"غدي نيوز" - متابعات -
نشرت صحيفة "ريجستر غارد" الأميركية تقريرا إن نقص المياه الذي تعاني منه منطقة الشرق الأوسط كان سببا في اندلاع ثورات "الربيع العربي"، مشيرة إلى ان قلة الماء في المنطقة قد يكون له دور أخطر في المستقبل إذا استمر الوضع الحالي.
وذكرت الصحيفة أن منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط والفقيرة بالماء، لا يوجد بها سوى 1 بالمئة فقط من موارد المياه المتجددة الموجودة على سطح الأرض، وقد زاد التغير المناخي والجفاف ونمو السكان الطلب على المياه في هذه المنطقة القاحلة، مما أجج الصراعات وعدم الاستقرار، وقد أصبح شح المياه بالنسبة للعديد من الدول قضية أمن قومي.
مصر وسوريا
وأوضحت الدراسة أن "مصر التي تعاني من أزمة في تأمين القمح، تعرض اقتصادها لهزة في العام 2010، حيث أدت الحرائق وموجات ارتفاع درجة الحرارة في روسيا، المصدر الرئيسي للقمح لمصر، إلى رفع أسعار الغذاء في البلاد بنسبة 30 بالمئة"، وتابعت ان "روح الثورة" تأججت حين حولت الحكومة مسارات المياه لتصل إلى الأحياء الغنية، بينما أصبح الوصول إلى المياه في سائر أرجاء مصر أكثر صعوبة وتضاعف سعرها، حيث أطلق مراقبون على "ثورة يناير" في مصر اسم "ثورة العطاشى".
أما في سوريا التي اندلعت فيها احتجاجات في آذار (مارس) من العام 2011، فقد كشفت "برقية سرية" صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق عام 2008، أي قبل 28 شهراً من تفجر الحراك الشعبي بسوريا، عن توقعات عبد الله بن طاهر يحيى، ممثل منظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، بحصول هجرة جماعية من المناطق الشمالية الشرقية التي يضربها الجفاف في سوريا، ما قد يضاعف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية القائمة ويؤدي إلى تقويض استقرار البلاد.
وأوضحت الصحيفة أنه "خلال تلك الفترة، باتت البلاد أكثر ضعفاً بعد أن ضربتها أسوأ موجة جفاف منذ 500 عام، كما تفاقم الوضع جراء فساد الحكومة وسوء إدارتها الموارد المائية في تلف المحاصيل وما نتج عن ذلك من أزمة غذائية"، مشيرة إلى ان ما يقرب من 75 بالمئة من الأراضي الزراعية السورية تلفت في الفترة ما بين 2006 و2011، مما حدا بمليون ونصف مليون سوري إلى الهجرة للمراكز الحضرية، وقد فاقمت الهجرة من الريف إلى الحضر من أزمتي البطالة والفقر، اللتين أسهمتا في اندلاع ثورة عام 2011، التي أدت في نهاية المطاف إلى الحرب في سوريا".
لعنات شح المياه
وفي ما يتعلق بالعراق فقد أشارت الصحيفة الأميركية إلى ان بلاد الرافدين تعاني اليوم نتائج بناء الجيران العديد من السدود على أنهارها، حيث بنت تركيا عدة سدود على نهر الفرات، وكذلك في سوريا هناك سد واحد (سد الفرات) وخزان مياه (بحيرة الأسد)، بينما بنت إيران العديد من السدود على فروع نهر دجلة.
وأفاد مصدر في وزارة الموارد المائية بانه ليس هناك اتفاقيات بين العراق وتركيا وسوريا حول حصة محددة من المياه باستثناء اتفاقيات غير موثقة مع سوريا، لأن العراق لم يكن مهتما بالاتفاقيات الاقليمية والدولية بخصوص حصص المياه التي يجب أن يحصل عليها، مبينا ان مجموع ما يجب أن يدخل العراق من المياه، كان في السابق هو 27 مليار متر مكعب من المياه من نهري دجلة والفرات كحصة قانونية، أما الآن فيدخل تقريباً 11 مليار متر مكعب من المياه، أي ثلث الكمية السابقة.
وتابعت الصحيفة بالقول إن "لعنات شح المياه دائماً ما صاحبت ليبيا، وفي محاولة للتغلب على ذلك، دشن الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 1983، أحد أكبر مشروعات الري والهندسة في العالم، بهدف توصيل مياه الشرب والري إلى المدن والمزارع في أرجاء ليبيا"، مشيرة إلى ان شبكة الآبار والمواسير الجوفية الضخمة لم تستكمل عقب الإطاحة بالقذافي واندلاع القلاقل السياسية عام 2011.
سدود عديمة الفائدة
وبالنسبة لمسألة المياه في فلسطين، فقد قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالاستيلاء على جميع الموارد المائية بفلسطين وأجزاء من الأردن، ويعد الاستيلاء على موارد المياه في مرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية وغزة والتحكم فيها، سبباً رئيسياً للاحتلال الإسرائيلي، وتحقيقاً لتطلعات صهيونية قديمة، فيما يعاني أهالي الضفة الغربية بفلسطين من قلة المياه، حيث لا يحق لأكثر من 200 ألف فلسطيني الوصول إلى منظومات المياه الموصلة بالمواسير، ولا يمكنهم كذلك، الحفر لاستخراج المياه، كما لا يمكنهم بناء أو إحياء أي هيكل مائي دون الحصول على تصاريح من قوات الجيش الإسرائيلي.
أما إيران التي يزيد عدد السدود فيها على الـ600، يمكن أن تسبب تلك السدود نزاعاً عبر الحدود، فمشروعات على شاكلة مشروع "داريان" السد الضخم المقام على نهر ديالى أحد روافد نهر دجلة، من شأنه أن يقلل الموارد المائية إلى إقليم كردستان بمقدار 60 بالمئة، وقد بدأت طهران تدرك أن سوء التخطيط وسنوات الجفاف قد تسببت جميعها في تحويل العديد من السدود إلى سدود عديمة الفائدة، بالإضافة إلى إسهام العديد منها في إلحاق ضرر بالبيئة.
أبعد من الحدود السياسية
وتعاني ما يقرب من 96 بالمئة منطقة من إيران مستويات مختلفة من الجفاف الطويل، وتعاني مدنها الثماني الرئيسية، بينها طهران، للحصول على مياه صالحة للشرب، وأيُّ تعطل في منظومة المياه يثير الذعر بأرجاء البلاد، كما حدث في الصدامات التي اندلعت مؤخراً بأصفهان نتيجة نقص المياه.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن "الحروب التي استمرت في بعض مناطق الشرق الأوسط عقوداً، قد سببت ضرراً إضافياً إلى جانب شح المياه، إذ تشبَّع قدر كبير من تربة المنطقة بالرصاص الناتج عن الذخيرة، ويؤثر تراكمه سلباً على جودة المياه، كما زادت الفوضى وإضعاف مراكز القوى من صعوبة الاستجابة للأخطار التي تفرضها زيادة درجات الحرارة، والجفاف في الجو".
وتابعت ان "حل مشكلة المياه في الشرق الأوسط مرتبط باعتبار موارد المياه محل تعاون وليس تنافس، فمستقبل المنطقة مرهونٌ بالاستعداد للتفكير بمنطق أبعد من الحدود السياسية والمصالح الضيقة وتجاوزها إلى مستقبل يقوم على التعاون"، وفقا لــ nrttv.com/ar.