"غدي نيوز" - أنور عقل ضو-
وسط حركة الاصطفاف الطائفي والمذهبي وما جلبت من كوارث وويلات للبنان، ومع استمرار مصادرة الأحزاب الطائفية للدولة، فَقَدَ لبنان الكثير من معالمه الطبيعية، جبالا نهشت، وغابات جُرِّفت، وشواطىء صودرت وشوهت، فيما نحن موعودون بأزمات أكبر مع استمرار نهج تدمير البيئة، خصوصا مع توسيع مكبات النفايات الشاطئية، وردم مساحات أكبر من البحر، ما يعني أن الفساد سيبقى ماثلا بقوةِ من يملكون سلطة المال والنفوذ المستمد من عصب الطائفة، وهي تعضد الفاسدين والمفسدين.
لا نعلق آمالا كبيرة على حاضر ومستقبل، فواقعنا السياسي المأزوم كرس انقساما ستمتد مفاعيله سنوات، ما يعني مزيدا من استباحة البيئة بسائر مكوناتها، فيما مؤسسات المجتمع المدني ما تزال في حدود معينة صورة مصغرة عن سلطة الفساد بتلاوينها الطائفية، وإن كانت ثمة استثناءات، ولكن قليلة. ولذلك، لا نجد ممثلين حقيقيين للبيئة، لا بل نرى تجاذبات عنوانها الاستئثار ومصادرة دورنا كبيئيين.
من سابع المستحيلات أن تكون مؤسسات المجتمع المدني قادرة على تأمين رافعة ترتقي بنا من خطاب طائفي إلى منصة علمانية أوسع وأشمل، ولا نزال غير قادرين على تبني العلمنة كنهج سياسي لا يلغي الطائفة، وإنما يرتقي بها إلى فضاء إيماني خارج قيود التعصب، فالبيئة والطائفية لا يلتقيان، فالأولى تمثل فضاءً إنسانيا غير محكوم بهاجس الخوف من الآخر، والثانية تستحضر التعصب، ومع التعصب تغيب لغة العقل، وتسود "ثقافة" تشوه الدين نفسه، أي دين.
من هنا، نجد أن المشكلة ليست في الطبقة السياسية الطوائفية فحسب، وإنما في وسط المجتمع البيئي نفسه غير القادر على أن يكون ديموقراطيا، وغير القادر على توحيد صفوفه فيما نوازع الشخصنة طاغية، وهذا ما يفسر انفضاض المواطنين عن جمعيات بيئية باتت لا تضم أكثر من أعضاء هيئاتها الإدارية!