"غدي نيوز"
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ضربت موجة قاسية من الجفاف أجزاء واسعة من السودان أنهت حقبة غنية من التنوع الطبيعي للحياة البرية، ومنذ ذلك التاريخ بدأ العد التنازلي لانقراض مجموعة كبيرة من الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات
كواحد من أكبر بلدان القارة الإفريقية، تحتل الحيوانات المتوحشة والطيور والزواحف والبرمائيات مكانة راسخة في الذاكرة الشعبية، ومازال كبار السن يعرفون الخصائص المميزة لكل نوع، لكن الأمر لم يعد كما كان في السابق.
قطعان الأفيال والأسود والنمور والفهود والجواميس والظباء والكتمبور والغزلان والتيتل لم تعد تشاهد إلا في المحميات البرية، لكن نوعيات أخرى مثل وحيد القرن والوعول البرية وغزلان المها انقرضت تماما، لكن الطامة الكبرى التي حلت بالحياة البرية لم تنتهِ عند ذلك الحد.
خطر الانقراض
الآن تواجه فصائل أخرى من الحيوانات والطيور خطر الانقراض بعد ظهور جيل جديد من القناصين يستخدم بنادق حديثة وآليات صيد تعمل في حلكة الليل وتهاجم تلك الحيوانات عند نومها، ولديهم هدف قاتل وهو جني الأرباح الكبيرة من لحوم تلك الحيوانات والطيور، فضلا عن جلودها وريشها وزيتها.
الأرانب تلك الحيوانات الوديعة الرقيقة وطيور الكنار والحبار وطائر الكرك المهاجر والاوزر والنعام تمثل صيدا ثمينا قد ينقل قناصا بين ليلة وضحاها إلى خانة ميسوري الحال وربما الثراء.
منذ عقد من الزمان ظهر جيل من القناصين يقومون بعملية يطلق عليها "التجميع" حيث يصطادون كميات كبيرة من تلك الطرائد والطيور.
يقوم وسطاء وتجار بشراء تلك الكميات ثم تجميدها وبيعها في الأسواق المحلية، وأحيانا تصديرها بطرق غير مشروعة .
ويستهدف هؤلاء القناصون طيورا محمية بالقانون الدولي مثل طائر الكرك الرمادي المهاجر.
تهاجر طيور الكرك إلى السودان في بداية موسم الرشاش "المطر الخفيف" في يوليو قاطعا الصحارى والبحار هربا من الصقيع في أوروبا حيث يوافق موسم نبات الذرة التي تشكل غذاء مهما لتلك الطيور، وفي موسم الربيع يعود أدراجه إلى أوروبا ليتزاوج في أعشاشه ويربي أطفاله.
عشرون دولاراً
عشرون دولارا لا تكلف الكرك حياته وحسب لكنها تحرم العالم من أعظم الطيور المهاجرة وأكثرها إلهاما، بعرضها الراقص الجماعي، ووقفتها النبيلة حيث يخبئ رأسه تحت جناحه في لحظات السكون، لكن ليس الكرك وحده الذي يواجه تلك المأساة.
طيور القمري "أبوطوق" وأسراب القطا الليلي التي ألهمت العشرات من الشعراء عبر التاريخ أيضا أهداف لهؤلاء القناصين.
يتباهى هؤلاء الخارجون عن القانون ببث صور مروعة لتلك الطيور على مواقع التواصل الاجتماعي وهي مخصبة بالدماء ومنكفئة على وجهها في التراب فاردة أجنحة ممزقة.
"هذه إبادة" يقول بدر الدين، وهو صياد وعضو اتحاد القناصين السودانيين، ويضيف "إن لم ننتبه سوف يفقد السودان قريبا ثروته البرية كما حدث في دول كثيرة في الإقليم".
منذ سنة انتظم عدد كبير من الصيادين في اتحاد خاص ويعملون في شراكة مع هيئة الحياة البرية ووزارة السياحة والبيئة، وهدفهم هو تسجيل الصيادين وحصرهم من أجل بث الوعي والقضاء على الصيد الجائر وممارسة الصيد كرياضة وهواية وليس من أجل الربح.
موسم التزاوج
وقال بدر الدين لـ"العربية.نت": "كصيادين نعرف ما الذي يحيق بالطبيعة من جراء الصيد الجائر، لذلك نعمل على إلزام عضويتنا بالمحافظة على الحياة البرية ومكافحة الصيد الجائر و(التجميع) وصيد السلالات المحمية والمعرضة للانقراض وعدم الصيد في موسم التزاوج".
يسعى الاتحاد لعقد شراكات عالمية لنيل عضوية "جمعية حماية الطيور العالمية" لتلقي العون والمساعدة الفنية، ولفت نظر المدافعين عن البيئة والحياة البرية من أجل حماية طيور الكرك والإوز والنعام وبقية الطيور التي تمثل هدفا للصيد بغرض التجارة.
ويمتلك السودان 8 محميات طبيعية و4 حرم صيد وطيور، وفي عام 1935 أسست أول محمية برية سودانية تعتبر من المحميات الكبيرة في القارة الإفريقية في مدينة "الدندر" على الحدود_السودانية_ الإثيوبية من أجل حفظ السلالات وحمايتها في مساحة تبلغ 10331 كلم لكن اختفاء الغابات والتحطيب وضعف الغطاء النباتي والتوسع الحضري والزراعي ضغط على أماكن التوالد البرية.
ومع انحسار أعداد كبيرة من الطرائد تظل الطيور هي الأوفر عددا لما يوفره حوض نهر النيل من حماية طبيعة حيث تمثل ضفافه الممتدة موطنا تاريخيا لأسراب هائلة ونادرة من الطيور المهاجرة والمقيمة.
ويعتبر مشروع الجزيرة الذي أسس في عام 1928 من أكثر المناطق جذبا لطيور الكرك والقطا لما يوفره من الغذاء والماء.
المصدر: العربية.نت.