"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -
أثارت صورة نشرت على مواقع التواصل الإجتماعي "فيسبوك" جدلا واسعا حول طائر اصطاده أحدهم، وتساءل عن "نوع" هذا الطائر، أي أنه اصطاده دون معرفة ما إذا كان من الطرائد المسموح صيدها، ليحاول أن يتعرف إليه لاحقا، ما يطرح السؤال الأهم بالنسبة لقانون الصيد الجديد، هل هذا النوع من الصيد لا يحاسب عليه القانون؟ وهل الهدف إطلاق النار على كل ما يطير في الأجواء؟
يبقى دورنا في موقعنا ghadinews.net ليس الإضاءة على هذه التجاوزات فحسب، بل توعية المواطنين لجهة أن ما يقومون به من صيد جائر يؤدي إلى عواقب وخيمة تطاول الطبيعة والبيئة.
الجدير ذكره، أن عدد هذه التجاوزات لم تعد بذلك العدد كما كانت في السابق، وليس بسبب التقيد بقوانين الصيد، بل لأن بعض مجموعات الصيادين أخذت تبتعد عن عرض "الإنجازات"، أو تجعل مجموعاتها مغلقة على أفرادها، وهو ما لاحظه ناشطون أيضا في الآونة الأخيرة مع طرد كل من يشككون بأمره.
ملف الصيد الشائك
من جهة ثانية، وفي الجدال الحاصل، أشار البعض إلى أن الطائر، هو طائر أبو زريق "المؤذي" لبساتين التفاح، وأنه كان يعيث فسادا في بساتين منطقة جبل الشيخ وراشيا، بالمقابل قال البعض أنه طائر الشْقُرُّق وهو طائر ممنوع صيده لأن أعداده تناقصت إلى درجة كبيرة، ولا يتغذى إلا على الحشرات، وهناك جهود عالمية للمحافظة عليه.
وعلق خبراء في مجال العلوم البيولوجية، فضلا عن صيادين مخضرمين، وناشطون، وهنا لا بد من الإشادة بالجهود التي يبذلونها جميعا في ملف الصيد الشائك، وما يقابلونه من تحديات وعقبات، بدءا من إزالة وسائل الصيد غير المشروعة، من شبك ودبق وآلات صوت والتبليغ عنها، وتوعية المواطنين، فضلا عن التبليغ عن الصيد الجائر بحق الطيور الممنوع صيدها، إلى الجهات المعنية، علما أننا حتى الآن لم نتمكن من توثيق أي عقوبة بحق أي من المتجاوزين والمرتكبين، وأكدوا لنا أنه طائر الشْقُرُّق وأنه يقتات على الحشرات.
وجاءت ردود على الصورة من أوروبا الشرقية، وأكد خبراء من كرواتيا لـ ghadinews.net أن "الطائر هو الشقرّق، أو Eurasian Roller اسمه العلمي Coracias garrulus وتجري محاولات لإنعاش أعداده التي تناقصت بصورة كبيرة في مناطق أوروبية عديدة"، ولفتوا إلى أنه "صيده محظور".
وثمة من وضع صورا تظهر الطائر وهو يأكل إحدى الحشرات السامة (إم أربعة وأربعين)، فيما رد ناشطون لبنانيون مقترحين "وضع شبك أخضر حول الأشجار لحمايتها، إن كانوا يخافون عليها من الطيور"، أو "فزاعة الطيور" لمنعها من الإقتراب، علما أن هناك طريقة جديدة، رصدها موقعنا قرب محمية أرز الشوف المحيط الحيوي، وهي عبارة عن آلة تصدر أصواتا حادة تشبه إطلاق الرصاص لإخافة الطيور التي تقتات على الثمار.
د. جرادي: شْـقُـــرُّق وليس أبو زريق
وبعد البحث والمناقشات، يأتي رأي الأخصائي في علم الطيور الدكتور غسان جرادي، ليقطع الشك باليقين، وليؤكد لـ ghadinews.net أن "هذا شقرق وليس أبو زريق Eurasian jay واسمه العلمي Garrulus glandarius"، وأضاف: "هو لا يشبه الـ "أبو زريق" بشيء ولا يأكل سوي الحشرات، كما أن صيده ممنوع بموجب مراسيم تطبيق قانون الصيد في لبنان".
وقال جرادي لـ ghadinews.net: "أبو زريق موجود ومتوفر بكثرة في المناطق المعتدلة، من إسبانيا غربا إلى وسط آسيا ويتغير شكله قليلا، فالقبعة على الرأس تكون بيضاء وتميل إلى السواد كلما اتجهنا نحو الشرق، ولم يتسبب بأضرار إلا في لبنان، لأن المشكلة في لبنان هي عقلية الناس، فأبو زريق صديق للإنسان، وفوائده كثيرة، وإذا كان لديه أضرار فبنسبة 5 بالمئة، وهو بالتأكيد أقل ضررا من الحيوانات الأخرى وبالتأكيد أقل من الإنسان".
وأضاف: "أبو زريق لا يتغذى خلال الربيع إلا على الحشرات، ويطعم صغاره الحشرات، ولكن مع الخريف، يتغذى على البلوط، ويخبئ منه كميات كبيرة، كل طائر (يخزن) بين 4500 و11 ألف حبة بلوط!".
