع في المنطقة منها مدينة ملاه وغيرها ولكنها وجهت مؤخرا نداءات عدة، خصوصا بعد أن تحول المشروع الذي كان من المفترض أنه منزل ومسبح، إلى مشروع سياحي كامل، على الرغم من قرار بلدي بإعلان الشاطئ حمى، فضلا عن وجود ينابيع عدة، ما يعني أن المنطقة زراعية وسياحية ضمن ترتيب الأراضي ويمنع في هذه الحالة إقامة مشاريع عمرانية، ولكن يبدو أن كل هذه التحديات الجديدة لا زالت تواجه شاطئ المنصوري وتهدد ما يزخر به من ثروات لا تقدر بمال.