أبو زريق
وقال جرادي: "يخبئ الطائر حبوب البلوط لأجل الأيام الصعبة خلال الشتاء، وينسى أحيانا أين خبأها، فتنبت وتتحول إلى أشجار، وهذا ما نراه في غاباتنا، ولدينا في لبنان على الأقل مليون طائر منها، تساهم في تشجير البلوط والسنديان، فهو يعوض الكثير من هذه الغابات التي تتأثر بعوامل المناخ والتحطيب الجائر والحرائق وممارسات الإنسان، فالتحريج الذي يقوم به شيء هائل، ولا تستطيع أي دولة أن تزرع كما (يزرع) هذا الطائر".
وأشار جرادي إلى أن "هذا الطائر مثلا لا يأكل البيض، ولكنه إن وجد بيضة مكسورة، فهو يتغذى عليها، وإن تذوقها وأعجبته، يصبح ميالا لتناول البيض، على الرغم من أنه في البداية لا يأكل البيض، وهذا ما يحصل في شجرة التفاح، فالطائر موجود قبل البدء بزراعة التفاح في لبنان، وهناك الكثير من البلدان لا تزرع التفاح وهو متواجد بكثرة، ولكن في لبنان وبعد التوقف عن زراعة شجرة التوت لأجل الحرير بدأوا بزراعة التفاح، وهو بالأصل يحاول أكل الحشرات والدود داخل التفاح، وعندما يتذوق التفاح خلال تغذيه على الحشرة والتخلص من الآفات، تعجبه نكهتها وطعمها، ورائحتها، ولكنه لا يأكل كثيرا، خصوصا أنها حلوة، وهو يحافظ على نفسه بعدم الأكل كثيرا، وأيضا لأنه يعتمد على الحشرات بالدرجة الأولى".
وقال: "لا يشمل غذاؤه الحشرات فحسب، بل يتغذى على الجيف، خصوصا الحيوانات الصغيرة، نحن لا نرى هذه الأفعال الجيدة لصالح الطبيعة، فهو ينظف الغابة أيضا من الحيوانات النافقة، وبالمحصلة في 98 بالمئة من الحالات يأكل الحشرات والجيف والحيوانات النافقة والبلوط، وفي 2 بالمئة الثمار والفاكهة على أنواعها، فلا يمكننا لوم هذا الطائر، بل على المزارع أن يعتني ببستانه، فالمزارعون في أوروبا لا يشتكون منه، وهناك طرق لحماية البساتين، فلا يأكل منها ولا ينقر الثمار، والفترة التي يعتمد فيها على الفاكهة فترة بسيطة للغاية في موسم فصل الخريف، وبدلا من قتل هذا الطائر الذي يجدد الشجر ويحيي ويزرع غابات جديدة، وينظف الغابة من الجيف ويقضي على الحشرات، علينا أن نحافظ على مواسمنا باتباع وسائل لحمايتها".
وقال: ليس من الضروري أن نشرح فائدة كل طائر بهدف حمايته، فالطائر خلقه الله ويلعب دورا في الطبيعة ولا يحق لنا قتله، ومع العلم والبحث والمتابعة، والتوعية التي نحاول أن نعممها، يكتشف الإنسان أمورا كثيرة، ومنها أن فوائد هذا الطائر التي لا تقدر بثمن".
الشْقُرُّق
وعن الشْقُرُّق قال جرادي: "في لبنان يوجد الشْقُرُّق الأوروبي فقط، أما في سلطنة عمان مثلا، لديهم نوعان، الشْقُرُّق الأوروبي والهندي، وبكل الأحوال يتشابهان في السلوك ولكن ثمة فرقا في ألوان نهاية الريش حيث يميل إلى أبيض رمادي في النوع الهندي، وهو طائر لا تنطبق عليه مواصفات طيور الطرائد، والطرائد عادة من فصيلة الدجاجيات، ويكون لديها لحم مكتنز ولذيذ، وتتغذى على الحبوب عادة، والشْقُرُّق لا يتغذى إلا على الحشرات، لا يأكل لا نباتات ولا فاكهة، وقد كان هذا الطائر مهددا بخطر الإنقراض حتى العام 2012، ولكن نتيجة عمليات المحافظة والمتابعة الدولية تحسن وضعه، وفي الإحصاء التابع لـ (المجلس الدولي لصون الطبيعة) IUCN في العام 2015، تبين أن وضعه أصبح أفضل ولم يعد مهددا، ولكنه في فترة نقاهة، ولذا يمنع صيده بتاتا بموجب القانون، ويعتبر من الأنواع المهددة".
بالمحصلة، ومن موقع ghadinews.net، لا يمكننا لوم الطائر لمحاولته البقاء على قيد الحياة وسط ما يطاوله من تهديدات لجهة الصيد والحرائق والعوامل الطبيعية التي تطاول موائله، إن لم يجد ما يسد جوعه، لذا يقتات على الثمار، ولكن يمكن حماية الأشجار والبساتين، وبأساليب بدائية ومتطورة ولا داع لأن تكون مكلفة، خصوصا وأننا نعي وضع الفلاح والمزارع اللبناني المتدهور، وبالمقابل، لا يمكننا ونحن ننظر إلى غاباتنا إلا وأن نتساءل، كم ساهمت هذه الطيور، وثروتنا الوطنية من الطيور عامة، بزراعة وتحريج، وحماية غاباتنا وأراضينا من الآفات، عندها علينا أن نفكر قبل أن نطلق النار على كل ما يطير، وعلينا أن ندرك أننا بطلقة واحدة قد نقضي على أكثر من مجرد طائر نستعرض به أمام جمهور من المشجعين على صفحات التواصل الإجتماعي، أو في مجتمعاتنا الخاصة!